في 1 من حزيران الحالي، أعلن مدير المكتب المركزي للإحصاء التابع لحكومة النظام السوري، عدنان حميدان، أن عدد سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري وفقًا لـ”إحصائية” أجراها المكتب عام 2021، يقدر بنحو 23 مليون نسمة.
تصريح حميدان، جاء ردًا على أنباء تداولتها صفحات محلية، أفادت بأن عدد سكان سوريا وصل لنحو 28 مليون نسمة، الأمر الذي اعتبره مبالغًا فيه، ليعلن بلسانه عن رقم “مبالغ فيه” أيضًا قال إن المكتب أحصاه دون توضيح عن كيفية إجرائه.
ففي آذار 2021، نشر معهد “جسور للدراسات” دراسة عن التوزع السكاني في سوريا، في جميع مناطق السيطرة العسكرية (قوات النظام، قوات سوريا الديمقراطية، فصائل المعارضة).
وقدّرت الدراسة الإجمالي المفترض لعدد سكان سوريا في 2021 بـ26 مليونًا و285 ألف شخص، لكن الذين بقوا في سوريا حتى مطلع 2021 عددهم 16 مليونًا و475 ألفًا، منهم تسعة ملايين و400 ألف نسمة يقيمون في مناطق سيطرة النظام.
وبحسب موقع “Data Commons“، الذي يقدم بيانات حول تعداد مختلف الدول، يبلغ عدد سكان سوريا نحو 17 مليونًا و500 ألف شخص.
وتؤكد هذا الأرقام أن النظام ضاعف أعداد السكان وأعلنها بشكل رسمي، الأمر الذي أثار التساؤلات حول الأسباب المحتملة لمضاعفة الرقم والمصالح التي يطمح لتحقيقها عبر ذلك.
ثلاث رسائل يمررها النظام
الباحث الاقتصادي، خالد تركاوي، قال في حديث إلى عنب بلدي، أن النظام السوري من خلال مضاعفة تعداد السكان، يريد إيصال ثلاث رسائل، أولها تصدير صورة “سوريا بخير” إذ يشير عدد السكان الكبير إلى أنه لم يحدث شيء في سوريا، وسكانها كلهم موجودون فيها، أما من غادرها فهو عدد قليل لا يغير في الأمر شيئًا.
وتتمثل الرسالة الثانية، بحسب تركاوي، بأن جميع السكان بمن فيهم من يقيم خارج مناطق سيطرته، هم مواطنون يقومون بالمشاركة بالانتخابات، ويعودون إلى مؤسساته.
بينما تتجلى الرسالة الثالثة، بتمرير معلومة مغلوطة تعود عليه بالنفع “الاقتصادي”، فمن يقرأ رقم 23 مليون نسمة يدرك أن العدد كبير، وفي حال رغبة الغرب والمنظمات بتقديم المساعدات المالية عليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار هذا الرقم، الذي سينتج عنه مساعدات ومبالغ أكبر، وفقًا لحديث الباحث.
ولا يعتقد الباحث خالد تركاوي، أن يكون لهذا الأمر الأثر على توزيع النظام للدعم “الحكومي”، أو أن يستغله لتحديد الموازنة العامة للدولة، مفسرًا رؤيته، بأن الغرض من ذلك ربما يكون إعلاميًا فقط، إذ يمكن أن يستغل ذلك ليقول أنه يقدم الخدمات لملايين السوريين، بينما هو يقدمها لمئات الآلاف فعليًا.
الرقم اعتمد على “الساعة السكانية”
من جهته أوضح الباحث المساعد في مركز “جسور للدراسات” المختص بجمع وتحليل البيانات، بشير نصر الله، أن آلية الإحصاء السكاني التي كانت المؤسسات التابعة للنظام تتبعها، هي عبارة عن لجان مسؤولة عن الإحصاء تقوم بجمع وإحصاء عدد السكان وتسجيلهم من خلال زيارات ميدانية على البيوت في كل منطقة على حدة.
