رأس القرشي ورقة اعتماد الجولاني لدى الغرب

لا خلاف بين معظم المتابعين لعمل التنظيمات الجهادية وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بالتحديد, أن تلك التنظيمات تلقّت صدمات عسكرية وتنظيمية ولوجستية أخلّت بكثير من تماسكها وأفقدتها قدرتها على المتابعة بنفس الصيغة التي اعتادت العمل بها خلال سنوات الازدهار التي عاشتها, وأعلنت فيها ولادة دولتها الإسلامية جاعلة من مدينة الرقة عاصمة لخلافتها بعد أن تمددت وسيطرة على 40% من مساحة سوريا ومساحات ليست بالقليلة من جغرافية العراق.

لكن أن يُقتل قائدان لتنظيم “داعش” بنفس المكان وعلى يد نفس الجهة وخلال عامين, وأن يُقتل معظم قادة الصف الأول, إضافة للضربات التي يتلقاها التنظيم عسكرياً في العراق, وبعد أحداث سجن “غويران”, لن يكون قرار التنظيم بعدها عادياً في طريقة تعاطيه مع تلك المستجدات, ومؤكداً أنه سيفرض تغيرات جذرية على سلوكه المستقبلي والجهادي, وهذا أمر اعتاد عليه التنظيم, أنه لا يموت بموت قادته إنما ينهج تكتيكاً جديداً يحاول من خلاله الالتفاف على المتغيرات وتجاوز النكبات التي ألمت به.

مقتل البغدادي وخسارة الجغرافية والمدن في سوريا والعراق فرض أسلوباً مغايراً بطريقة تعاطي التنظيم القتالية, فانتقلت كوادر التنظيم للعمل بأساليب جديدة مثل القتال بتكتيك “الذئاب المنفردة”, أو “المجموعات الصغرى” والكمائن والغزوات السريعة, مع الابتعاد عن سياسة التمكين بالأرض أو الاستحواذ على الجغرافية كما كان يحصل سابقاً, رافق ذلك الأمر تطبيق مبدأ اللامركزية بالقيادة بعد منح القيادات على الأطراف صلاحية اتخاذ القرار القتالي المناسب دون العودة للقيادة المركزية, ودون استشارة مجلس الشورى الذي غاب كلياً ولم يعد يظهر بأدبيات تنظيم الدولة خلال السنوات الثلاث الماضية, ولتلافي مخاطر الدخول بمعارك خاسرة تم الاعتماد على الغزوات السريعة والمفاجئة والمتعددة والمتباعدة, مع تطبيق مبدأ: اهجم, اقتل, اغتنم, انسحب, تلافياً للاصطدام مع التعزيزات الأرضية للعدو, وكذلك لعدم الوقوع تحت نيران الجهود الجوية التي يمكن أن يزجها العدو إذا ما تأخر وقت المعركة, ولاحقاً طور “داعش” نظام قتاله بحيث اخترق منظومات اتصال العدو الذي يهاجمه وأصبح يضع الكمائن على طرق التعزيزات وطرق الزج المتوقعة لأعدائه, والتي يمكن استخدامها لإيصال التعزيزات والمؤازرات, وهذا ما أوقع خسائر إضافية بصفوف العدو الذي تهاجمه خلايا تنظيم الدولة, ومؤخراً لوحظ إعادة التنسيق بين خلاياه المتباعدة بعمل موحد, وما حصل بسجن الصناعة في حي غويران بالحسكة نموذج عن هذا التنسيق والتعاون بين أطراف التنظيم.

مسرح الأعمال القتالية كان ولا يزال يشكل نقطة حاسمة وعاملاً أساسياً من عوامل النصر في المعركة القديمة والحديثة, ومقولة “قتلت أرض جاهلها, وقتلت أرض عالمها”, شكلت نقطة إيجابية استفاد منها تنظيم “داعش”, بعد أن درس مسارح قتاله الممتدة في البادية السورية وصحراء الأنبار العراقية, ودرس أدق تفاصيلها وطبيعتها بوديانها وجبالها وكهوفها, وبذلك حوّل مسرح الأعمال القتالية لأداة طيّعة لقتاله وهجومه وانسحابه, بعكس أعدائه الذين غابت عنهم كل معرفة أو اطلاع على طبيعة هذا المسرح رغم امتلاكهم لكل أدوات الاستطلاع المتقدمة والمتطورة.

