مرّ دخول “القائمة العربية” كأول حزب عربي بإسرائيل، ضمن حكومة الاحتلال، من دون أن يأخذ ما يستحق، حزناً ووجعاً وخيبات.
بل ربما رأى البعض، بهزيمة بنيامين نتنياهو، نصراً مؤزراً، وكأن مشكلة الاحتلال وعنصرية إسرائيل، تكمن بشخص أو حتى حزب، وسيظهر الحق ويزهق الباطل وينال عرب فلسطين، كما روّج رئيس القائمة العربية، منصور عباس، حقوقهم بحكومة التناوب، بين يائير لابيد زعيم حزب “هناك مستقبل” ونفتالي بينيت زعيم قائمة “يمينا”.
لتصفع المنطقة على الفور، بنتناهو آخر بإيران، سيمرر وصوله لسدة الرئاسة، رغم اتهامه بجرائم ضد الإنسانية، خلال جرائم تعذيب وقتل تحت التعذيب وإخفاء قسري، بل وإعدامات موثقة خارج نطاق القضاء ضد آلاف المعارضين، وقت شغل منصب معاون المدعي العام للمحكمة الثورية في طهران عام 1988.
ويديّ الرئيس الجديد بإيران، ابراهيم رئيسي لم يجف عنها دماء متظاهري نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2019 أو ما تلاهم من قمع واعتقال، حين كان رئيساً للسلطة القضائية في السنتين الأخيرتين، قبل وصوله لمنصب الرئاسة أمس.
وباللعبة ذاتها والتغييب نفسه، يغرق أهل المنطقة بفعل الدعاية الدولية، بهل سيكون رئيسي مع اتفاق إيران – الولايات المتحدة النووي، أم سيعارضه نظراً لمواقفه التاريخية المعادية للغرب، أم يا ترى، سيوّقع الاتفاق قبل تسلم رئيسي خلفاً لروحاني بعد 45 يوماً.
كما غيّبوا ويغيبوا منذ عقود، خلال الانتخابات الإسرائيلية والمفاضلة بين الليكود والعمل، قبل أن تدخل الأحزاب الجديدة حلبة المنافسة، ويستمر التغييب حول ديمقراطية زائفة بأكثر دول العالم ثيوقراطية اليوم، واللهاث وراء نسب التصويت بإيران والتي -للأمانة- تفلح بسياستها الشاغلة لجميع وسائل الإعلام بالعالم، بل ولا تغيب لحظة عن الضوء.
إذ، بالمناسبة، كم يؤسف المتلقي العربي، تغييب أخبار التجويع والاستبداد والقهر، بدول الربيع العربي خاصة، ومن وسائل ادعت سابقاً أنها نصير المواطن وصوت الشارع والحق، لتنشغل -تلك الوسائل- بنقل مباشر ولحظي، لأدق تفاصيل التضليل بلعبة الانتخابات الإيرانية وتسويق “الخيانة” بدخول قائمة عربية ضمن تحالف حكومة الاحتلال.
ولكن، قد يقول قائل: أليست إسرائيل وإيران هما عدوتا العرب بالمطقة، ومن الواجب تغطية أخبار الانتخابات فيهما، ليعرف المواطن العربي، أو يستشف على الأقل، مستقبله وعلى أي وسادة سينام؟!.
على الأرجح ستكون الإجابة، أن ثمة سياسة وعلانية بإسرائيل، بصرف النظر عن رئيس الحكومة وحزبه، حاسمة الموقف والقرار بشأن ابتلاع الأراضي والاستيطان والقمع، بل وتدرس ضمن المنهج الدراسي فكر المظلومية المضلل وتعبئ منذ الطفولة، على العداء والتوسع والاستغلال، وتلك السياسة المعلنة والعلانية توضح هدف وتطلعات دولة الاحتلال التي تسعى، كما إيران، لإقران اليهودية باسمها، لتكون ثاني ثيوقراطيات العالم، بعد الجمهورية الاسلامية.
وكذا بالنسبة إيران، فالفكر العدائي والنكوصي “الولي الفقيه” هو من يقود ليس إيران، بل والعراق ولبنان واليمن وسوريا حديثاً، عبر الميليشيات الطائفية، بصرف النظر عمن يصل للرئاسة، سواء متشددين، معتدلين، محافظين أم إصلاحيين. وإن كانت المخاوف مشروعة، من تعزيز الاحتلال ووهم الامبراطورية الفارسية، بدول الجوار على حامل “الشيعية” خلال حكم رئيسي.
وللذي عاش وهم الانتخابات بالأمس، وشُدت أعصابه لخسارة الإصلاحي، عبد الناصر همتي نهمس بأذنه للعلم ليس إلا، أن للوالي الفقيه الصلاحية المطلقة -وإن شابها بعض بهارات تعددية وديمقراطية شكلية- بالسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وتسمية مجلس المرشدين والقضاء الأعلى وقيادة القوات المسلحة، بل وليضف المحزونون على الإصلاحي لمعلوماتهم، أن ذلك الوالي الحاكم بأمر الله، هو من يصادق مرسوم تسمية الرئيس ويعزله إن شاء، بحجة المصلحة العليا الإيرانية وسوء تصدير الثورة.
نهاية القول: ربما الشعب، كل شعب المنطقة هو الخاسر الوحيد، ليس من انزياح الإعلام وانشغال أباطرته بتنفيذ الدعاية والتضليل الدولي خلال مسرحيات الانتخابات، فذاك أضعف الخسائر وأقلها.
بل كارثة شعوب المنطقة بمرمتها، تكمن بالمستبدين الذين يسخّرون كل الثروات والإمكانات، لخدمة البقاء والوهم والديكتاتورية. ويأتي ربما، ألم الشعوب العربية وخيبتها، بدول الطوق لإسرائيل وإيران، مضاعفاً، جراء وصول رؤساء ورؤساء حكومات تؤثر بقاء المستبدين وتشجع على تغييب الحرية والديمقراطية. ما يزيد من فقدان الأمل بالغد، فما قدمته وستقدمه إدارة بايدن، لإيران من دعم، بعد أن بدلّت كل سياستها تجاه الأسد بسوريا، يؤكد الثقة بنظرية المؤامرة ومنع شعوب المنطقة برمتها، من الانتقال إلى الآدمية والديمقراطية.
عدنان عبد الرزاق – “زمان الوصل”