syria press_ أنباء سوريا
بعد مجيء البعث والأسد إلى السلطة، بدأت ملامح دمشق تتغير. هذا طبيعي لو وضعناه في سياق علاقة المركز العاصمة بباقي مناطق البلد. العاصمة كمركز لنشاط تفتقده الأرياف، تفتقده مدن أصغر. دمشق كعاصمة فرصة عمل، طموح شخصي، فرصة فن وإبداع وأدب. فرصة سياسية.
هذا مفهوم في كل دول العالم وعواصمها. جاء أهل الريف إلى دمشق من كافة المحافظات بحثا عن هذه الفرصة، من حوران من الجزيرة من الساحل. علما أن حلب كانت تقريبا العاصمة الاقتصادية لسورية الشمالية. هذا مفهوم وطبيعي. حدث ويحدث في بلدان كثيرة حتى الآن. لما تشكله العاصمة من ديناميكية طبقية ورمزية.
تحويل الجيش السوري الوليد، والذي لم يتسنّ له فترة سياسية كافية ليحترف. كما أن العوامل الإقليمية ضغطت من أجل أن يبقى الجيش كأنه في حالة حرب. لكن هنالك قفزة حدثت على يد البعث أوصلت الأسد للسلطة، هي تحويل الجيش إلى جيش عقائدي. جيش سياسي. العنوان تحرير فلسطين. لكم أن تتخيلوا أن الأسد الأب يريد أن يحرر فلسطين!
الجيش العقائدي البعثي-الأسدي هو الذي يؤمن بعقيدة البعث. في الاستبدالية اللاحقة لانقلاب تشرين الثاني 1970 على يد الأسد الأب، تحول من جيش عقائدي بعثي إلى جيش عقائدي أسدي. السؤال الذي فشلنا في الإجابة عنه كمعارضة قبل الثورة هو: ما هي العقيدة الأسدية؟
https://googleads.g.doubleclick.net/pagead/ads?client=ca-pub
أيضا من المتعارف عليه في غالبية شعوب الأرض، أن أبناء المدن لا يلتحقون بالجيش كمحترفين ولهذا أسبابه الاقتصادية أيضا، الجيش لا يشكل فرصة عمل بالنسبة لهم. حيث كما هو معروف، انقلاب ما سمي بالحركة التصحيحية 1970 هو استبدال سلطة الحزب بسلطة جنرال. كما استبدل البعث سلطة الانتخاب بسلطة ديكتاتورية الحزب الواحد. لم تدم طويلا. جاء الأسد وكنسها مع أصحابها في المعتقلات والمنافي. بهذا تحول الجيش العقائدي للبعث إلى جيش عقائدي للأسد وبات الأسد هو رب العمل للجيش بوصفه فرصة عمل. التطوع كفرصة عمل. لم تعد الدولة السوري ولا أية حكومة ولا الشعب السوري، لهم علاقة من قريب أو من بعيد بمؤسسة الجيش والأمن كملحق له أو العكس. تحول إلى شركة خاصة للأسد، لا أحد مطلع على رأسمالها المادي أو الرمزي، ولا حتى الحكومة. تجادل ذلك مع السيطرة على ميزانية النفط بشكل غير قانوني. لتكون تحت تصرف الأسد، ولا يعرف الشعب السوري، ولا ما يسمى دولته الناشئة أي شيء عن النفط. سوى أنه بأيد أمينة!! الأسد بات صاحب الجيش والنفط والمال. هذا لا يعني أنه حالة فريدة في الدول النفطية. لكنها حالة اكتسبت خصوصيتها السورية من سلطة الأسد وتفكيره وعقيدته الأمنية السياسية.
ما أردته من هذه المقدمة المكثفة جدا، أن ادخل إلى تفاصيل أسدية في دمشق. بظرف أقل من عقد من الزمن، منذ عام 1963 لعام 1973، بات الجيش ممسوكا أسديا بطريقة طائفية، أدخل المعيار الطائفي إلى تحديدات عديدة في جهازي الجيش والمخابرات. 1975 كان معظم أو أغلبية قادة الأولية والفرق العسكرية وأجهزة الأمن علويين. وأتم تصنيع سرايا الدفاع والوحدات الخاصة وسرايا الصراع وكلها مؤسَسةٌ أسديا بتمييز طائفي. لهذا الكلام إن الأسد الأب تصرف طائفيا على إثر ما سمي الصراع مع جماعة الإخوان وأحداث نهاية السبعينيات ومجازر حماة وحلب في بداية الثمانينيات. أمر عار عن الصحة. لأن الأسد دخل المعركة مع الإخوان محصنا بجيش طائفي. وجهاز أمن طائفي.
