دمشق: النظام يضمن استقرار الليرة.. بمزيد من الانهيار المعيشي

لا يبدو أن الاستقرار النسبي الذي تعيشه الليرة السورية منذ أشهر، ووعود تحسين الوضع الاقتصادي، قد انعكس على الواقع المعيشي المتردي ومحاولات تأمين أبسط مقومات العيش بالنسبة إلى قاطني المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، جراء الارتفاع المستمر في الأسعار.

ورغم القرارات والإجراءات الحكومية الأخيرة الخاصة بمشاريع إلغاء دعم السلع ومراقبة الأسعار التي جرى الترويج لها على أنها تصبّ في مصلحة المواطن، إلا أن الواقع المتردي للسكان يؤكد عكس ذلك، خاصة مع تجدد ارتفاع معدل الإنفاق بالنسبة إلى الأسر المفقرة أصلاً.


تكلفة المعيشة ترتفع مجدداً

فقد ارتفعت تكلفة المعيشية بالنسبة إلى العائلة متوسطة العدد المؤلفة من خمسة أفراد مع بداية 2022، إلى أكثر من مليوني ليرة، بحسب ما أوردت مواقع موالية، في حين ارتفع متوسط كتلة الرواتب، بعد الزيادة الأخيرة في شهر كانون الأول/ديسمبر 2021، إلى 92 ألف ليرة، ما يشكل 4.5 من متوسط تكاليف المعيشة.


وتظهر البيانات ارتفاع التكلفة بأكثر من 80 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من 2021، والتي وصلت إلى ما يقارب المليون و200 ألف ليرة، بالرغم من التحسن الكبير في قيمة صرف الليرة الذي يشهد استقراراً نسبياً عند حدود 3500 ليرة لكل دولار، مقابل 4700 ليرة مطلع عام 2021.


ومع اعتياد السوريين على هذا النوع من الزيادة في معدلات التضخم، خاصة وأنها باتت تُعتبر من المسلمات، إلا أن خبراء اقتصاديين يرجعون الارتفاع الأخير إلى العديد من الأسباب، أهمها سياسة إلغاء الدعم التي زادت من عملية الإنفاق، فضلاً عن سياسة رفع الأسعار من قبل حكومة النظام.


ويرى الخبير الاقتصادي يحيى السيد عمر في حديث لـ”المدن”، أن “غياب منطق الدولة والمؤسسات الاقتصادية الفاعلة لدى النظام، إضافة إلى تآكل كتلة الموارد الشحيحة أساساً، واستشراء منظومة الفساد وهيمنة بعض الجهات على الاقتصاد السوري، قد انعكس على واقع السوق والأسعار من خلال انخفاض العرض مقابل ثبات الطلب، وبالتالي ارتفاع مستمر في الأسعار وتضخم دائم”.


ويقول: “من الأسباب الأخرى لارتفاع تكلفة المعيشة، الضرائب غير المباشرة التي تُفرض على السلع والخدمات، وهي تُحصّل من قبل جهات شبه حكومية، مثل الفرقة الرابعة وغيرها من الشخصيات النافذة، وهذه الضرائب يتم تحويلها للمستوى الأدنى وهكذا حتى تنتهي على مستوى المستهلك النهائي”.


ويضيف أن ترشيد الدعم “تحول إلى بيئة خصبة للفساد وبالتالي تآكل إضافي للموارد، فشركة تكامل المسؤولة عن توزيع مستحقات الدعم تدور حولها شبهات واسعة متعلقة بالفساد، كما أن محاولة إنعاش الزراعة لم تنجح بسبب قلة المحروقات وعدم جدية المشاريع الحكومية”.


وكان موقع “numbeo” الأميركي المختص بإحصائيات كلف المعيشة وتقصي نمط الحياة، قد نشر تقريراً أشار فيه إلى ارتفاع تكلفة المعيشة بالنسبة إلى الأسرة المؤلفة من أربعة أشخاص في سوريا، إلى مايقارب 1300 دولار أميركي، بمتوسط نحو 363 دولار للشخص الواحد، خلال عام 2021.


تقشف حاد

أما حكومة النظام والصحف الموالية لها، ومنها “البعث”، فتتحدث عن تغطية مبلغ 200-300 دولار أميركي للاحتياجات الأساسية للأسر شهرياً، ومع ذلك، تبقى هذه الأرقام بعيدة عن قدرة السوريين، الأمر الذي يثير التساؤلات حول الطريقة التي يتدبر بها السكان أمورهم.


وأكد العديد ممن تواصلت معهم “المدن” في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، أن غالبية العائلات تعتمد على أبنائها المغتربين في الخارج لتغطية النفقات الشهرية التي تتجاوز أصلاً المليون ليرة شهرياً، رغم اجراءات التقشف، أما بالنسبة إلى الأسر التي يغيب عنها هذا المعيل فإنها تعيش في فقر مدقع.


ويقول فراس وهو موظف حكومي من دمشق: “المليون ليرة هي أقل ما يمكن الوصول إليه بعد عمليات التقشف المشددة من إلغاء المشتقات الحيوانية عن المائدة، فيما الإفطار التقليدي من فول ومسبحة وغيرها، أصبحت في المناسبات فقط عندما يرسل لنا أقاربنا في الخارج المال، أما زيت الطعام فلا نتخلى عنه حتى يصبح لونه أسود”.


في حين أشار عبد الكريم من مدينة حلب، إلى وجود طفل وكبير في السن على الأقل داخل كل منزل لدى معظم العائلات التي ظلّت في سوريا، ما يعني زيادة في التكاليف والإنفاق على مستلزمات الأطفال والأطباء والأدوية بشكل دائم.

ويضيف “رغم أهمية تأمين الطعام، لكنه ليس الوحيد الذي يشغل بالنا، فمعظم من تبقى في سوريا هم من كبار السن والأطفال، ما يجعل مراجعة الأطباء ودفع المال بشكل شبه يومي أمراً طبيعياً، ومعها مصاريف الأدوية، والتي تمثل نفقاتهم أحياناُ ضعف نفقات العائلة على الطعام والشراب”.


وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، قد حذر من التدابير القاسية التي يضطر الأهالي لاتخاذها بسبب الجوع والفقر في سوريا، لا سيما أن العائلات باتت تتخذ قرارات صعبة، مثل تحديد أي من الأطفال سيأكل على أساس من هو الأكثر ضعفاً ومرضاً أو من منهم سينزلق إلى سوء التغذية الحاد إذا لم يتم إطعامه.


استطاع النظام السوري أن يحافظ على قيمة العملة المحلية منذ منتصف 2021، بعد اتخاذه العديد من الإجراءات والسياسات النقدية، إلا أن هذا الاستقرار لم ينعكس على السوق المحلية، الأمر الذي يرجعه اقتصاديون إلى غياب الثقة بين التجار ومؤسسات الدولة، بينما يعتبرها آخرون سياسة اقتصادية مدبرة للحفاظ على صورة النظام من خلال عملته الرسمية، على حساب قوت المواطن الذي يعاني الجوع والبرد والحرمان.

منصور حسين _ المدن

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version