هوت الليرة السورية إلى أكثر من 5100 مقابل الدولار في بعض المحافظات السورية، في حين شارفت على الوصول لمستوى 5 آلاف في دمشق وحلب الاثنين، مسجلة مستويات لم تسجلها من قبل.
ومع أن التدهور في قيمة الليرة على درجاته كان وما زال يلاحق أداء الليرة منذ نحو عقد، إلا أن انهياراً متسارعاً شهدته الليرة في الفترة الأخيرة فتح الباب على كثير من التساؤلات، حيث خسرت العملة السورية في غضون أقل من شهر واحد نحو 10 في المئة ليرة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي.
انشغال الحلفاء بمشاكلهم
وتزامن ما يبدو أنه سقوط حر لليرة السورية، مع زيادة متاعب روسيا في أوكرانيا نتيجة تراجع قواتها عسكرياً، ووصول الصراع إلى مستويات خطيرة بعد استهداف جسر كريتش في شبه جزيرة القرم، وكذلك مع توسع رقعة الاحتجاجات في إيران.
وعلى هذا الأساس، يمكن تفسير جانبٍ من الأسباب التي تدفع بالليرة السورية إلى كل هذه الخسائر، كما يقول المستشار الاقتصادي الدولي ورئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا” أسامة القاضي ل”المدن”.
ويوضح أن اشتداد الأزمات على حليفتي النظام السوري (روسيا وإيران)، يجعل من الصعب عليهما دعمه مالياً بعقود آجلة أو حتى بخطوط ائتمان، بمعنى أن انشغال الحلفاء بمشاكلهم يدفع اقتصاد النظام المتهالك نحو الهاوية نتيجة فقدان قنوات الدعم.
ويضيف أن الاقتصاد السوري الضعيف يعتاش على الدعم الروسي والإيراني، ولا يمكن حالياً لهاتين الدولتين أن تضعا دعم اقتصاد النظام على رأس أولوياتهما، وخاصة أن موسكو وطهران تواجهان زيادة في التحديات الاقتصادية، وتحديداً روسيا التي يتكبد اقتصادها خسائر قاسية نتيجة المقاطعة الدولية والحرب في أوكرانيا.
ويضيف القاضي أن واقع النشاط الاقتصادي السوري لا يقوى لوحده على التأثير في سعر صرف الليرة، ولا يوجد حقيقة قاع واضح لمدى هبوط الليرة، لأن السعر الحالي (5 آلاف لليرة للدولار) ليس سعراً حقيقياً.
الحوالات الخارجية
بجانب ذلك، يلفت المستشار الاقتصادي إلى مساهمة تراجع حجم الحوالات الخارجية التي تصل الداخل السوري من المغتربين وعلى وجه الخصوص من أوروبا، نتيجة تردي الوضع الاقتصادي الدولي وانخفاض قيمة الدخل بسبب التضخم، وزيادة التضييق على شركات الحوالات المالية في مناطق النظام، بتراجع سعر صرف الليرة السورية.
وبعد إعلان مصرف سوريا المركزي التابع للنظام عن رفع سعر الدولار رسمياً إلى 3015 ليرة، بعد أن كان سابقاً عند 2814 ليرة لكل دولار، شدد النظام التضييق على شركات ومكاتب الحوالات غير الرسمية (السوق السوداء)، وذلك بهدف زيادة عوائده من الحوالات عبر الأقنية الرسمية.
ويعتمد اقتصاد النظام السوري بدرجة كبيرة على الحوالات الخارجية المُرسلة من السوريين المقيمين في الخارج إلى عائلاتهم، بمتوسط يومي يتراوح ما بين 5 إلى 7 ملايين دولار.
زيادة العجز
وثمة معطيات أخرى تُفسر تدهور الليرة السورية، من وجهة نظر الباحث والمحلل الاقتصادي رضوان الدبس، الذي يقول: “حتماً، زادت نسبة العجز في الموازنة المالية مع الدخول في الربع الأخير من العام، وذلك بالتوازي مع غياب الحلول المتوفرة أمام حكومة النظام لمواجهة العجر”.
ويقول ل”المدن”، إن حكومة النظام حاولت إيجاد بعض الحلول لتقليل نسبة عجز الموازنة، لكنها فشلت كما جرى عند طرح سندات الخزينة، رغم أنه تم الإعلان عن ثلاثة مزادات في 2022، بجانب أنها لا تستطيع الاقتراض من جهات خارجية، علماً أن خطوط الاعتماد الإيرانية التي جرى الإعلان عنها مؤخراً قد انتهت.
وهكذا، ازدادت نسبة العجز في الربع الأخير من العام وبدأت تتضح أكثر، كما يؤكد الدبس، مضيفاً “لذلك نشاهد هذا التدهور الكبير”.
أزمة عالمية
من جانب آخر يشير الدبس إلى الضغط الكبير على كل العملات ومنها الليرة التركية والجنيه المصري واليورو وغيرها بسبب ارتفاع سعر الدولار عالمياً، والأهم من ذلك ارتفاع أسعار المستوردات وخاصة الغذائية وحوامل الطاقة.
ويقول الدبس، إن دولاً مستقرة تواجه المتاعب نتيجة الوضع الاقتصادي الحرج على المستوى الدولي، وسوريا بوضعها الاقتصادي الهش أساساً هي من بين أكثر الدول تأثراً، وهو ما ظهر واضحاً في أداء الليرة، في الوقت الذي يبدو فيه المصرف المركزي من دون أدوات مالية تمكنه من السيطرة على سعر الصرف.
ويمكن الحديث أيضاً، بحسب بعض الاقتصاديين، عن تسبب الأزمة التي تعيشها المصارف اللبنانية بسبب كثرة التعديات من المودعين، في زيادة متاعب النظام السوري الاقتصادية.
والواقع، أن النظام السوري يواجه تحديات مالية كبيرة حالياً، ليصبح بمواجهة الأصوات الشعبية التي بدأت تتعالى نتيجة الواقع الصعب من التضخم وفقدان العملة المحلية لقيمتها الشرائية.
مصطفى محمد _ المدن