syria press_ أنباء سوريا
لقد تشددت القوانين العقارية العربية عموماً وقوانين الدول المحيطة بفلسطين خصوصاً حيال تملك الأجانب للعقارات في هذه البلاد والهدف من وراء هذا التشدد هو الحيلولة دون تهريب العقارات وتمليكها للوكالات الصهيونية والشركات الإسرائيلية أو لعملائها، وكان قانون تملك الأجانب في سورية رقم 189 لعام 1952 من ضمن هذه القوانين المتشددة في هذا الامر حيث أنه حظر:
إنشاء أو تعديل أو نقل أي حق عيني عقاري في أراضي الجمهورية السورية لإسم أو منفعة شخص طبيعي أو إعتباري غير سوري.
كما حظر إجراء عقود إيجار واستثمار زراعي في الأراضي المذكورة لمدة تزيد عن ثلاث سنوات لاسمه أو لمنفعته.
كما تشدّد في احكام تملك الأجانب عن طريق أو الوصية حين نص على أنه ” إذا انتقل عقار كائن خارج الأماكن المبينة في مراكز المحافظات لغير سوري بطريق الإرث أو الانتقال أو الوصية أو بسبب تصفية وقف يسقط حق الوارث في الإرث والانتقال والوصية والتصفية وينتقل إلى إدارة أملاك الدولة لقاء دفع قيمته المقدرة وفاقاً لقانون الاستملاك.
وكانت أهم الأسباب الموجبة للتشدد هي:
الحفاظ على الامن القومي للبلاد من خلال حظر تملك الشركات والجمعيات والافراد الأجنبية ومنع التحايل على القانون وتملك المنظمات المحظورة والوكالات الصهيونية والشركات الإسرائيلية تحت أسماء او عناوين وهمية.
منع المضاربة في سوق العقارات والحفاظ على قدرة المواطنين على الحصول على المسكن اللائق الكريم بأسعار تناسب قدراتهم المالية.
تشجيع السكان على الاستثمار في السوق العقاري الداخلي.
إستمر العمل بهذا القانون حتى العام 2008 , و بعد الغزو الأمريكي للعراق و لجوء مئات الالاف من العراقيين ومن قبلهم الإيرانيين الذين لجأوا الى البلاد خلال الحرب العراقية الإيرانية , و ظهور الشركات ورجال الاعمال العراقية والإيرانية و حتى الافراد الذين كانوا يملكون الأموال الطائلة التي إستولوا عليها من البنوك والمصارف العراقية أثناء الحرب والذين كانوا يتملكون العقارات في مناطق ريف دمشق الغربي و الجنوبي وغيرها من المناطق في سورية عن طريق التحايل على القانون رقم 189 لعام 1952 وذلك برفع دعاوى تثبيت البيوع العقارية ووضع إشارات الدعاوى او الحجوز على صحائف العقارات والتي اثقلت صحائف هذه العقارات بهذه الإشارات التي أعاقت عملية التطوير العقاري وتحت ضغط مصالح الحكومتين الايرانية و العراقية الطائفيتين, و لتشجيع رؤوس الأموال للإستثمار في سورية أصدر النظام السوري القانون رقم 11 لعام 2008 والذي ألغى العمل بالقانون 189 لعام 1952 و سمح للأجانب بالتملك في سورية سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو إعتباريين وفق شروط محددة منها ” تملك عقارا واحدا لكل عائلة . ان تكون علة التملك للسكن فقط وأن تكون مساحته على الأقل 200 م2 ومنع الافراز الطابقي وحظر على المالك التصرف بالعقار قبل مرور خمس سنوات على تاريخ تملكه، مع إضافة شرط المعاملة بالمثل من قبل دولة الأجنبي.
كما سمح بإجراء عقود إيجار للعقارات المبنية داخل المخططات التنظيمية للوحدات الإدارية والبلديات لإسم أو لمنفعة أشخاص غير سوريين طبيعيين كانوا أم اعتباريين لمدة لا تزيد عن خمس عشرة سنة غير قابلة للتمديد أو التجديد ويمنع التأجير خلاف ذلك.
ثم صدر القانون رقم 11 لعام 2011 الذي ألغى العمل بأحكام القانون 11 لعام 2008 , حيث أجاز للأجنبي القانون الجديد ” إنشاء أو تعديل أو نقل أي حق عيني عقاري في أراضي الجمهورية العربية السورية لاسم أو لمنفعة شخص غير سوري طبيعيا كان أم اعتبارياً , وخفف من القيود التي كانت واردة في القانون السابق حيث سمح بالتملك سواء كان للسكن او لغيره و خفّض شرط المساحة الى 145م2 على الأقل دون تحديد السقف الأعلى للعقار المتملك , كما سمح للمراكز الثقافية الأجنبية وأعضائها و أسرهم بالتملك وتخفيض مدة القيد عل حرية التصرف حيث جعلها سنتين بدلاً من خمس سنوات من تاريخ التملك .
وبتاريخ \ 17\ 2\2021\ أقر مجلس الشعب السوري مشروع التعديلات على القانون 11 لعام 2011 ورفع كل القيود الواردة فيه لجهة تملك الأجانب في سورية مع الإبقاء على شرط المعاملة بالمثل بالنسبة لتملك البعثات الدبلوماسية والقنصلية والمراكز الثقافية وتملك أعضائها وأسرهم.
