سيريا برس _ أنباء سوريا
أتت النيران على مساحات شاسعة من غابات سوريا وأحراجها خلال الشهرين الماضيين، والتهمت الحرائق الشيء الكثير من الأشجار المثمرة والمعمرة كذلك.
وامتدت سلسلة الحرائق هذه وتأجج أوارها في مناطق عديدة بالبلاد، من محافظة اللاذقية (شمال سوريا) إلى طرطوس وحماة وصولًا إلى حمص وسط البلاد.
يقدر وزير الزراعة السوري الأسبق نور الدين منى مساحة الحرائق المشتعلة خلال شهرين فقط بنحو 9 آلاف هكتار، في حين أضاعت الحرائق التي اندلعت خلال العقد الأخير أكثر من ربع غابات سوريا.
وتمثلت الطامة في أن الحرائق في سوريا ”دمرت سبل العيش قبل موسم الحصاد، مما زاد انعدام الأمن الغذائي“، وفق تعبير برنامج الأغذية العالمي على حسابه في ’تويتر‘.
أطراف عدة تتقاذف الاتهام حول الجاني الذي يقف وراء هذه الحرائق، والآراء تختلف حول السبب في اشتعالها ابتداءً، أو تأجيجها بعد الاندلاع. ”أيًّا ما كان السبب فإن هناك مئات الآلاف من الأشجار الحراجية والمثمرة دمرت في سوريا“، وفق السيد لؤي نعمة، ابن بلدة مشتى الحلو، الواقعة في حضن جبل من سلاسل جبال الساحل السوري بمحافظة طرطوس.
يقول نعمة: ”الحريق أتى على مساحات واسعة من أشجار التفاح والأراضي المزروعة التي تشتهر بها منطقتنا“، مشيرًا إلى أنه من المستحيل حصر المساحات الحقيقية المحترقة على نحو سريع وفوري.
بدوره يقول أحمد علي -ابن مدينة الحفة في ريف محافظة اللاذقية- لشبكة SciDev.Net: ”أحرقت النار قرى بأكملها، وقضت على أشجار عمرها مئات السنين، وفقدت عائلتي ما يقارب من ٢٠٠ دونم مزروعة في غالبيتها بأشجار الزيتون المعمرة“.
ويضيف بحسرة: ”حجم الضرر كان كبيرًا؛ لأن الذي ذهب يحتاج إلى سنين طويلة لتعويضه“.
يوضح نعمة أن آلاف المواطنين في بلدته والقرى والبلدات الموجودة في ’جبال الحلو‘ تضرروا بشدة من هذه الحرائق، وفقدوا بساتينهم وتراكمت عليهم الديون، ”فالمعروف أن الفلاح يستدين طوال العام معتمدًا على حصاد الموسم، لكن موسم هذا العام احترق ونُكبت العائلات“.
وحتى قطاع السياحة تضرر بشدة؛ لكون المنطقة من المناطق السياحية وتستقطب الكثير من السياح والمصطافين، وفق نعمة.
يعلق المهندس الزراعي سامر كعكرلي: ”لم تشهد غابات الساحل السوري حرائق كبرى كالتي شهدتها خلال العامين الأخيرين“.
”ولا حتى في خضم الصراع المسلح في عام 2013 بين الجيش الحر ونظام الأسد، وكان من ساحاته غابات الجبال الساحلية، ورغم كثافة النيران والقذائف لم تندلع مثل هذه الحرائق“، هكذا يؤكد رؤيته كعكرلي، الذي كان يشغل فيما سبق منصب المدير العام لاتحاد الغرف الزراعية بوزارة زراعة نظام الأسد.
يقول كعكرلي لشبكة SciDev.Net: ”الخسائر المترتبة على هذه الحرائق الضخمة كبيرة ومتنوعة، خسائر بشرية تتمثل في وفيات الناس كرجال الإطفاء وسكان القرى التي دهمتها الحرائق، وخسائر اجتماعية تتمثل في نزوح سكان التجمعات البشرية من منطقة إلى أخرى، ما يترتب عليه تكاليف وخسائر اقتصادية تضاف إلى الخسائر الناجمة عن خسارة رقعة زراعية كبيرة“.
الأراضي الزراعية الهالكة كانت تدر على أصحاب المزارع دخلًا مباشرًا، يعيشون من خلاله ويحاولون الصمود في وجه ازدياد الفقر وارتفاع الأسعار، وتدر دخلًا غير مباشر على العاملين في تلك المزارع وعلى الوسطاء الذين يشترون المنتجات الزراعية ويعيدون بيعها للمستهلك.
