مضى على صدور قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 لعام 1953 – وهو القانون الذي يعالج شؤون الزواج والطلاق والوصية والإرث والوصاية والقوامة وما إلى ذلك من مسائل تتصل بشؤون الأسرة – نحو سبعة عقود تبدلت فيها الدنيا كلها وطبيعة الحياة وطرائق عيشها وإدارة شؤونها والكثير من المفاهيم والعادات والقيم وما يزال هذا القانون يعمل به مع بعض التعديلات التي أدخلت عليه خلال العقد الأخير والتي لم تكن جوهرية في معظمها، بمعنى لم تحقق نقلة نوعية تستجيب لمنظومة القيم والمفاهيم التي طرأت على المجتمع وأبرزها قيم حقوق الإنسان ومفاهيم المساواة وتبدل الدور الاجتماعي للمرأة التي لم تعد وظيفتها مجرد الإنجاب وتدبر شؤون البيت والأطفال بل تجاوز دورها أسوار بيتها وانخرطت في سوق العمل وصارت شريكة في تأسيس الأسرة والإنفاق عليها، وهو ما يوجب على المشرع مقاربة هذا الأمر بقوانين مختلفة وأكثر حداثة تتعاطى مع مستجدات الحياة وتطورها فتنظم ما يتوجب تنظيمه، وتقونن ما يتعين قوننته، منها بطبيعة الحال قانون الأحوال الشخصية الذي يعتبر المرجع القانوني التأسيسي للأسرة وتنظيم شؤونها القانونية ومرجعيتها للفصل في المنازعات التي تقع بين أطرافها في أي شأن من الشؤون المدرجة ضمن مواد هذا القانون.
والحقيقة أن ثمة كثيرا في هذا القانون مما يتوجب إعادة النظر فيه وإلغاؤه والعمل على تشريع قانون جديد كليا يتأسس على قيم الحرية والمساواة والإرادة الحرة للناس قبل الفقه.. قانون لا يحل حراما لكنه ينظم ويقيد كثيرا مما يصنف حلالا ويؤسس لمفاهيم مختلفة أو يشكل رافعة لها لتترسخ كجزء من قيم مجتمعية عليا تساهم في ارتقاء المجتمعات، فالقانون.. أي قانون يجب أن يكون أولا وأخيرا وسيلة لتنظيم ممارسة الحرية.ولأنه يصعب على المرء أن يقدم في مقال واحد كل المآخذ على هذا القانون وأن يطرح ويشرح البدائل التي يفترض أن تكون متضمنة في أي قانون جديد مستقبلي لشؤون الأسرة، فقد لجأنا لآلية مختلفة تقوم على تناول مسألة محددة وتشريحها وبيان فسادها وطرح البديل عنها في كل مقال على حدة.
قانون الأحوال الشخصية السوري نظم بالعموم علاقات الأسرة من وجهة نظر (فقهية) صرفة بمعنى أنه استند لآراء (فقهاء) مضى عليها أكثر من سبعة قرون من دون أية مراجعات تذكر وكنت قد كتبت فيما سبق مقالات عدة تناولت مسائل مختلفة منها ما يتعلق بمشروعية زواج المسلمة من كتابي، ومنها ما تناول حق الأرملة أو المطلقة بنصف مال الزوج المتحصل بعد الزواج ضمن ما اصطلح على تسميته بحق (الكدّ والسعاية) ومنها أيضا وضمن المفهوم ذاته حق الابن المساهم في نماء ثروة العائلة في جزء منها قبل اقتسام التركة.. وها نحن اليوم نقارب مسألة لم يتطرق لها القانون المذكور أصلا وهو حق المرأة المطلقة في السكن.
فقانون الأحوال الشخصية السوري نظم بالعموم علاقات الأسرة من وجهة نظر (فقهية) صرفة بمعنى أنه استند لآراء (فقهاء) مضى عليها أكثر من سبعة قرون من دون أية مراجعات تذكر، ومن دون الأخذ بالاعتبار المسار التصاعدي لتطور الرؤى والأفكار والمجتمعات والتحولات الكبرى للمفاهيم والمعارف وهذا ما يجعلنا نعتقد بوجوب مقاربة القضايا من منظور مختلف عما كان سائدا، فالمرأة لم تعد تحتاج لـ (محرم) يرافقها إن رغبت بالسفر، ولا تحتاج أيضا أن يعقد زواجها (وليا) عنها رغم أنها في بقية القضايا تتمتع بولاية كاملة على نفسها ومالها! وما من سبب لتكون شهادتها بنصف شهادة الرجل! وأيضا ليس هناك من مبرر ليكون مصيرها الشارع من دون مسكن يؤويها إذا ما طلقها زوجها تعسفا أو كان هو من يتحمل المسؤولية الكبرى في التفريق… هذه القضايا وغيرها هي مسؤوليتنا جميعا كحقوقيين ورجال قانون في أن نعالجها ونطرح بدائل عنها.