العسكري الذي أتى من ريف الساحل أو ريف حماة أو ريف حمص، ليتطوع بالجيش نتيجة لفقر الريف السوري عموما، جاء بفعل عاملين: الأول فرصة عمل مادية. والثاني التحريض السلطوي للدفاع عن السلطة” العلوية” خاصة في موجات تطويع الناس في سرايا الدفاع بزعامة رفعت الأسد، والوحدات الخاصة بزعامة علي حيدر وسرايا الصراع بزعامة عدنان الأسد، إضافة لحملات التطوع في المخابرات الجوية والعسكرية.
لماذا لم يلجأ الأسد لضباط من باقي الطوائف ويمنحها السلطة المعطاة لضباط من الطوائف العلوية؟ أعتقد في تاريخ الجيش الأسدي أن الضابط الوحيد الذي كان له سلطة نسبية هو حكمت الشهابي. تقول بعض المصادر إن السبب يعود إلى أن الشهابي هو أحد قنوات التواصل مع الأمريكان. هذه معلومة غير مؤكدة. لكن المؤكد أن الشهابي كان مفصلا أمنيا بانقلاب الأسد. هذا السؤال أيضا الذي يجب طرحه بداهة. لم تجب عنه المعارضة ولا نخبها. هل لأن الأسد نفسه طائفي أكثر من سلطته؟ بالطبع لا. الأسد طائفي لأن هذا يخدم سلطته. الثقة معدومة ببقية المكونات، لأن الأسد بات طائفيا بالممارسة. دون أن يحول هذه الممارسة إلى قانون أو مادة دستورية. لأنها كلها تصرفات وممارسات لا يحتملها أي دستور ولا أي قانون وضعي. إضافة إلى أن الأسد صفى كل الضباط ومن كل الطوائف والمكونات. أو أبعدها عن الجيش والأمن أو مواقع مهمة. من بقي لا سلطة فعلية له إلا على حجابه وسائقيه.
هنا مكمن القصة في الأسدية: تحول الأسد إلى رب عمل طائفي. وتحول الجيش والأمن لفرصة عمل طائفية لدى أبناء الطائفة العلوية. إضافة إلى ما منُحوا من سلطة رمزية في الشارع الدمشقي الذي وصل خوفه من لباس المموه إلى أقصاه في نهاية وأوائل الثمانينيات.
نعم الريف العلوي كبقية أرياف سوريا كان فقيرا. الهجرة إلى فرص عمل في أجهزة الدولة في دمشق كانت هجرة جماعية، ويقال نكتة إن أرياف إدلب وحوران للشرطة. الشرطة المحكومة بجهاز الأمن السياسي والذي قائده علوي. حيث الشرطة والأمن السياسي يتبعان لوزارة الداخلية. فرصة العمل هذه في تلك القطاعات العسكرية والأمنية لم تكن متوفرة لبقية المواطنين. حيث معيار التمييز الطائفي هو المحدد في اختيار طلاب الكليات العسكرية. هنالك حادثة جرت في منطقة الإطفائية في عام 1977 عندما هتفت في ذلك الشارع سيارة زيل محملة بعسكر لسرايا الدفاع بعبارة” الشرطي بأربع أرباع بليرة”. يدل على سيادة السرايا على الشرطة.
بدأت القاف الساحلية مرادفة للسلطة في شوارع دمشق. هل يتحمل أهل دمشق ذلك؟ سلوك الإخوان وجماعة الإسلام السياسي التي انبثقت بدعم من صدام حسين، كان سلوكا طائفيا في بعض محطاته. حتى لو كان ردة فعل إلا أنه سلوك يشكل وجها آخر لعدوه. كما الأسد استخدم الطائفية وجعلها سيدة المعايير. أيضا حاول الإخوان وجماعة الطليعة استخدام الورقة الطائفية في الرد على سلوك طائفي. حيث أعطى هذا الشكل من الصراع أن هذه الجماعة تقاتل الأسد لأنه علوي وليس لأنه ديكتاتور!! وهنا الطامة الكبرى التي لم يتعلم الإسلاميون منها درسا حتى الآن. الرد على طائفية الأسد لا يكون طائفيا. لا يجب استخدام الطائفية بأي حال في مواجهة سفاح حتى لو كان طائفيا.
للحديث بقية..
غسان المفلح_ أورينت نت