ليس من دون دلالة سياسية، أن تنشر السفارة الأمريكية في دمشق على حسابها في “تويتر”، خبر تباحث المبعوث الأمريكي إلى الملف السوري، جويل رايبورن، مع الدكتور رياض حجاب، الرئيس السابق للحكومة السورية ولـ”الهيئة العليا للمفاوضات”.
وجاء في خبر السفارة، أنهما بحثا الأوضاع في سوريا، والعملية السياسية، وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، والبند الخاص بوقف إطلاق النار، وتشكيل هيئة حكم انتقالي برعاية الأمم المتحدة، وأن الدكتور حجاب دعا لإعادة هيكلة المعارضة السورية والحفاظ على مؤسساتها القائمة.
زيارة حجاب إلى الولايات المتحدة قد تكون ذات أكثر من هدف، ولكن الهدف السياسي صار واضحًا بنسبة ما، بعد لقائه مع رايبورن، لا سيما أن الأمريكيين هم من نشروا خبر ما جرى الحديث عنه بينهم وبين حجاب، ونشر الأمريكيين الخبر يحمل دلالة أهميته بالنسبة لهم، وقد يكون رسالة أولى في هذا الاتجاه موجهة لأطراف مختلفة.
والسؤال الأهم، هل يعتبر الأمريكيون الدكتور حجاب شخصية أكثر اعتدالًا سياسيًا من غيره من شخصيات المعارضة، الذين يميلون إلى أجندات إقليمية داعمة لهم، ومعطلة لجهودهم، نتيجة هذا الارتباط.
وهل اعتدال الدكتور حجاب سياسيًا حيال الأحلاف الإقليمية، يجعله أقرب إلى التصور الأمريكي حول تدبير المرحلة الانتقالية المقبلة؟ هذا يمكن تلمسه من خلال ما بحثه الجانبان، المبعوث الأمريكي وحجاب.
لقد تحدث الجانبان في الأوضاع السورية بكل ما يتعلق بجوانب الصراع في هذا البلد، ولكن اللقاء الأمريكي بالمعارض السوري حجاب، يحمل في هذه المرحلة دلالات ذات معنى، فالاستحقاق التفاوضي المتوقف في جنيف، صار زمن إطلاقه قريبًا، كما صرّح بذلك المبعوث الدولي، غير بيدرسون، الذي حدّد تاريخ العودة إلى جلسات المفاوضات في 23 من آب الحالي.
توقيت حدوث اللقاء بين الجانبين يرتبط بلا شك بجملة أمور، أولها هو إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على ضرورة ممارسة الروس الضغط على نظام الأسد ليذهب إلى جنيف، لمتابعة التفاوض حول تنفيذ القرار الدولي 2254.
وثاني هذه الأمور، يرتبط بمحاولة الولايات المتحدة معرفة رأي معارض بوزن الدكتور حجاب، حول قانون “سيزر” (قيصر)، وقراءة ما تعتقد الولايات المتحدة بأنه ضروري، لمعرفة خفايا سلوك النظام السوري في الالتفاف تاريخيًا على قرارات العقوبات المطبقة بحقه، وهو أمر يعرفه حجاب أكثر من أي معارض آخر.
وثالث هذه الأمور، يتعلق بروزنامة الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية، التي ستجري في تشرين الثاني المقبل، حيث ستحاول حكومة ترامب القيام بجهود سياسية، وربما عسكرية، تعزّز فرص نجاح ترامب أمام منافسه الديمقراطي.
لكن تصريح الدكتور حجاب حول ضرورة إعادة هيكلة المعارضة السورية، مع الحفاظ على مؤسساتها القائمة، يميط اللثام عن أن محاولة المملكة العربية السعودية ترجيح نفوذها في “هيئة المفاوضات”، سبّبت إرباكًا أمام الاستحقاق التفاوضي المقبل مع النظام السوري، وهو ترجيح كان سيذهب بوحدة المعارضة ومؤسساتها المعترف بها دوليًا إلى حالة انشقاق غير مرغوبة ولا تخدم استمرار العملية السياسية، التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف.
