رغم تجذّر الأعراف والتقاليد المحلية في المدن الواقعة شرق الفرات وتشبّث أهاليها باتباع حذافيرها، إلا أن ضراوة الحرب في سوريا غيّرت المعادلة المجتمعية فلم تبقِ عُرفاً ولم تذر ما يحفظ للمرأة السورية كرامتها من قبل جميع الأطراف المتعاقبة على المنطقة طوال السنوات العشر الماضية.
ماجدة (49 عاماً) كانت كسائر نساء مدينة الميادين حيث كانت تقطن سيدة لها عائلتها، لم تعرف عملاً أو مهنة قط سوى رعاية شؤون منزلها، لكن ميليشيات أسد التي خطفت زوجها وابنها خلال السنوات الأولى من الثورة، وتنظيم داعش الذي اقتاد ابنها إلى جهة مجهولة حتى اللحظة أرغمها لدخول سوق العمل مرغمةً، تعمل في حياكة الملابس لسد جوع من تبقى من أفراد عائلتها بعد خسارتها غالبيتهم.
ورغم مرارة الفقدان، كان كابوس القصف المستمر وخسارة المنزل بفعل غارة جوية مباغتة عام 2017 عنوان مرحلة صعبة على أهالي الميادين، الأمر الذي دفع بماجدة للنزوح مع من تبقى من عائلتها عام 2017 فكانت مدينة ذيبان شرق دير الزور وجهة ماجدة البديلة وابنتها الوحيدة ذات (17 ربيعاً).
قصة ماجدة واحدة من بين عشرات آلاف القصص التي تعيشها نساء جغرافية توالى عليها الكثير من الميليشيات ذات الأيديولوجيات المختلفة شرق سوريا، التي فعلت ما فعلته في أهالي المنطقة دون أي اكتراث بما سيحلّ على عموم الناس ونسائهم.
من “الروتينية” إلى “الكارثية”
ولتوضيح الصورة أكثر، حدد الناشط محمد الخالد من أبناء مدينة دير الزور الصعوبات التي واجهت المرأة في المناطق الشرقية عبر مرحلتين، اقتصرت المرحلة الأولى التي بدأت قبل انطلاقة الثورة في سوريا على عمل المرأة المنزلي بينما شاطر البعض منهنّ أزواجهنّ للعمل في الزراعة والقيام ببعض أعمال الحراثة وتربية الحيوان، في حين إن الكثيرات من نساء المنطقة آثرن إتمام تعليمهنّ.
لكنّ حال نساء المنطقة سرعان ما أخذ وضعاً معاكساً بعد انطلاقة الثورة في سوريا فباتت المرأة أمام أوضاعٍ كارثية أجبرت على العيش معها والانخراط في أعمال شاقة لتأمين لقمة العيش.
فنظام أسد خطف الرجال وغيّب المعيل، فبات معظمهم بين متوفٍ، أو مفقود أو معتقل أو هارب من الخدمة العسكرية ما جعل المرأة تقارع تبعات غياب الرجل. لكن الأمر ازداد صعوبة وسوداوية مع سيطرة تنظيم داعش على المنطقة الشرقية، والذي راح بدوره يفرض قيوداً تحدّ من حرية المرأة ماجعل رؤيتها في سوق العمل نادرة حد العدم.
ومع انحسار سيطرة تنظيم داعش على المنطقة الشرقية، وعلو سطوة ميليشيات “قسد” على المنطقة الشرقية، فرض الأخير على المرأة تحديا جديدا وخطيرا يهدد بقاءها، رغم كل الشعارات التي ادعت خطاب الحرية للمرأة ورعاية حقوقها.
فبعيد سيطرتها على المنطقة الشرقية سارعت ميليشيات قسد إلى تجنيد الفتيات القاصرات والنساء للقتال في صفوفها بشكل إجباري وصل حد اختطافهن من أمام منازلهن أو مدراسهن دون حسيب أو رقيب.
وسبق للعديد من التحقيقات الصحفية أن كشفت تورط ميليشيات قسد في استغلال نساء المنطقة وفتياتها في تجنيدهن بشكل إجباري وإلحقاهنّ بمعسكرات تدريب سرية، فقضى بعضهن في مواجهات مع الجانب التركي دون أن تعلن “قسد” صراحة عن مقتلهن أو تعترف بذلك.
وعليه، يرى الخالد أن الواقع المتقلب الذي عايشته المرأة السورية في المناطق الشرقية غيّر كثيراً من المفاهيم المتعلقة بها في تلك المناطق.
أربعة سيناريوهات “استغلال”
وفي السياق ذاته، أوضح الناشط الحقوقي قياد العلوان أن تعددية الأطراف التي سيطرت على مناطق شرق الفرات وغربها فرض الكثير من الأيديولوجيات المتناقضة على المرأة في المنطقة رسمت لها سيناريوهات غير سارة.
فداعش، رأت في المرأة وكل ما يرتبط بها “عورة” ومقصداً للزواج ولا شيء خارج عن هذا السياق فكان أول السيناريوهات المفروضة عليها، في حين حوّلت ميليشيات “قسد” المرأة إلى شخصية تدعي الرجولة، متمردة على الأعراف والتقاليد المجتمعية التي تحكم حال كل منطقة في وقت تدعي فيه احترامها لحقوق المرأة، وحولتها إلى طرف في الصراع الدائر في البلاد كمصير ثانٍ لها.
ويرى العلوان أن الأطراف المتصارعة خلفت لدى المرأة آثاراً نفسية مختلفة، تجلى أولها في تسجيل عدد كبير من عمليات الولادة القيصرية للعديد من الحوامل مابين عامي 2011 و2012 على خلفية الأعمال القتالية التي شهدتها المنطقة في تلك الفترة.
في حين، يعتقد العلوان أن الكثيرات من نساء المنطقة أرغمن على المضي وراء سيناريو الزواج المبكر لبناتهن خلافاً لما هو متعارف به خوفاً عليهنّ من مصير غير مرغوب به، كالاعتقال أو الاختطاف أو الاغتصاب من قبل الميليشيات المتصارعة في المنطقة.
ويوضح العلوان أن الزواج المبكر كان “حلاً” أقدم عليه الكثير من نساء ريف الحسكة، تحديداً في مخيم الهول، من الواضح للرائي مشاهدة فتيات يحملن أطفالاً ليتضح أنهن أمهات تزوجن في عمر مبكر بمخيم تشرف عليه ميليشيات “قسد” التي تدعي حمايتها لحقوق المرأة، وفق تعبيره.
وفي المخيم ذاته، تواجه أي امرأة تود الهرب من جحيم “الهول” السيناريو الرابع والمتمثل في دفعها مبالغ طائلة لميليشيات “قسد” التي جعلت من المرأة مصدر رزق تستغل حاجتها للهرب من المخيم بأي ثمن.
ويرى علوان أن مشاريع بسيطة يمكنها أن تقدّم دعماً نفسياً للمرأة في المنطقة الشرقية أولها تأمين فرص عمل مهنية أو حرف يدوية لتأمين المرأة مايسد رمق عائلتها، فضلاً عن السماح لهنّ بزيارة المعتقلين من عائلاتهن أو السماح لهنّ بالبحث عن مفقودين من أسرهنّ.
وأخيراً، يرى العلوان أن لاضير في فتح سبل للعلاج النفسي لنساء المنطقة في دول الجوار عله يساهم في دعم المرأة في المنطقة الشرقية ويسهم في تعافيها من هول ما عاشته من صدمات نفسية متلاحقة خلال السنوات الماضية.
المصدر: أورينت نت