سيريا برس - أنباء سوريا
كان الأمر أبعد ما يكون عن خيالها، فهي الأستاذة الجامعية، ذات الذائقة المختلفة في اللغة العربية ودراسات الأدب، لكن الأمر تغير في ليلة وضحاها، حيث صارت الأستاذة ميادة العيسى مطاردة من قبل النظام السوري، ومهددة بالاعتقال في أي لحظة إبان الثورة السورية في 2011.
خرجت السيدة الستينية بحقيبة يد في جنح الظلام، تتحسس طريق هجرتها من سوريا إلى بلاد العثمانيين، ومن حياتها الرغدة إلى بلاد المنفى.
خرجت ميادة من أرض الثورة والأحلام، تجر أذيال حلم ضاع بين النظام والمتشددين، لديها بقايا أحلام حملتها في حقيبة يدها، ومعها إبرة وخيط، هما إرث أمها زينب لها ولأخواتها.
تلك الهواية الأسيرة للأستاذة الجامعية في أوقات الفراغ، فهي امرأة لا تهوى الثرثرة ولا تقوى على اجترار الذكريات المؤلمة، فكان الخيط والإبرة وسيلتها في الابتعاد عن كل ما يؤذي روحها، ولكن بعد أسابيع وشهور من الاستقرار في تركيا بدأت أم زينة (ميادة) تتعرف على مجتمع النازحين من سوريا إلى تركيا.
لم يكن الأمر شاقا، فهي لا تفضل الوحدة، وتحب دوما لقاء الناس، لكنها لم تكن تهوى التجمعات النسائية المتفرغة للثرثرة وللقيل والقال، فوجدت لإرث أمها زينب مهمة جديدة، فجمعت سوريات المهجر، وأودعت بين أيديهم مشروعها للزمن القادم.
تقول دكتورة ميادة العيسى للجزيرة نت “طوال عمري أنا وأخواتي كنا نخيط كنزات بناتنا، وملابسهن وحقائبهن المدرسية وغيرها، كانت مدرساتهن يُفتن بما نصنع، وكثيرات منهن يستعرضن ما ترتديه بناتنا لكي يصنعن مثله لبناتهن”.
وتابعت الأستاذة الجامعية أن أول ما فكرت فيه بعد الاستقرار في تركيا هو ألا تبقى بلا عمل، وفي البداية كانت كوفية صوف تحمل ألوان العلم السوري، كانت تعطيها هدايا لأصدقائها وللشباب السوري في الفعاليات المختلفة، علما ورمزا، لثورة لم تنته، ثم جاءتها أول “طلبية”، عبارة عن 50 كوفية لفاعلية في إسطنبول، لم تكن تقوى على العمل منفردة، أشركت معها فتيات أحببن الفكرة، ويرغبن في اكتساب مهارة جديدة، ومن هنا كانت بداية انطلاق المشروع الحلم.
توسعت ميادة بمشروعها، وانضمت لها بقية أخواتها في تركيا، ومصر وإدلب بسوريا، ولم تعد الكوفية بالعلم السوري المشروع الوحيد، لكن الشيلان، وأغطية الوسائد، والمفارش، والحقائب، والفساتين، كلها بخيط مغزول ومطعمة بكلمات وحروف عربية؛ تستوحي من الثورة ذوقا خاصا، وأضحت علامة مميزة لمنتجات ميادة العيسي و”بنات زينب”.
تحكي ميادة عن تصميماتها لفساتين ابنتها زينة “أنا أصمم وأنفذ فساتين ابنتي وابنة ابنتي”، التي تعمل في المجال الصحفي، والتي ظهرت بفساتين مميزة من تصاميم مميزة، حملت توقيع أمها في العديد من المحافل الدولية، وكانت الكلمات العربية على الفساتين من أكثر ما لفت الانتباه”.
فساتين زينة التي لفتت انتباه كثيرين وسألوها عن تصميماتها المميزة، كانت فخورة للغاية وهي تخبرهم “أرتدي ذوق أمي وحبها”، ولأجل هذا الحب، لم تستطع ميادة أن توفر فساتين مميزة لأخريات غير زينة، ربما لأسباب مثل اختلافات القياس وضرورة المتابعة وجها لوجه، وربما لأن ما يصنع بحب لا بد أن يستخدم بالحب ذاته.
“من بنات زينب إلى ماكو ابنة إمبراطور اليابان”، هدية حملت روح التعاون الذي بدأ يجمع بين خيوط “بنات زينب”، والشغف الياباني بالأعمال اليدوية، وفُتحت سوق جديدة في طوكيو، حيث تتشارك فيها إحدى المنظمات النسوية في اليابان والمهتمة بدعم النساء حول العالم.
أشكال مميزة للدبوس الياباني الشهير، وكمامات خاصة تناسب الوجوه اليابانية المميزة بصغر ملامحها، وشيلان عربية، وأطقم للأكواب، ومفارش، وخداديات، وأطقم للأسرة والمقاعد؛ كلها منتجات يتم تصديرها لليابان، وتعرض ضمن معارض مميزة تقام هناك لدعم مئات الأسر السورية.
تحكي ميادة عن مشاركة الفتيات الصغيرات في خيط وإبرة واجتهادهن في الهواية التي أحببنها؛ “كنت أقول لهن أن يعتبرن هذا العمل بمثابة مصروف شخصي، حتى يشترين قطعة ملابس يحببنها، أو “قلم روج” يفضلنه. نحن نازحون وأهاليهن لا يملكون حتى القدرة على توفير طعامهن، وعليهن تخفيف الأعباء، وبالفعل قد كان، حتى من كانت تخطئ، كانت تأخذ أجرها، فهذا أجر التعب وعمل يديها، لتأتي القطعة الجديدة بأفضل ما يكون”.
لكن جائحة كورونا أيضا كان لها نصيب من أعمال “بنات زينب”؛ فانشغل فرع مصر في تصنيع كمامات يدوية ذات تصميمات خاصة ولاقت إقبالا كبيرا، سواء التي حملت آيات قرآنية، أو تلك التي حملت رسوما وتصميمات مميزة وعصرية.