أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريراً حول محاكمة العقيد أنور رسلان وإياد الغريب المسؤولين السابقين في جهاز أمن المخابرات السوري، والمتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، أمام محكمة “كوبلنز” الألمانية.
ووفق التقرير الذي نشرته المنظمة يوم أمس الخميس، وصفت المستشارة في برنامج العدالة الدولية بالمنظمة، بلقيس جراح، المحاكمة الأولى من نوعها بـ”اللحظة الفاصلة بالنسبة للضحايا المصممين على تحقيق العدالة عن الجرائم التي ارتكبت بحقهم في سوريا”.
وأكدت جراح أنه “في ظل منع سبل العدالة الأخرى، فإن المحاكمات الجنائية في أوروبا، تقدم الأمل لضحايا الجرائم في سوريا الذين ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه”.
وأضافت أن محاكمة المجرمين في “كوبلنز”، ورغم كونها تبعد آلاف الأميال عن مكان وقوع الجرائم، فإنها يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في مكافحة الإفلات من العقاب، كما أنها تعد بمثابة تذكير مهم بالحاجة إلى القيام بالمزيد لضمان المساءلة عن الفظائع المروعة الناجمة عن النزاع السوري.
وأشارت المنظمة إلى أن “الولاية القضائية العالمية” تعد جزءًا مهمًا في إطار الجهود الدولية الرامية لمحاسبة مجرمي الحرب في سوريا، وتوفير العدالة للضحايا، وردع الجرائم المستقبلية، خاصة في ظل عرقلة روسيا والصين الجهود في مجلس الأمن لإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وأوضحت المنظمة أن هناك عشرات الآلاف من السوريين تم اعتقالهم أو إخفاؤهم قسريًا، من قبل الحكومة السورية، التي تواصل عمليات الاعتقال وإساءة المعاملة، الأمر الذي أسفر عن وفاة الآلاف تحت التعذيب.
ولفتت المنظمة إلى أن التجارب السابقة في العديد من البلدان تُظهر أن “الممارسة العادلة والفعالة للولاية القضائية العالمية يمكن تحقيقها عندما يوجد مزيج صحيح من القوانين المناسبة، والموارد الكافية، والالتزام المؤسسي مثل وحدات جرائم الحرب المخصصة، والإرادة السياسية”.
يذكر أنه بدأت يوم أمس الخميس المحكمة العليا بمدينة “كوبلنز” الألمانية أول محاكمة من نوعها في العالم لضابطين سابقين في نظام الأسد متهمين بالمشاركة في جرائم ضد الإنسانية في سوريا.
وتداولت وكالات الأنباء صورا للضابطين “أنور رسلان” و”إياد الغريب” وهما في قاعة المحكمة، حيث تجري علنا، في سابقة تاريخية لكونها أول قضية تتعلق بالجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري أمام ولاية قضائية دولية.
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، “أنور البني” قال في تصريحات إن “المدعي العام الألماني بدأ بتحضير ملف رسلان منذ العام 2018 واستمع لشهادات الضحايا وجمع الأدلة والوثائق ومن ثم أصدر قرار اتهامه وتوقيفه في شباط من العام الماضي مع إياد غريب”.
المحامي “البني” التقى بـ”رسلان” في منفاه في برلين، حيث صودف أن يقيما في مبنى طالبي اللجوء نفسه في المدينة التي وصلا إليها بفارق شهرين، لكنه لم يتعرف إليه في البداية.
ويُتهم “رسلان” (57 عاماً)الّذي كان ضابطاً في الفرع “251” أو “فرع أمن الخطيب” في دمشق، بتعذيب نحو 4 آلاف شخص قُتِل منهم 58 في الفترة الممتدة من نيسان 2011 وأيلول من العام 2012. بالإضافة لاتهامه بارتكاب حالتي عنف جنسي واغتصاب، بحسب لائحة الاتهامات الموجّهة إليه.
كما أنه متهم باعتقال البني في أيار مايو/2006 من أمام منزله في دمشق وسجنه لمدة خمس سنوات حتى إطلاق سراحه في العام 2011.
“البني” الذي يرأس “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية” أكد أنه خلال ّجلسات المحاكمة ستكون بشكل علني، وخلالها ستتم المواجهة العلنية بين المتهمين والضحايا ومن المتوقع أن يستمر ذلك لفترة تتراوح بين سنة وسنتين لوجود عدد كبير من الشهود”.
وتوقّع أن يواجه رسلان عقوبة السجن مدى الحياة نتيجة ممارساته، حين كان على رأس عمله قبل أن ينشق عن النظام بعد مرور أكثر من عام على بدء الثورة السورية معتبراً أن “مثل هذا النوع من الجرائم عادةً يُعاقب عليها بالسجن المؤبد أو لمدة لا تقل عن 20 عاماً”.
وأشار “البني” إلى أن العديد من السوريين أبدوا استعدادهم للشهادة والكشف عما حصل معهم، لمحاسبة مجرمي النظام ومنهم أنور رسلان، موضحاً أن هذه المحاكمة ستكون بداية لمتابعة وملاحقة أكثر من ألف شخص ممن ارتكبوا جرائم حرب ضد الإنسانية والسوريين، بغض النظر عمن يتبع له أكان نظام بشار الأسد أو آخرين.
من جانبه وأوضح المحامي الألماني “باتريك كروكر” الذي يمثل 6 أطراف مدعية مدنية سورية قد تنضم إليها امرأتان، أن “القضية ليست انتقاماً بل قضية معرفة الحقيقة”.
“رسلان” و”غريب” ألقي القبض عليهما في شباط من 2019، في عملية تمت بالتنسيق بين الشرطتين الألمانية والفرنسية، بحسب بيان سابق لمكتب المدعي العام في مدينة “كارلسروه” في المانيا.
كما يحاكم أيضًا إياد الغريب (42 عامًا)، وهو مسؤول في جهاز أمن الدولة في سوريا، و متهم باحتجاز المتظاهرين، وبـ30 تهمة تتعلق بالمساعدة في التعذيب والقتل.