تحولت الاستثمارات التي تنازل عنها نظام بشار الأسد لداعميه الإيرانيين والروس وحتى الصينيين، من فرصة لانتعاش الوضع المعيشي لشريحة من السوريين، إلى نكبة جديدة لهم بعد أن أصبحت سببا في فقدانهم مصادر رزقهم.
وأفادت مصادر مطلعة في حكومة النظام، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، “العربي الجديد”، أن “حكومة النظام وقعت قبل أسابيع مع شركات صينية عقودا متعلقة بإعادة إعمار البنية التحتية في عدة مناطق تحت سيطرته، وكان لافتا في العقد السماح للصينيين باستقدام عمالة خارجية، دون إلزامه باستخدام العمالة السورية”.
ولفتت ذات المصادر إلى أن النظام إلى اليوم وفي جميع الاستثمارات التي منحها لحلفائه من مناجم الفوسفات ومعمل الأسمدة إلى الاستثمارات الإيرانية، لم يكن يضع السوريين في حساباته، ليس فقط من خلال الحفاظ على مردود عادل لخزينة الدولة، بل أيضا من عدم ضمان فرص عمل جديدة لهم، وهو ما تسبب بخسارة آلاف الموظفين لوظائفهم دون أي تبعات قانونية”.
ولم تكن الاستثمارات الصينية هي الأولى التي تحيد العمالة السورية أمام أعين النظام وفق المصادر، الأمر الذي انعكس سلبا على الأوضاع الاقتصادية لشريحة واسعة من حاضنة النظام في شكل خاص، بدأت مع استغناء شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية عن أكثر من 200 عامل سوري من شركة معامل الأسمدة في حمص، بحجة أنهم غير متعاقدين معها، مشيرة إلى أنها غير معترفة بالعقود التي كانوا قد أمضوها مع إدارة المعمل، وهو قطاع عام مهيمن عليه من قبل السلطة عام 2019.وكانت الشركة الروسية “ستروي ترانس غاز” قد استحوذت على عقد استثمار “الشركة العامة للأسمدة” الملاصقة لبلدة قطينة بريف حمص الجنوبي نهاية عام 2018، بما تحتويه من ثلاثة معامل هي: معمل السوبر فوسفاتي، معمل الأمونيا يوريا، معمل الكالنتروا، أو ما يعرف بـ (TSB)، لمدة 40 سنة قابلة للتجديد.
وسبق لذات الشركة أن استثمرت، إلى جانب معامل الأسمدة، في مناجم الفوسفات في تدمير شرقي حمص، عبر عقد صدّق عليه النظام في أبريل/ نيسان 2018، في حين أجبر الموظفين السوريين المثبتين في المعمل على تقديم استقالتهم، أو الحصول على إجازة دون راتب وتوقيع عقد خاص مع الشركة الروسية، وبقي النظام على الحياد دون أي تدخل يذكر يحفظ حقوق الموظفين السوريين.
وقد طاولت هيمنة الروس بحيرة قطينة القريبة من المعمل، والتي كان يحيط بها العديد من المتنزهات التي تم انتزاع استثمارها من السوريين، مع فرض طوق أمني من قبل المليشيات المرتبطة مع الروس ضمن ما يسمى الفيلق الخامس، استعدادا لاستثمارها من قبل شركات روسية.
ولم تكن حظوظ عمال مرفأ طرطوس أفضال من زملائهم في معمل الأسمدة، فقد طرد الروس أكثر من ثلاثة آلاف عامل سوري من الميناء عقب استحواذها عليه بعقد استثمار لمدة 49 عاما قابلة للتجديد عام 2019، بذات الذرائع، ورغم أن النظام صرح حينها أن العقد ينص على عدم الاستغناء عن العمالة، إلا أن الواقع كان مخالفا لذلك، يضاف إليهم مئات الأشخاص الذين فقدوا مصادر رزقهم التي كانت تعتمد على أعمال على الشواطئ بعد أن تمددت عليها تلك الاستثمارات.
كما ساهمت الاستثمارات الإيرانية بمزيد من الحصار على السوريين عبر طرد العشرات من وظائفهم في ظل تواتر تدهور الأوضاع المعيشية، حيت طردت شركة “سيفيكو” الإيرانية، العاملة في سورية ومقرها حمص، وبشكل تعسفي نحو 178 عاملا سوريا دون أي تعويضات أو إجراء انفكاك نظامي منذ نهاية العام الماضي.
من جانبه، قال محلل اقتصادي في دمشق، طلب عدم كشف هويته لأسباب أمنية، لـ”العربي الجديد”، إن “النظام لا يمتلك الندية المطلوبة مع الدول الداعمة له حتى يفرض شروطه، بسبب إثقاله بالديون لكل منها، هذا إذا افترضنا أن لديه الرغبة في تحصيل مكتسبات للسوريين بالأصل، كما يزيد الأوضاع سوءاً شبكات الفساد المهيمنة على القرار الاقتصادي، والقائمة على استنزاف الثروات الوطنية”.
وأضاف: “هذا النظام يخسر كل الفرص التي من الممكن أن تنقذ السوريين، من الوصول إلى حل سياسي يوقف الكارثة، عبر إدارة الاستثمارات الخارجية لتكون رافعة للاقتصاد السوري عامة والوضع المعيشي لشريحة لا يستهان بها من السوريين، إلا أنه على ما يبدو يضعهم جميعا إن كانوا ممن يسمون حاضنته الشعبية أو من غيرها خارج حساباته، وهذا مؤشر خطير على ما يجره على السوريين في حال بدأت عملية إعادة الإعمار، في ظل إعادة إنتاج هذا النظام الذي يثبت دائما أنه عاجز عن إدارة أي ملف في سورية”.
المصدر: العربي الجديد