تقرير عن الهجمات الإسرائيلية على سورية عام 2022

تُظهِر إحصاءات الضربات الإسرائيلية (الجوية والقصف المدفعي والصاروخي) على مواقع عسكرية إيرانية على الأراضي السورية، وعلى مواقع تابعة للنظام السوري، خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2022، أرقامًا غير مسبوقة، وهناك توقعات بأن ضربات العام الجاري حتى نهايته ستزيد على ضربات أي من السنوات السابقة (2013 – 2022)[1].

في 30 كانون الثاني/ يناير 2013، نفذت إسرائيل أولى غاراتها ضد التموضع العسكري الإيراني في سورية، حيث استهدفت الطائرات الإسرائيلية مواقع حول العاصمة دمشق في مركز بحوث جمرايا، وسرعان ما بدأت هذه الغارات تأخذ منحًى تصاعديًا مع مرور السنين. لكن إحصاء ضربات الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري تتحدث عن مزيد من التصعيد، حيث يتم تفريغ شحنات التوتر العالية، بسبب نشاطات إيران العسكرية في سورية، على شكل غارات جوية وقصف مدفعي تستهدف منشآت حيوية ومخازن ومستودعات أسلحة ومعدات عسكرية وتقنية أخرى، على الأرض السورية.

نحو مزيد من التصعيد على الأرض السورية

شهدت الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022 ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الأهداف العسكرية التي استهدفتها الغارات الإسرائيلية على الأرض السورية، حيث وصلت إلى 49 هدفًا، أي بزيادة نسبتها 22.5% مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي 2021.

ويظهر من الجدول والرسم البياني (شكل رقم 1) تصاعد أعداد الغارات منذ العام 2013، وهذا يعكس تزايد النشاطات العسكرية الإيرانية على الأرض السورية، وتوريد مزيد من المعدّات العسكرية وبخاصة منذ العام 2018.

ويأتي هذه الارتفاع الملحوظ في الغارات الجوية الإسرائيلية متناسبًا طردًا مع تصاعد نشاطات المحور الراديكالي الشيعي على الأرض السورية، بقيادة “فيلق القدس” الإيراني[2]، لنقل معدات الأسلحة والمكونات الدقيقة الخاصة بالصواريخ والمسيرات (الانتحارية والقتالية) وأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، إلى مواقعها على الأرض السورية.

وكانت خسائر النظام السوري وإيران، المادية والبشرية الناجمة عن هذه الغارات على المواقع العسكرية في سورية، خلال الفترة المذكورة، هي الأكبر منذ سنوات، مما يجعل العام الجاري 2022 العام الأكثر عنفًا خلال عقد كامل من الغارات الإسرائيلية على سورية.

ويُظهر الشكل رقم (1) أدناه أعداد الغارات الإسرائيلية على المواقع العسكرية السورية والإيرانية، خلال الأشهر الثمانية، من أعوام 2013 حتى 2022.

وتظهر الخريطة (1) أدناه انتشار عمليات القصف الإسرائيلي على كامل الجغرافيا السورية في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022[3].

توزع عمليات القصف حسب المناطق:

من مجمل 49 هدفًا عسكريًا، خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022، كان للمنطقة الجنوبية (دمشق ومحيطها والجنوب السوري) الحصة الأكبر من الاستهداف الإسرائيلي، تليها المنطقة الوسطى، ثم المناطق الساحلية، مع انعدام وجود أهداف عسكرية للضربات في المناطق الشرقية والشمالية من سورية، خلال الفترة المدروسة، ويبيّن الشكل التالي توزيع مواقع هذه الأهداف في دمشق وجنوب سورية:

سمات الغارات الإسرائيلية

على الرغم من كثافة الغارات الإسرائيلية في العام 2022، فقد أصبحت أكثر تركيزًا في استهدافها مناطق معنية دون غيرها. ويُعزى تركيز الجهود الإسرائيلية لاستهداف المناطق المذكورة أعلاه إلى أن عمليات تهريب الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية التي يقوم بها المحور الإيراني، إلى سورية، قد اتبعت المسار الجوي والبحري بالدرجة الأولى، واستخدمت المسار البري بدرجة أقل، لأنه أقلّ أمنًا وأكثر انكشافًا.

وبمتابعة المواقع والتطبيقات المخصصة لتتبع مسار وتفاصيل رحلات الطيران يلاحظ التصاعد الكبير في عدد الرحلات الجوية بين طهران ودمشق، كما تشير متابعة المصادر المفتوحة والراصدين الميدانيين إلى تزايد رحلات شركات الطيران التي تنقل الأسلحة والمعدات العسكرية والذخائر الى سورية، وهو نهج بدأ يأخذ مسارًا متصاعدًا مع بدء العام الجاري، حيث سيرت إيران طائرات شركة (فارس قشم) التابعة للحرس الثوري الإيراني، وطائرات القوات الجوية الإيرانية، وشركة (بويا إير)، وكان المعدل الوسطي لرحلات هذه الشركات إلى سورية بين (2 إلى 3) رحلات جوية، أسبوعيًا، منذ بداية العام 2022.