وحول مقتل قادة التنظيم, فالتنظيمات الجهادية عوّدتنا أنها لا تموت بموت قادتها, بل يعتبرون “شهداءهم” منارات على طريق الجهاد الذي يتبعونه, وحافزاً على متابعة الطريق وبإصرار أكبر تدفعهم فيه عقيدة الانتقام لمقتل قادتهم, فمقتل الشيخ أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي وأبو بكر البغدادي وكل القادة من الصف الأول لم تؤدي لانفراط عقد تنظيماتهم, لكن بالتأكيد لم تبق تلك التنظيمات على مستوى القوة التي كانت تتمتع بها.

إصرار القيادة المركزية الأمريكية بالشرق الأوسط والاستخبارات الأمريكية على إخفاء هوية الشخصية التي تم قتلها ومنح شرف الإعلان للرئيس الأمريكي “بايدن” يضع العملية (التي نفذتها كتيبة من القوات الخاصة وقوات النخبة بالجيش الأمريكي وبمساعدة من قوات سوريا الديمقراطية) بموضع العملية الإستراتيجية, واعتبارها إنجازاً استراتيجياً يوضع في خزائن إنجازات الرئيس الأمريكي جو بايدن, على غرار المنجز الذي حققه الرئيس “أوباما” عندما أعلن بنفسه عن مقتل زعيم القاعدة الشيخ أسامة بن لادن, وكذلك إعلان الرئيس دونالد ترامب عن مقتل زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي قبل عامين, وقد يكون هذا الإنجاز عاملاً محفزاً لاستعادة الشعبية المفقودة للرئيس بايدن وللإدارة الديمقراطية التي باتت توصف بالتفكك والضعف والتردد بكافة الملفات الخارجية التي تتعاطى بها بعد عام من دخولها البيت الأبيض.

كان لافتاً في عملية الإنزال الجوي التي نفذتها مجموعة من القوات الخاصة وقوات النخبة من القيادة المركزية الأمريكية لمكافحة الإرهاب بمشاركة مع قوات سوريا الديمقراطية, أنها نفذت تقريباً بكل سلاسة واطمئنان, دون خوف من أعمال مقاومة رغم أنها تقع في منطقة يُفترض أنها منطقة معادية لأمريكا وللسياسة الأمريكية والمقصود بالكلام بالدرجة الأولى هيئة تحرير الشام.


وإذا كان هناك مبرر لفصائل الجيش الوطني بعدم تدخلها مع خمس حوامات مجهولة وعدد من طائرات “الدرون” كانت تحلق على ارتفاع مئات الأمتار قرب مناطق عملها في أطمة, ومن ثم أنزلت تلك الحوامات جنودها على الأرض دون أي تقدم أو اشتراك لتلك الفصائل بالتصدي لها, على اعتبار أن الراعي التركي بالتأكيد كان على اطلاع على مكان العملية الأمريكية ومجرياتها, وأن الأمريكان قد نسّقوا تلك الخطوة مع الجيش التركي الذي بدوره (كما هو متوقع) أعطى تعليمات لقادة فصائل الجيش الوطني بعدم التدخل أو الاعتراض, وهذا ليس بجديد فسكان الشمال المحرر نقلوا لنا مرات عديدة تحليق حوامات روسية (ويُفترض أنها عدو للفصائل) على ارتفاعات قريبة فوق مدينة الباب ومدن أخرى بالشمال الغربي السوري دون التعرض لها من قبل الفصائل, لأن قاعدة “حميميم” قد نسّقت جولات حواماتها ومسارها مسبقاً مع الأتراك.

لكن بالنسبة لهيئة تحرير الشام فالأمر مختلف, وهي ما فتئت تزج بالمواطنين والناشطين والصحفيين والإعلاميين من المهجرين والنازحين والمقيمين بالشمال السوري وبأرياف إدلب بالسجن بتهمة التعامل مع التحالف والتعامل مع الغرب, ولم ننسَ بعد حادثة الفرقة 30 التي تدرّبت على يد الأمريكان في تركيا لمحاربة الإرهاب, كيف اعتقلتهم هيئة تحرير الشام فور دخولهم للشمال مع قادتهم وضباطهم وصادرت أسلحتهم وزجت بهم بمعتقلاتها وغابت أخبارهم حتى اليوم, فكيف تمت عملية الإنزال ليلة الأربعاء_الخميس قرب بلدة أطمة, وكيف حلّقت الحوامات على ارتفاعات تطالها البنادق العادية, وكيف استمرت العملية لمدة ساعتين كاملتين دون اعتراض من سلاح هيئة تحرير الشام الفردي والمتوسط والثقيل الذي تعج المنطقة به, فهل كانت الهيئة أيضاً على اطلاع ومعرفة وتم التنسيق معها بخصوص العملية؟؟ ومن نسّق معها؟؟