الملاحظات التي يمكن إستخلاصها من هذه السردية التاريخية لقوانين تملك الأجانب في سورية وخطورتها:
إن الفترة الزمنية الطويلة الممتدة من عام 1952 حتى عام 2008 والتي يمكن إعتبارها فترة إستقرار قياساً الى حالة الحرب التي تعيشها سورية منذ بداية عام 2011 حتى اليوم، رغم هذا الإستقرار لم يخطر على بال النظام السوري إجراء أي تعديلات على قانون تملك الأجانب الأمر الذي يدعو الى الشك والريبة في نواياه من خلال الملاحظات التالية التي بنيت على تسلسل تاريخي لمجريات الأحداث في المنطقة و في سورية :
كثرة التعديلات على هذه القوانين والتي بدأت مع بداية الثورة ضمن سياسة قانونية ممنهجة تخدم النظام في حربه على الشعب والثورة، وإجرائها خلال فترات زمنية قصيرة تفقد هذه القوانين أهم ميزاتها وهي ” الاستقرار والثبات والإحترام ” ويحولها الى مجرد أداة من أدوات السلطة الحاكمة في قهر وإستغلال السوريين والتعسف بمعاملتهم و إنتهاك حقوقهم الأساسية.
غياب الأسباب الموجبة الواضحة والمقنعة للقيام بهذه التعديلات التي تمس قطاع مهم وخطير من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعب السوري.
إن فتح باب التملك للأجانب سيحوّل القطاع العقاري إلى سوق للمضاربة مما يهدد الطبقات الفقيرة والوسطى من الشعب السوري بحرمانهم من تملك مساكن كريمة لعدم قدرتهم على الدخول في منافسة مع أصحاب الشركات والتجار بسبب الفقر الذي طال أكثر من 80% من الشعب السوري حيث أصبحت هذه النسبة تعيش تحت خط الفقر.
إن ظاهر وباطن هذه التعديلات يدلان على أن الهدف الاساسي لها هو مصلحة النظام في تمتين علاقاته مع حلفائه على حساب مصلحة الشعب السوري بما يساعده في الحفاظ على السلطة ومواجهة الثورة السورية التي تهدد وجوده ووجود حلفائه في سورية لا سيما بعد الإتفاقيات التي عقدها مع الشركات الروسية والإيرانية التي طالت كل المرافق الإقتصادية والتجارية في سورية.
إن منح رؤساء وأسر رؤساء وموظفي البعثات الدبلوماسية والمراكز الثقافية حق التملك شريطة المعاملة بالمثل يهدف من ورائه النظام الحصول على إمكانية تملك موظفيه وأسرهم في الدول التي تقبل ذلك مما يوفر ملاذا آمنا لمجرمي الحرب وعائلاتهم وحماية دبلوماسية من الملاحقة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها أو شاركوا بها في سورية من خلال تعيينهم او توظيفهم في تلك البعثات والمراكز.
إن هذه القوانين ضربت الامن القومي للبلاد في مقتل حيث أصبحت سورية ملاذا آمنا لتبييض أموال المنظمات الإرهابية وتجار المخدرات والمافيا الدولية شركات الأعمال الممنوعة والمشبوهة من خلال السماح لها بالتملك العقاري في البلاد.
إن هذه القوانين فتحت الباب للشركات والمنظمات الصهيونية في التملك في سورية تحت أسماء شتى مما ينسف الأمن القومي السوري والعربي ويبدد حق الشعب السوري باسترداد الجولان.
إن منح المراكز الثقافية الأجنبية وموظفيها وأسرهم حق التملك في سورية واعطائها الحصانة الدبلوماسية هو باب لتوطين المراجع الشيعية الإيرانية وأسرهم وأفراد هذه المراكز في سورية الامر الذي يكرِّس جريمة التغيير الديموغرافي ونشر التشيّع في البلاد وتوطين مرتزقة الميليشيات الطائفية العراقية والإيرانية والافغانية وميليشيا حزب الله لتكوين دولة ضمن الدولة السورية لتكون رأس حربة في اثارة الصراعات الطائفية في البلاد و مع دول الجوار.
وعليه فإنه يجب على السوريين الانتباه وأخذ الحيطة والحذر من مخططات هذا النظام المجرم وعدم الاستهانة به و بحلفائه , والعمل على كافة المستويات للتصدي لهذه المخططات من خلال العمل على نشر الوعي بكافة الوسائل المتاحة بين أفراد الشعب بضرورة حماية أموالهم وممتلكاتهم , و بالعمل مع المنظمات الدولية و الإقليمية و الأمم المتحدة على إلغاء مفاعيل هذه القوانين وخاصة تلك التي صدرت منذ العام 2011 حتى اليوم , من خلال تفعيل مبادئ القانون الدولي الإنساني و المبادئ الأممية الخاصة بحماية أموال و أملاك المهجرين والمشردين داخليا و اللاجئين والمضطهدين في سورية .
المحامي عبد الناصر حوشان_ رسالة بوست