وفسر نصر الله، في حديث إلى عنب بلدي، الرقم المضاعف الأخير الصادر عن “المكتب المركزي للإحصاء”، اعتماد النظام على تقدير الساعة السكانية التي يظهرها موقع “المكتب”، والذي يعتمد على حساب التعداد على أساس أنه بازدياد مستمر، مع حذف أعداد الأشخاص الذين خرجوا وسافروا من مناطق سيطرته بشكل “نظامي”.
وأكد نصر الله، أن كل من خرج من سوريا بشكل غير نظامي، أو المقيمون في مناطق خارج سيطرة النظام، يعتبر مشمولًا بالتعداد الذي أعلنه النظام.
الإحصاءات “غائبة” أو “غير دقيقة”
تنشر الإحصائيات الرسمية في مناطق سيطرة النظام بإشراف الأفرع الأمنية، بحسب ما أكد الباحث الاقتصادي، خالد تركاوي، مضيفًا أن ما يجري في هذا القطاع، هو أن الكفاءات والخبراء يقومون بالعمل وتجميع المعلومات وتحليلها لتعرض بعد ذلك على المخابرات والأفرع الأمنية، لتقوم الأخيرة بدورها بإجراء التعديلات “اللازمة”.
وأوضح تركاوي، أن سياسة النظام في قضية الإحصائيات معروفة منذ السابق، إذ خضعت الكثير من الإحصائيات لتعديلات وفقًا لمصالحه كـ: تعداد الكرد في سوريا، نسبة العلويين والدوز من عدد السكان، وغيرها.
وبحسب الباحث المختص بجمع وتحليل البيانات، بشير نصر الله، اعتمد النظام منذ عام 2013 وحتى 2021، على آلية إحصاء لا تعطي أرقام حقيقية ودقيقة.
إذ اعتمد على قيام الأفرع الأمنية، عن طريق عدد من المخاتير بجمع أعداد الاشخاص الموجودين في منطقة ما، لكن نتائجها غير دقيقة أبدًا، إذ تحتمل الكثير من الأخطاء.
“غوانتانامو الحكومة”
يُنتقد مكتب الإحصاء بشكل متكرر من قبل خبراء الاقتصاد والباحثين في هذا المجال لغياب البيانات الإحصائية الصادرة عنه، ولصدور آخر رقم إحصائي عنه عام 2019، إلى جانب امتناع المكتب الإحصائي عن إعطاء أي معلومة من الممكن البناء عليها للصحفيين.
ولطالما تعطل موقع المكتب المركزي للإحصاء الإلكتروني، وسط غياب نسخ أخرى متوفرة عن المحتوى الذي يقدمه، يمكن الوصول إليها في حال تعطل الموقع.
الباحثة رشا سيروب، انتقدت في حديث إلى صحيفة “الوطن”، في نيسان الماضي، الرقم الإحصائي في سوريا، واعتبرته “مشكلة ليس لها حل، كونه يعاني من عدم الكفاية والشمول وغياب المشاركة والشفافية، وهذا ما يمكن لحظه في تصريحات المسؤولين، في حال تم ذكر رقم ما، إذ إنها غالبًا ما تكون أرقامًا غير متطابقة”.
وترى سيروب أن انخفاض جودة البيانات وعدم توفرها بالوقت المناسب يعني وضع سياسات وسيناريوهات خاطئة وغير منطقية، ولا يسهم في توفير المؤشرات الإحصائية اللازمة لرسم السياسات وصنع القرار وتقييم الأداء الحكومي في أي دولة.
من جهته، وصف المدير الأسبق للمكتب المركزي للإحصاء، شفيق عربش، مديريات الإحصاء في الجهات العامة بـ”المنفى الوظيفي”، فعندما “يتم الغضب من موظف ما يتم نقله إلى مديرية الإحصاء في الوزارة التابع لها كعقوبة له أو إلى المكتب المركزي للإحصاء”.
وأطلق على المركز اسم “غوانتانامو الحكومة”، إذ يندر وجود موظف يحمل إجازة في الإحصاء، على الرغم من المسابقات التي كان يتقدم إليها أشخاص من أصحاب الاختصاص.
جنى العيسى _ عنب بلدي