أيضاً هناك جملة من الأسئلة, لماذا تصرّ قيادات داعش على الوجود بمناطق تقع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام؟؟ ومن قدّم المعلومات للتحالف الدولي سواء بعملية اغتيال أبو بكر البغدادي أو العملية الأخيرة باغتيال أبو إبراهيم القرشي؟ ومن وفّرَ له الحماية؟؟

هل كان رأس أبو إبراهيم القرشي ومن قبله رأس أبو بكر البغدادي أوراق اعتماد قدّمها الجولاني للتحالف الدولي والاستخبارات الغربية؟؟

يقول القاضي السابق في تنظيم هيئة تحرير الشام عصام الخطيب على تلغرام: “أخبرتكم أمس أن أمنيي الجولاني مستنفرون وعندهم عمل، وبالفعل ظلوا مستنفرين إلى أن بدأ الإنزال الجوي الأمريكي وانتهى، ثم هجم أتباع الجولاني على المكان يبحثون عن ذهب أو أموال كالذهب الذي وجدوه في مكان مقتل زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي في باريشا قبل عامين”
فـهل كان لتنظيم الجولاني يد ومساعدة وخدمة قدّمت للتحالف فيما حصل؟؟

أيضاً وبعيداً عن التخمينات تبرز عدة أسئلة واستفسارات أخرى, كيف وصل القرشي ومن قبله البغدادي لتلك المنطقة وعاش فيها لأشهر قبل أن تصطاده القوات الأمريكية, في منطقة على الحدود التركية مباشرة؟؟ وفي منطقة تعج بالمخبرين والعيون التي ترقب كل حبة زيتون تتحرك, وكل ربطة ملوخية تُهرّب, وكل عصفور يطير, من قبل حواجز ودوريات واستخبارات تتبع لهيئة الجولاني وللجيش الوطني, لكنها لم تلحظ وجود أمراء وقادة داعش؟؟

لا نشكك للحظة واحدة أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك أسطولاً ومنظومات متكاملة من وسائط الاستطلاع الفضائي والجوي والأرضي المتعددة, ولكن كل تلك المنظومات تحتاج لتأكيدات ميدانية عبر عملاء محليين يؤكدون المعلومة, فمن كان القائم بتلك المهمة؟؟

لم تلحظ وجود أمراء وقادة داعش؟؟

لا نشكك للحظة واحدة أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك أسطولاً ومنظومات متكاملة من وسائط الاستطلاع الفضائي والجوي والأرضي المتعددة, ولكن كل تلك المنظومات تحتاج لتأكيدات ميدانية عبر عملاء محليين يؤكدون المعلومة, فمن كان القائم بتلك المهمة؟؟

مقتل أبو اصطيف زيدان أحد عناصر هيئة تحرير الشام بعملية إنزال أطمة لم يكن مقتله لأنه اشترك بالقتال أو الدفاع أو التصدي, هو قُتل أثناء قيامه بمهمة إبعاد المدنيين عن مكان الإنزال والاشتباكات, ورصدت القوات الأمريكية تحركه ويبدو أنه كان مسلحاً فاشتبهت به وأطلقت النيران عليه, لكن السؤال: من أوكل له مهمة إبعاد المدنيين؟؟ ومن أين علم أن تلك القوات (وهي قوات أمريكية يُفترض أنها معادية بالنسبة له ولتنظيمه) ليست لمهاجمة الهيئة؟؟ وأن لها مهمة خاصة بالمنطقة تتجلى بقتل هدف يوجد بالمبنى المكون من ثلاث طبقات؟؟ وأنه وتنظيم هيئة تحرير الشام ليسوا مستهدفين بالهجوم؟؟

لسنا ضد قتل أي إرهابي من تنظيمات القاعدة والدواعش, لكن هناك أسئلة وشبهات كثيرة لن تجد لها جواباً شافياً الآن, وإن كان معظم الشمال السوري يُدرك أن تنظيم الجولاني ليس بريئاً فيها, وأن لهذا التنظيم مهمة استخباراتية في المنطقة بعيدة كل البعد عن مهام الثورة وأهدافها, وكما عرفنا مهمة ووظيفة ودور شاكر العبسي لاحقاً بما حصل في مخيم نهر البارد في طرابلس لبنان, والدور المعطى له من قبل الاستخبارات الأسدية هناك, سنعرف لاحقاً المهمة المنوطة بأبو محمد الجولاني من قبل الاستخبارات الأسدية والإيرانية والروسية.

أحمد رحال _ أورينت نيوز

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version