حتى ساعة كتابة هذه السطور-(فجر الاثنين 15 آب)- ما يزال اتفاق وقف إطلاق النار بين سكان مدينة طفس، بريف درعا الغربي، وبين قوات نظام الأسد، صامداً. لكن الرهان على استمرار ذلك، يتوقف على النوايا المُبيّتة للنظام، الذي سبق أن نكث باتفاقاته، أكثر من مرة. ناهيك عما توحي به تسريبات وسائل إعلامه الموالية. فموقع “أثر برس”، نقل عن مصادر وصفها بالمطلعة، أن اتفاق “طفس”، ليس شاملاً، بل هو أشبه بالمرحلي (هدنة دائمة). وهو ما يجعلنا نفهم أن النظام لا يريد بالأساس، “حلاً شاملاً” للمعضلات في طفس، وسواها من بلدات ومدن الجنوب السوري. فمفاوضو النظام دسوا “الشيطان” في تفاصيل الاتفاق، الذي سيشهد مفاوضات جديدة تتعلق بتحديد مواقع التفتيش عن “المطلوبين” الذين تذرع بهم النظام، طوال الأسبوعين الفائتين، في شن حملته على المدينة. كما سيتم التفاوض حول مصير بعض القيادات المحلية من فصائل المعارضة السابقة. وكذلك، يطلب النظام إعطاءه معلومات شاملة عن الشبان الذين كانوا على صلة بزعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” في الجنوب، “أبو سالم العراقي”، الذي قُتل قبل أيام، في عملية أمنية ببلدة عدوان، بريف درعا الغربي.
تعقيدات المشهد في طفس، تنسحب ذاتها تقريباً، على بلدات أخرى، كـ جاسم، ودرعا البلد، حيث يتحدث النظام عن نشاط لتنظيم “الدولة”، ويطالب الأهالي بالتعاون معه، ضده. مما يُنبئ بأن المشهد في طفس -حتى لو استقر الاتفاق فيها- سيتكرر في بلدات أخرى من المحافظة، التي تشهد فلتاناً أمنياً، تتعقّد تفاصيله.
ويستثمر النظام في هذا المشهد، لتحقيق جملة أهداف سياسية، وعملياتية – أمنية. أما السياسية، فيمكن الوقوف عليها، عبر الإعلام الموالي للنظام. فرواية مقتل “أبو سالم العراقي”، التي روّج لها النظام، بكثافة، بوصفها إنجازاً نوعياً، كانت واحدة من أبرز تلك الأهداف. وهي التلويح بالتنظيم من تلك البقعة الساخنة.
جاءت تلك الأحداث، بعيد تسريبات وشائعات تكاثفت مطلع الشهر الماضي. وقد نفى الأردن الرسمي، بعضها. وفي مقدمتها، مناقشة إنشاء “منطقة آمنة”، في الجنوب السوري، بالاستناد إلى فصائل مسلحة معارضة في درعا والسويداء، بعمق 35 كم، لإبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية. وكذلك نفى الأردن إعادة إحياء غرفة “الموك” الاستخباراتية الشهيرة، بدعم أميركي.
لكن يبدو أن النفي الأردني الرسمي، لم يكن كافياً للنظام. فالأخير كان يخشى أن القيادة الأردنية تحاول بالفعل إقناع أطراف إقليمية، وكذلك الأميركيين، بمشاريع من هذا النوع. وهكذا قرر النظام إرسال الرسالة التالية: “ها أنا أحارب (داعش) والمتطرفين، المتغلغلين في أوساط البيئة الاجتماعية التي تريدون دعم فصائل مسلحة محسوبة عليها”. هذه الرسالة كانت موجهة لواشنطن، تحديداً. فهي الطرف القادر على إحياء مشاريع من قبيل “منطقة آمنة” أو غرفة “موك” جديدة. وهي ذات الرسالة التي سبق أن أفلحت في جعل أميركا ودول أخرى، تغيّر موقفها من دعم المعارضة السورية المسلحة، قبل سنوات.
رواية النظام حول مقتل “أبو سالم العراقي”، والتركيز على أن الرجل كان مختبئاً في طفس، وأن تهديد النظام باقتحام المدينة هو ما أدى إلى طرده من هناك، كانت –للأسف- ذات وقعٍ أقوى، من الرواية التي نشرتها مصادر مُعارضة، عن دور المجموعات المحلية في اقتحام مخبأ “العراقي”، ودفعه إلى تفجير نفسه. ناهيك عن الإعلام الروسي، الذي ركّز على وجود متعاونين مع “العراقي” من الناشطين المسلحين في بلدات ريف درعا الغربي، الذين لم ينصاعوا للتسوية الأمنية التي طرحها النظام. وبذلك تكتمل معالم الرسالة التي أراد النظام، وحلفاؤه، إرسالها للأميركيين، وأطراف إقليمية.
وبالإشارة إلى الروس، يتبدى جانب آخر من أهداف النظام السياسية. وهو يظهر كذلك في الإعلام الموالي، الذي كان من اللافت أن يشير بشكل دائم، إلى أن المفاوضات مع وجهاء “طفس”، والاتفاق الذي أعقبها، تم برعاية روسية. ناهيك عن تصدر، لؤي العلي، مدير فرع المخابرات العسكرية في المنطقة الجنوبية، للمشهد، وهو المعروف بأنه من المقرّبين لموسكو. وهي رسالة للأردن، وأطراف إقليمية أخرى، أن النفوذ الروسي ما يزال حاضراً بقوة، في درعا. رداً على تصريحات المسؤولين الأردنيين في الأشهر الأخيرة، عن تراجع النفوذ الروسي لصالح الإيراني، وخطر ذلك على الأمن الأردني.
لكن ما سبق، لا يلغي أن للنظام أيضاً، أهدافاً عملياتية – أمنية، من عملية “طفس” الأخيرة. فهو فشل على مدار 4 سنوات، في فرض سيطرة أمنية مُحكمة على عموم الجنوب السوري. وبقيت درعا، تحديداً، معضلة بالنسبة له، يوضحها حجم الاغتيالات التي طالت عناصره وضباطه طوال سنة، منذ “تسويات” الصيف الفائت، في درعا. لكن الطريق لتحقيق الأهداف الأمنية، تبدو وعرة بالنسبة للنظام. هذا إذا أردنا النظر إليه ككتلة واحدة. أما إن أردنا التعمّق في تعقيدات تركيبته، فسنخلص إلى أن متنفذين داخل النظام ذاته، ليس لهم مصلحة في إنهاء فوضى الجنوب السوري، ذاك الذي يشكّل بوابة لأبرز مُدر للدخل، بالنسبة لهم، المخدرات، والصراع بين أذرع النظام، على مكاسبها. ناهيك عن تفاعلات الصراع بين الروس والإيرانيين وأذرعهم داخل أجهزة النظام الأمنية والعسكرية، في تلك البقعة من التراب السوري.
إياد الجعفري _ تلفزيون سوريا