العديد من الدول العربية خطت خطوة باتجاه الإقرار بحق المرأة في السكن إذا ما طلقها زوجها أو تم التفريق بينهم ضمن ضوابط قانونية تحقق التوازن من دون إفراط ولا تفريط، كالعراق والكويت ودول أخرى وحري بنا أن لا نكون في الصفوف الخلفية من هذه القضايا.ففي العراق شرع حق السكن للزوجة المطلقة بموجب قانون خاص يحمل الرقم 77 للعام 1983 وهو يلزم المحكمة الشرعية التي تنظر بدعوى التفريق أو الطلاق أن تسأل الزوجة عن رغبتها بالاستمرار بالسكن في شقة الزوجية بعد التفريق أو الطلاق بصورة مستقلة، فإن قبلت المرأة يتعين على المحكمة تضمين حكم التفريق فقرة حكمية بذلك ومدة حق السكنى هي ثلاث سنوات من الحكم بالطلاق وتبدأ من تاريخ تنفيذ القرار وتسلم الزوجة العقار خاليا من شواغل الزوج.كما نص القانون نفسه أن تصرفات الزوج بالشقة (كالبيع أو التأجير أو الهبة أو أي حق آخر) لا تنفذ بحق الزوجة المطلقة إن تم التصرف قبل ستة أشهر من دعوى الطلاق أو الحكم به، وإن كان البيت مستأجرا فحقوق المستأجر تنتقل للزوجة تلقائيا لنفس المدة وإلزام الزوج بدفع الإيجار.
وطبعا فإن حق المرأة بالسكن ليس مطلقا بل عليه بعض القيود فهي لا يحق لها تأجيره أو تأجير جزء منه وعليها أن تعيش به هي وأولادها فقط كما عليها أن لا تلحق المرأة المطلقة ضررا غير معتاد أو جسيما بالمسكن. ويسقط حق السكنى للمرأة المطلقة بأربع حالات جاءت على سبيل الحصر وهي:إن كان الطلاق بسبب خيانة زوجية من الزوجة.إن كان الطلاق بسبب نشوز الزوجة.إذا كانت الزوجة تملك شقة سكنية على وجه الاستقلال.إذا كان التفريق تم بمخالعة رضائية.
أما الكويت فقد أصدرت قانون الرعاية السكنية رقم 47 لعام 1993 وهو القانون الذي يشرّع حق الأسرة بمجرد إبرام عقد الزواج أن تتقدم بطلب للدولة للحصول على دار سكن ملائمة للأسرة يقدمه الزوج عادة مرفقا مع طلبه صورة عن صك الزواج. نحن في سوريا – حيث تطرد المرأة من دارها فور تطليقها وغالبا قبل انقضاء عدتها، فتكون عرضة للتشرد مع أولادها إن كانت حاضنة لهم – أحوج ما نكون إلى مثل تلك القوانينفإذا تقاعس الزوج عن تقديم الأوراق ليستكمل عملية التخصص بالعقار، يمكن للزوجة أن تتقدم بها وتكون ملكية العقار مناصفة بين الزوجين بعد التخصص أما إذا حصل الانفصال قبل التخصص فيمكن إزالة طلب التخصيص بكليته ويكون لها حق السكن للحضانة، أما إن صدر قرار التخصيص حال الزوجية وقبل وقوع الطلاق فتبقى مالكة للنصف وما يزال اسم الزوجة المطلقة من وثيقة الملكية.ونحن في سوريا – حيث تطرد المرأة من دارها فور تطليقها وغالبا قبل انقضاء عدتها، فتكون عرضة للتشرد مع أولادها إن كانت حاضنة لهم – أحوج ما نكون إلى مثل تلك القوانين ولهذا فإننا نعتقد أن حماية النساء والأطفال من التشرد والخضوع لمزاجية الزوج وأهوائه تقتضي ضمان حق السكن لهن ضمن محددات واضحة وخاصة إذا كانت المرأة ربة منزل وتم شراء المسكن بعد الزواج ولم تشارك بمالها في قيمته بأن يكون من حقها إشغاله بعد الطلاق بعدد سنوات الحياة المشتركة بين الزوجين وضمن نفس الضوابط الواردة بالقانون العراقي سواء لجهة القيود المقررة لهذا الحق أو لجهة أسباب سقوط هذا الحق وأن تحكم المحكمة به عند الطلاق القضائي مالم يتوفر سبب من أسباب سقوطه طبعا، وأن يتم اعتبار هذا الحق من الحقوق العينية التبعية بمعنى أن يتم لحظه على صحيفة العقار المقرر لسكناها وفق المدة المقررة قانونا وأن لا يسري التصرف القانوني من الزوج بالعقار إن حصل قبل ستة أشهر من الطلاق بحق الزوجة نظرا لتعلق حقها بإشغال العقار.
كل ذلك طبعا في حال لم يكن الزوجان شركاء بموجب أي قانون في المكتسب من الأموال بعد انعقاد الزوجية وحتى تاريخ انتهائها وفصم عراها، فعلة حق السكن تسقط بالضرورة في حال وجود قانون من هذا القبيل.هي خطوة إضافية نحو مستقبل أفضل يعزز حقوق النساء ويكرسها في منظومة القوانين المستقبلية ضمن رؤية تقوم على قيم المساواة والعدالة.
غزوان قرنفل _ تلفزيون سوريا