رغبة “عالية” في الهجرة من دمشق إلى الخارج.. دراسة تحاول فهم الدوافع

syria press_ أنباء سوريا

نشر مركز “السياسات وبحوث العمليات” (OPC) اليوم، الأربعاء 5 من أيار، دراسة استقصائية حاولت فهم دوافع الهجرة الطوعية لبعض سكان مدينة دمشق إلى خارج سوريا، والعوامل التي تعزز التوجه إلى الهجرة، بالتزامن مع ما تشهده مناطق سورية من التردي الاستثنائي في مستويات المعيشة خاصة خلال العامين الأخيرين.

واستهدفت الدراسة التي أعدها الباحث الأول في المركز سلطان جلبي، عينة ضمت 600 مستجيب من الجنسين، من فئات عمرية وتعليمية متفاوتة ومستويات معيشة مختلفة.

وانصب تركيز الدراسة على مناطق سيطرة النظام السوري حيث تعيش الكتلة السكانية الأكبر من السوريين داخل سوريا، وقد اتخذت الدراسة من مدينة دمشق ميدانًا للدراسة كونها تضم “حوالي 1.8 مليون نسبة، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة في أيار عام 2020، وهي نسبة تقل عن 10% من إجمالي سكان البلاد”، وفق الدراسة.

كما أن مدينة دمشق جذبت موجات هجرة عديدة من سكان الأرياف، من مختلف المحافظات السورية، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أما خلال سنوات الثورة السورية وما تلاها من تطورات حتى 2014، كانت محافظتا دمشق وريفها قد استقبلتا حوالي 42% من إجمالي النازحين داخليًا في سوريا.

وطرحت الدراسة عدة تساؤلات لمعرفة نسبة الراغبين في الهجرة من بين مستجيبي العينة، والوجهات المفضلة لدى أولئك الراغبين في الهجرة، والعوامل الموضوعية المؤثرة في تكوين الاتجاه نحو الهجرة، والشرائح السكانية الأكثر ميلًا نحو الهجرة.

ولا تزعم الدراسة أن هذه العينة بالضرورة ممثلة لمجتمع دمشق الكبير وغير المتجانس بالمعنى الإحصائي للكلمة، ولكن العينة تكتسب قيمتها من كونها تعكس آراء وتوجهات وتجارب 600 مستجيب عشوائي من سكان دمشق من الجنسين.

“سئمت العيش في سوريا”

وجاءت الغالبية العظمى من المستجيبين قد عبروا عن رغبتهم في الهجرة من سوريا، إذ بلغت نسبة هؤلاء أكثر من 63%، بينما الذين لا يملكون الدافع نحو الهجرة فكانت نسبتهم 36.5%.

ويعتبر الهرب من الظروف المعيشية الصعبة داخل سوريا، السبب الرئيسي للتفكير في الهجرة بالنسبة لحوالي 60% من مستجيبي الدراسة الراغبين في الهجرة، وهو متوقع في ظل التدهور الاقتصادي الذي تعيشه سوريا طوال العقد الأخير والذي زادت وثيرته خلال عامي 2019 و2020.

وأسباب تدهور الاقتصاد السوري متعددة، منها تزايد الصراعات الداخلية في دائرة داعمي النظام، والأزمة المالية والأمنية في لبنان، وانتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، وتسارع وتيرة العقوبات الاقتصادية على النظام السوري.

ومن العوامل الأخرى التي تدفع الأفراد من المستجيبين للدراسة هي البحث عن فرص عمل وتعليم أفضل، ولم الشمل والالتحاق بأفراد العائلة خارج سوريا، وتفاديًا للخدمة العسكرية الإلزامية، كما أن عبارة “سئمت العيش في سوريا” كانت دافعًا لبعض المستجيبين للدراسة.

ويعتبر غياب القدرة المالية على تحمل نفقات الهجرة يشكل، وفق الدراسة، العامل الأكبر تأثيرًا في منع المستجيبين من الإقدام على الهجرة، إذ إن “ضعف الموارد المالية هو سبب دافع للهجرة ومانع لها في نفس الوقت”، وإذا توفر المال أو طرق هجرة أقل تكلفة، “قد يحول الرغبة إلى قرار”.

وتعتبر الدوافع المؤدية للتمسك بالبقاء في سوريا هي الارتباطات العائلية والاجتماعية، وهذا يعكس الأطر الاجتماعية كالعائلات الممتدة والروابط المحلية في حياة السوريين، لكن انتفاء دافع البقاء لأجل العائلة والمجتمع المحلي، مرهون بقرار العائلة نفسها بمغادرة سوريا، وباحتمال تفتت المجتمع المحلي نفسه.

ما الوجهات المفضلة للراغبين في الهجرة

ووفقًا لما ذكرته الدراسة البحثية فإن الدول الغربية تشكل الوجهة المفضلة لدى غالبية المستجيبين للعينة من الراغبين في الهجرة، والأمر مرتبط بالحقوق التي تمنحها تلك الدول للاجئين على أراضيها من حيث الوضع القانوني والمعيشي والآفاق المستقبلية.

والراغبين في الهجرة في عينة الدراسة، يبحثون عن الاستقرار في تلك الدول لمدة طويلة، بخلاف المستجيبين الذين اختاروا دول الخليج العربي أو دول الجوار السوري كوجهة مفضلة للسفر.

فالراغبون في الهجرة إلى دول الخليج العربي، هم غالبًا باحثون عن فرص للعمل تمكنهم من الادخار لتحسين أوضاعهم المعيشية، ومن ثم العودة إلى سوريا.

وأظهرت الدراسة أن النسبة الأكبر من المستجيبين الميالين للهجرة، هم أولًا من الشباب الأصغر سنًا، وثانيًا من غير المتزوجين، وثالثًا من الحاصلين على مؤهل تعليمي مرتفع.

تنبيه لتفادي المزيد من الأزمات

وتعتبر هذه الدراسة بمثابة “توصيف منهجي وعلمي للواقع”، وهذا التوصيف المنهجي ينبّه كل من الأشخاص المسؤولين في سوريا والدول الغربية، بحسب ما يراه الباحث سلطان جلبي في حديثه لعنب بلدي، فالخسارة السكانية المحتملة للبلاد ستتركز بين الفئات العمرية المنتجة والمؤهلة علميًا، ما يشكل خطرًا على إعادة الاستقرار الاجتماعي في سوريا.

ولم تنته بعد أزمة اللجوء السوري، وإنما هناك العديد من العوامل التي تعزز فكرة الهجرة لدى السكان في دمشق، ويجب بحسب جلبي على الدول الأوروبية التي تخشى من موجات لجوء أخرى، أن تركز في معالجة الأسباب الأساسية لهذه الأزمة، وليست الأسباب الهامشية.

كما أن تحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص العمل والتعليم يدفع بشكل كبير نسبيًا من الراغبين في الهجرة إلى العدول عنها، ولكن هناك عدة أسباب تمنع من تنفيذ برامج دعم الاستقرار في مناطق سيطرة النظام، وهي التورط بدعم أو التطبيع مع نظام خاضع لعقوبات دولية بسبب ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع.

المصدر: عنب بلدي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version