بل تسببت أيضًا في خسارة المنتجين لحيواناتهم التي نفقت بسبب الحرائق، وكذلك الصناعات الغذائية المرتبطة بتلك المنتجات الزراعية والحيوانية.
”إنها سلسلة اقتصادية متكاملة تعرضت لضرر كبير جدًّا بسبب هذه الحرائق“، وفق كعكرلي.
يقول نعمة: سينعكس ضياع الأشجار بالحرائق كذلك على البيئة بآثار سلبية، تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف وانخفاضها خلال الشتاء بسبب التعرية.
وهذا ما ذهب إليه خبير الأرصاد الجوية إياد الحمادة: ”فرغم أننا لا نمتلك معطيات دقيقة عن الوضع الذي آلت إليه منطقة الحرائق تلك، لكن ثمة آثار بيئية واضحة من تدهور الغطاء النباتي والقضاء على الحيوانات، ونحتاج إلى زمن طويل لتعويض ذلك“.
ويُردف مستبعدًا الأمر: “هذا إن استطعنا إعادة التشجير، في ظل وجود صعوبات جمة”، على حد قول الحمادة.
يوضح كعكرلي أن ”التعرية وإزالة الغطاء العضوي ستؤدي إلى خلل في اتزان التنوع الحيوي، من حيث النسبة بين النباتي والحيواني، كما ستؤثر على التربة وخواصها، مما قد يؤدي إلى انجراف التربة بعد الأمطار الغزيرة“.
وتترك حرائق الغابات آثارًا سلبيةً على المياه الجوفية، من حيث الكمية والنوعية، وكذلك على خصوبة التربة، وفق كعكرلي.
وكما أتت الحرائق على الغابات فإنها أتت أيضًا على النباتات العطرية والزهرية التي كانت تنمو بين الأحراش ويستفيد منها سكان التجمعات القريبة عبر جمعها وبيعها.
التخبط أو استثمار الموقف بادٍ في بيان أسباب نشوب الحرائق، فأصابع الاتهام تتجه إلى أكثر من جانٍ وتشير إلى أكثر من سبب؛ إذ اتهمت صفحات موالية لنظام الأسد ما وصفته بالمؤامرة الخارجية، وأن هناك دولًا وراء الحرائق.
وأيضًا، نقلت وكالة ’سانا‘ التابعة لنظام الأسد عن وزير الزراعة الحالي في حكومته أن 72% من الحرائق سببها حرق الفلاحين للأعشاب اليابسة في حقولهم، ومع شدة سرعة الرياح (70 كيلومترًا في الساعة)، تزيد وتيرة الحرائق.
على الجانب الآخر قال معارضون إن ما يحدث تطبيق عملي لشعار ”الأسد أو نحرق البلد“، الذي هدد به موالو النظام حين انطلقت ثورة السوريين مطالبةً بالحرية، واتهم آخرون فسادًا كبيرًا تقوم به كبار الشخصيات من أجل الربح المادي من بيع الفحم للتدفئة والاستيلاء على الأراضي وإقامة المشروعات السياحية.
وآخرون ذهبوا إلى أن ثمة صراعًا بين إيران وروسيا على النفوذ ورغبة في تهجير قسم من السكان وإجراء تغيير ديمغرافي، مشيرين إلى أن المساحات المحترقة ضخمة، ولا يستفيد منها تجار الفحم، مؤكدين وجود مساحات جرداء كبيرة يمكن لتجار العقارات الاستفادة منها.
أما على صعيد مواجهة الخطب، فيؤكد نعمة أن أهالي منطقته لم يستكينوا، بل بادروا إلى إطلاق حملة تطوعية بعنوان ’شجرنا‘، تنطوي على تشجير 120 دونمًا ضمن مرحلة أولى، معتمدين أساسًا على التكافل الاجتماعي بين أبناء المنطقة، ثم على وعود بتسهيلات حكومية تتمثل في تأمين أشجار حراجية، ومشاركة آلاتها في الحفر، بسبب طبيعة المنطقة الصخرية، وتأمين المحروقات بأسعار مدعومة، موضحًا أن أخصائيين سيشاركون في تحديد أنواع الأشجار التي ستُزرع.
الكاتب : زكي الدروبي_ شبكة SciDev.Net