الجدول رقم (1) يبيّن عدد الرحلات الجوية التي قامت بها طائرات الشحن الجوي الإيرانية إلى سورية، منذ بداية العام 2022 حتى 7 حزيران/ يونيو 2022 (قبل تعطّل مطار دمشق الدولي بغارات إسرائيلية بأيام).

بشكل عام، أدى الغزو الجوي الإيراني للسماء السورية، منذ مطلع العام الجاري، إلى مجموعة من التوترات غير المسبوقة تجلّت بعدد من الهجمات، وأفضت في نهاية المطاف إلى تعطيل مطار دمشق الدولي في غارة نُفذت في 10 حزيران/ يونيو 2022.

من ناحية أخرى، يشير ارتفاع عدد مناطق الساحل السوري المستهدفة (5 مناطق) إلى أن المسار البحري كان المسار الثاني المفضّل لعمليات تهريب الأسلحة الإيرانية.

الأهداف العسكرية في منطقة مطار دمشق الدولي

من بين أكثر من 300 هدف عسكري، استهدفتها الغارات الإسرائيلية على الأرض السورية خلال عقد كامل، كان نحو 45 هدفًا مخصصًا لمطار دمشق الدولي وما حوله. ما يعني أن 15% تقريبًا، من مجمل الغارات الإسرائيلية المنفذة خلال السنوات السابقة، كانت مخصصة لهذه المنطقة الاستراتيجية. وهو ما يثبت مكانة مطار دمشق الدولي في مشروع توسيع الهيمنة العسكرية الإيرانية، باعتباره أحد أهم الأدوات في تدعيم العمق الاستراتيجي للنظام الإيراني في سورية. وقد تصاعدت عمليات القصف الإسرائيلي للمطار، في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022، بنسبة 85%، مقارنة بعام 2021.

ولتبيان صورة حلقة النار التي أحاطت بمطار دمشق الدولي خلال العام الجاري، لا بد من القول إن أهداف القصف الإسرائيلي لمنطقة مطار دمشق وما حولها، خلال الأشهر الثمانية الماضية من عام 2022، شكلت نحو 29% من مجمل أهداف القصف الإسرائيلي لتلك المنطقة خلال العقد الماضي، ونحو 4.3% من مجمل أهداف القصف الإسرائيلي لكامل الجغرافيا السورية خلال العقد الماضي. أي أن ما استخدمته إسرائيل من وسائط نارية كصواريخ كروز لاستهداف مطار دمشق الدولي، خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022، بهدف تعطيل مسار تهريب الأسلحة الإيرانية جويًا، يعادل تقريبًا ثلث الوسائط النارية المستخدمة خلال عقد كامل لاستهداف تلك المنطقة.

الأهداف العسكرية في منطقة الساحل السوري:

لم تكن مناطق الساحل السوري ساحةً لتصفية الحسابات الإسرائيلية – الإيرانية، نظرًا لما تحمله هذه المنطقة من خصوصية تبعيتها للنفوذ الروسي، إضافة إلى أسباب أخرى، منها تجنب التصادم مع القوات الروسية المنتشرة بكثافة في هذه المنطقة. ولهذا لم تشهد هذه المنطقة نسبة عالية من ضربات الغارات الإسرائيلية على مجمل الجغرافيا السورية. لكن انخفاض نسبة الضربات في هذه المنطقة لا يعني انعدامها، فقد أبدت إسرائيل أكثر من مرّة استعدادها للتعامل مع التهديدات الإيرانية في هذه المنطقة، حين كان الحاجة العملياتية تستدعي ذلك.

بشكل عام، تعرضت المنطقة الساحلية السورية لأكثر من 13 غارة إسرائيلية، منذ العام 2013 حتى نهاية آب/ أغسطس 2022، وهو ما يعادل تقريبًا 4.3% فقط، من مجمل عمليات القصف الإسرائيلي على كامل الجغرافيا السورية، منذ عقد من الزمن.

ولكن عمليات القصف الإسرائيلي للمناطق الساحلية من سورية تصاعدت أخيرًا، لدرجة أن نسبة غارات القصف الإسرائيلي، خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022 (13 غارة)، بلغت 38.5% من مجمل غارات القصف الإسرائيلي لتلك المنطقة خلال العقد الماضي.

الأهداف العسكرية في المنطقة الجنوبية

بحسب إحصاءاتنا، استهدفت إسرائيل خلال العقد الماضي أكثر من 30 هدفًا عسكريًا تابعًا لإيران والنظام السوري في المنطقة الجنوبية، مستخدمة القصف المدفعي وطائرات الهليكوبتر والمسيرات القتالية. وشكلت عمليات القصف الإسرائيلي للمناطق الحدودية بالتحديد نسبة 10% من مجمل عمليات القصف الإسرائيلي لكامل الجغرافيا السورية خلال العقد الماضي.