ولهذا يمكن القول، إن دعوة الدكتور حجاب لإعادة هيكلة مؤسسات المعارضة السورية، يجد أذنًا أمريكية مهتمة بالأمر، ويجد تجاوبًا تركيًا متعاونًا في هذا الاتجاه، لا سيما أن حجاب يقيم في عاصمة الدولة القطرية، ويلقى كل تسهيلات ممكنة من حكومتها، وهي حكومة متحالفة مع تركيا.
ولهذا، يمكن توقع إعادة هيكلة “هيئة المفاوضات” بما ينسجم مع ضرورة السير بالمفاوضات وفق أجندة “جنيف” الدولية، وخارج حساسية الحسابات الإقليمية المتنازعة فيما بينها.
إن لقاء الأمريكيين بالدكتور حجاب في واشنطن والإعلان عنه، لا يندرج ضمن سياقات أخبار هامشية، أو عادية، فهذا اللقاء جمع بين شخصيتين، أمريكية مكلفة بالملف السوري، وسورية لعبت أدوارًا مهمة من قبل، سواء في ظل النظام قبل الثورة السورية، أو في رئاسة “الهيئة العليا للتفاوض”.
لهذا يمكن قراءة لقاء الأمريكيين مع الدكتور حجاب على أنه استطلاع أمريكي، لتلمس طريق أكثر أمنًا بالنسبة لتشكيل قيادة المعارضة، والذهاب بعد ذلك إلى استحقاقات المرحلة الانتقالية، التي ورد ذكرها في خبر السفارة الأمريكية على “تويتر”.
وفق هذه الرؤية الممكنة، يُنتظر أن تحدث خطوات مادية على الأرض، تجسّد التوجه الأمريكي الضاغط، من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254، دون أن تكون ساحة الحل السياسي في سوريا مضمارًا لصراعات محتملة بين قوى إقليمية متنافسة ومختلفة.
هذه الرؤية تميل إلى الابتعاد عن وقوع الناتج السياسي للعملية التفاوضية رهنًا لإحدى قوى الاتجاهين المتصارعين سياسيًا وعسكريًا بالوكالة، وهو يعني من جهة أخرى، تذويب الصراعات بينهما، أو تجميدها على الأقل، والذهاب نحو مربع الحل السياسي وفق الصيغة الدولية.
إن لقاء الأمريكيين بشخصية سورية، مثل الدكتور رياض حجاب، غير محسوبة على الاتجاه الإسلامي في الصراع السوري، وغير القابلة بالنفوذ الإيراني في سوريا، يعطيها بعدًا معتدلًا ومقبولًا عند الأمريكيين، وهو أمر لا يمكن قراءته وفق تجاذبات سياسية إقليمية ودولية.
كذلك، ينسجم التوجه الأمريكي بلقاء حجاب مع قناعتهم المتداولة، التي تقول، إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد إسقاط النظام السوري، بل تريد تغيير سلوكه، وجوهر هذا القول يمكن تلمسه من خلال معرفة أن النظام ببنيته الحالية لا يمكنه تغيير سلوكه السياسي نحو شعبه، ونحو دول الجوار، ولذلك يمكن تحضير بديل عنه من صلبه غير المتلوث بالدم والفساد الكبير.
فهل خطوة اللقاء بين رايبورن وحجاب هي في تلمس شكل الهيئة الانتقالية المتوقعة بين وقت وآخر، وهل هي محاولة لإيجاد نقاط تقاطع وسطية، تبحث الولايات المتحدة عن ممثلين واقعيين لها.
أسئلة عديدة تنتظر إجابات عنها بعد حين، ولكن الثابت في الأمر أن الأمريكيين يحاولون إعادة ترتيب أحجار المعارضة السورية، بما يخدم سياستها المعلنة، بضرورة تصفية الوجود الإيراني في سوريا ودول الجوار، وهذا يعني إعادة إنتاج مؤسسات المعارضة السورية، بما يخدم اقتراب الحل السياسي في هذا البلد.
أسامة آغي_ عنب بلدي