قبل أسبوعين من استحقاق انتخابات الرئاسة الأميركية في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، تظهر معالم مفارقة جديدة وغريبة في العالم “النقي” (والمُتخيل طبعاً) للممانعة. روسيا، ومعها طبعاً (مرغماً أو بإرادته) الرئيس السوري بشار الأسد، تخشى خسارة الرئيس الحالي دونالد ترامب في الاستحقاق المقبل. إيران، في المقابل، تخشى فوزه. اكتشفنا فجأة أن في الممانعة حزبين، ديموقراطي وجمهوري.
إيران الراغبة في التخلص من قبضة العقوبات في سياق حملة الضغوط القصوى عليها، تريد التخلص من ترامب، وترغب في فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن. ذاك أن بايدن سيُعيد الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي مع ايران. صحيح أن الرجل قد يُفاوض طهران على برنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي مقابل رفع بعض العقوبات، لكن العودة الى الاتفاق النووي تفترض خطوات إيجابية وفك الخناق المفروض حالياً على الجانب الإيراني. ولمثل هذه الخطوة أثرٌ حميدٌ على الاقتصاد الإيراني وقدرة السلطات الإيرانية على المحافظة على حد أدنى من الاستقرار الداخلي الضامن لبقاء النظام وشبكته الإقليمية، مع بعض التراجع هنا وهناك. لهذا تُحاول ايران إحراج ترامب في العراق وأفغانستان، وربما إلى حد ما في لبنان (حتى مدى قريب مع استثناء اعلان مفاوضات ترسيم الحدود لأسباب تكتيكية ومن أجل تخفيض الضغط).
لكن هذه الحسابات إيرانية صرف.
في المقابل، تخشى موسكو فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن، لأسباب متعددة. أولاً، كانت روسيا في قلب النقاش السياسي الأميركي المحتدم والسام في أحيان كثيرة. روسيا، ورغم عدم خروج التحقيقات باستنتاجات جازمة، اتُهمت بالتدخل في الانتخابات الرئاسية لمصلحة الرئيس ترامب. لعبت دوراً في دعم حملة ترامب عبر نشر بعض الأخبار الملفقة على الانترنت، وأيضاً من خلال المساعدة في نقد المرشحة الديموقراطية حينها هيلاري كلينتون. وهذا الدور الروسي يُنظر اليه بوصفه امتداداً لسياسة شملت دعم حملة انفصال المملكة المتحدة (بريطانيا وشمال ايرلندا) عن الاتحاد الأوروبي (كلينتون كانت دعت بريطانيا لنشر تفاصيل في هذا الشأن).
وبالتالي فإن فوز المرشح الديموقراطي في انتخابات الشهر المقبل، سيُعطي دفعاً لسياسات تهدف الى تقويض التمدد الروسي، ومساعدة الحلفاء التقليديين لواشنطن في أوروبا، على مواجهة التهديد الذي يُمثله الرئيس فلاديمير بوتين. بيد أن بايدن لم يخفِ نيته في محاسبة روسيا على تدخلاتها في الشأن الأميركي.
لهذا السبب، تخوض روسيا حملة “فاعلة جداً” لتشويه صورة بايدن واثارة الانقسامات في الداخل الأميركي، كما جاء على لسان مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي الشهر الماضي. الشهر الماضي مثلاً، نُسب الى روسيا تسريب لمكالمة هاتفية عام 2006 بين بايدن والرئيس الأوكراني حينها بيترو بوروشينكو. مضمون المكالمة لا يحمل ادانة لبايدن، لكن التسريب يبقى مفيداً على الصعيد الإعلامي. يُضاف الى ذلك أن هناك اتهامات وشكوكاً حول دور للاستخبارات الروسية في تسريب رسائل الكترونية لهانتر بايدن، نجل المرشح الديموقراطي، على ارتباط بعلاقته بعالم الأعمال في أوكرانيا (وسط اتهامات من ترامب وحملته، بتضارب المصالح).
لكن الحملة الروسية لا تقتصر على أوكرانيا والعمليات في مجال الفضاء الالكتروني. يبدو أن هناك ضغطاً روسياً على النظام السوري، من أجل الافراج عن الصحافي الأميركي المخطوف منذ عام 2012 أوستن تايس، قبيل الانتخابات الرئاسية. وهناك من يُرجح ارتباط الزيارة الأخيرة للمدير العام للأمن العام عباس إبراهيم الى واشنطن، بهذا المجهود، ذاك أن الأخير لعب دوراً في السابق في اطلاق سام غودوين ونزار زكا.
في حال صحّ هذا الكلام، وأطلق النظام السوري تايس قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية، سينتزع ترامب، بمساعدة روسية، انتصاراً ديبلوماسياً في قضية رأي عام بالولايات المتحدة. عملياً، سيكون النظام السوري حينها منخرطاً وبشكل فاعل في حملة ترامب.
لكن ذلك يطرح أسئلة كثيرة عن دينامية العلاقة الروسية-الإيرانية في سوريا بعد الانتخابات الأميركية، وعمّا اذا كان علينا توقع المزيد من الخلاف بين الطرفين، بعيداً عن لغة الانتصارات الفارغة. إذا فاز بايدن، سنرى مقاربة أكثر تشدداً حيال روسيا والنظام السوري، ولو خسر، سيكون التصعيد ضد إيران حتى تراجعها (ربما لصالح روسيا) هو سيد الموقف.
يبقى أننا على بعد أيام من استحقاق انتخابي مهم هو أشبه بمفترق طرق يخلط أوراق المنطقة بأسرها.
الكاتب : مهند الحاج علي _ المدن