ونحا مسار القصف الحدودي الذي رصدناه المنحى الصاعدَ للغارات الإسرائيلية على سورية خلال السنوات العشر الماضية، لكن الأشهر الثمانية الماضية من العام 2022 شهدت قفزة في معدل الضربات في هذه المنطقة بالتحديد، حيث ارتفعت معدلات القصف المدفعي والصاروخي الإسرائيلي لأهداف عسكرية في المناطق الحدودية بنسبة 80% عن العام 2021، وبنسبة 125% عن العام 2020، وبنسبة 50% عن العام 2019، وبنسبة 200% عن العام 2018، و80% عن العام 2017، و800% عن العام 2016.

وبشكل عام، شكّل عدد الغارات الإسرائيلية للمناطق الحدودية السورية، في الأشهر الثمانية الماضية من عام 2022 (9 أهداف عسكرية)، قرابة ثلث مجمل الغارات الإسرائيلية المنفذة على هذه المناطق خلال العقد الماضي (30%من مجموع الغارات).

عمليات القصف المدفعي والجوي قد تشير في الوقت الحالي إلى ارتفاع نشاطات ميليشيات “حزب الله” على الحدود السورية مع اسرائيل. وإذا كانت إسرائيل تكتفي الآن بالقصف من بعيد، جوًّا وأرضًا، فقد تجد نفسها في لحظة قادمة مضطرة إلى التدخل عسكريًا على الأرض، لإبعاد التهديدات المتعاظمة على حدودها الشمالية، وهو احتمال مرتفع، ويعزز ارتفاع هذا التوقّع تزايد عمليات القصف المدفعي والصاروخي الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، مقارنة بنظيراتها في السنوات الماضية، الأمر الذي يشير إلى تزايد نشاط إيران والميليشيات التابعة لها.

التداعيات والنتائج

بينما تسببت الغارات الإسرائيلية في مقتل 32 جنديًّا، وضابطًا برتبة عميد، من صفوف قوات النظام في عام 2021، شهدت الأشهر الثمانية الأولى فقط من عام 2022 سقوط 34 قتيلًا من قوات النظام وميليشيات “فيلق القدس”: (ضابطان من قوة الجو فضاء في الحرس الثوري الإيراني، و10 ضباط تابعين لقوات النظام، و22 جنديًّا).

وكان من الملاحظ أن أغلب من قُتِلوا من صفوف قوات النظام يتبعون لمرتبات سلاح الدفاع الجوي. وهذا ما يثبت أن تداعيات الغارات الإسرائيلية لا تقتصر فقط على ارتفاع الخسائر البشرية لقوات النظام، بل يتبعها ارتفاع في الخسائر المادية المتمثلة في تدمير عدد كبير من منظومات ورادارات الدفاعات الجوية السورية، وهي سياسة يبدو أن إسرائيل اعتمدتها بشكل مقصود، لتأمين حرية التحرك المستقبلي لطائراتها الهجومية.

ولطالما اعتمدت إسرائيل منذ سنوات سياسة إخماد الدفاعات الجوية السورية واستنزافها، من خلال تنفيذ ضربات تمهيدية ضد بعض المنظومات الدفاعية ورادارات الإنذار المبكر، بهدف خلق ثغرات مستقبلية في المجال الجوي، وتنفيذ ضربات أساسية في العمق السوري.

وعلى ما يبدو، كانت هذه السياسة مكلفة جدًا للنظام السوري وحلفائه الإيرانيين، لما لها من تبعات اقتصادية وبشرية عالية، خاصة خلال الفترة المدروسة التي شهدت سقوط الطواقم العسكرية لقوات النظام التي تقف على منصات الدفاعات الجوية على دفاعات عدة[4].

ضياء قدور _ مركز حرمون للدراسات


[1] الإحصاءات المذكورة في هذا التقرير هي نتاج جهود الباحث، من خلال جمع إحصاءات عن النشاطات العسكرية الإيرانية على الأرض السورية، وجمع المعلومات بجهد ذاتي اعتمادا على رصد خاص، ومعلومات مستخلصة من وسائل إعلام موثوقة، ومصادر مفتوحة، يجري التأكد من مطابقتها ومصداقيتها.

[2] “فيلق القدس” هو وحدة قوات خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني، ومسؤولة عن العمليات خارج الحدود الإقليمية الإيرانية.

[3]– الغارات الإسرائيلية على سورية (2013-2022) – https://bit.ly/3dGEn7l

[4]– يوثق موقع حرية برس الذي يعمل فيه ناشطون ميدانيون ومراسلون في الأراضي السورية أسماء قتلى من جيش النظام السوري سقطوا نتيجة هجمات إسرائيلية في عدة مناطق، وفي التقريرين التاليين تم توثيق أسماء 6 ضباط وعدد من الجنود من قتلى جيش النظام السوري: مقتل 3 ضباط من جيش الأسد بغارات إسرائيلية في دمشق والساحل، https://horrya.net/archives/138523، وانظر أيضًا، قصف إسرائيلي قرب مصياف يوقع قتلى بينهم 3 ضباط من جيش الأسد، https://horrya.net/archives/138370

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version