تشهد المحكمة الإقليمية العليا في بلدة كوبلنز جنوب غربي ألمانيا اليوم، الاثنين 18 من أيار، الجلسة الخامسة لمحاكمة مسؤولَين سوريين سابقين متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية داخل فرع “الخطيب” الأمني بدمشق الخاضع للمخابرات السورية العامة.
وتعتبر المحاكمة الأخيرة سلسلة لمجموعة من المحاكمات لمرتكبي انتهاكات ضد المدنيين أو الناشطين في سوريا، وتركزت تلك المحاكمات ضد مسؤولين في فصائل المعارضة أو فصائل “متشددة” ومنشقين عن النظام، وفيما يلي أبرزها:
أولى المحاكمات.. مقاتل من المعارضة
أول محاكمة لمرتكب جريمة حرب في سوريا، كانت في عام 2015، حين وجه القضاء السويدي تهمة التعذيب للسوري مهند الدروبي، الذي كان مقاتلًا في “الجيش السوري الحر”.
ونشر مهند تسجيلًا مصورًا على صفحته عبر “فيس بوك”، يظهره وهو يقوم بضرب شخص عام 2012، اعتُقد حينها أنه من قوات النظام السوري، الأمر الذي اعتبرته منظمة “هيومن رايتش ووتش” في تقرير لها بـ”جريمة حرب واعتداء مشدد”.
واعتقلت الشرطة السويدية مهند في السويد، وفق مبدأ “الولاية القضائية العالمية” بعد تحققها من التسجيل المصور، دون أن يدّعي عليه أحد وحكمت عليه بالسجن خمس سنوات في آب لعام 2016، على أساس ارتكابه جريمة حرب، أي لأنه عذب أسيرًا.
وبعد أن تقدم الضحية السوري من تركيا بالادعاء على مهند، ظهر أن الضحية كان منشقًا وقت الاعتداء وأنه كان زميلًا للمرتكب في “الجيش الحر”، وأُعيدت محاكمة مهند وحُكم بثماني سنوات في السجن، لارتكابه جريمة حرب من خلال “أعمال عنف تشبه التعذيب”، وقضت المحكمة بتعويض للضحية بنحو 33 ألف دولار في حكمها.
المؤبد لمقاتل سوري ضمن “مجموعات إسلامية”
في عام 2017، أصدرت محكمة سويدية الحكم بالمؤبد للسوري هيثم عمر سخانة (46 عامًا) الذي قاتل ضمن “جماعة سورية مسلحة” وفقًا لـ”رايتس ووتش“، وذلك لإعدامه سبعة مقاتلين من قوات النظام ميدانيًا خارج نطاق القضاء.
وأُلقي القبض عليه في آذار 2016، حين ظهر في تسجيل مصور لاعتداءات ضد الإنسانية، ويظهر هيثم في شريط مسجل في أيلول 2013 وهو يقتل أحد الجنود ببندقية حربية.
وحُكم على هيثم بالسجن المؤبد في 16 من شباط 2017، وبعدها تأكد الحكم أمام محكمة الاستئناف في 31 من أيار في العام نفسه.
إسلام علوش معتقل في فرنسا
واعتقلت فرنسا في مطلع العام الحالي الناطق السابق باسم فصيل “جيش الإسلام”، إسلام علوش، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بحسب ما قاله “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”.
وقال المركز إن السلطات الفرنسية اعتقلت علوش، في 29 من كانون الثاني الماضي، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم التعذيب والإخفاء القسري خلال وجود الفصيل في الغوطة الشرقية.
وأضاف المركز أن “جيش الإسلام” متهم بارتكاب جرائم دولية ممنهجة ضد المدنيين بين عامي 2013 و2018، في الغوطة الشرقية.
ومن بين التهم اختطاف واحتجاز وتعذيب المحامية المتخصصة في مجال حقوق الإنسان رزان زيتونة، ووائل حمادة، أحد مؤسسي لجان التنسيق المحلية (LCC)، واثنين آخرين من زملائهما.
رسلان والغريب
بدأت في 23 من نيسان الماضي، أول محاكمة في العالم حول القتل تحت التعذيب، وظروف الاعتقال غير الإنسانية، والاغتصاب داخل مراكز الاعتقال الخاضعة لسيطرة حكومة النظام السوري.
المحاكمة كانت ضد أنور رسلان المسؤول السابق في “الفرع 251” التابع للمخابرات العامة في دمشق، المعروف بفرع “أمن الخطيب”، أمام المحكمة الإقليمية العليا في بلدة كوبلنز جنوب غربي ألمانيا.
رسلان (57 عامًا) متهم بارتكاب جرائم تعذيب بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي، وبتعذيب أربعة آلاف شخص وقتل 58 منهم في الفترة الممتدة بين نيسان 2011 وأيلول 2012، بحسب منظمة العفو الدولية.
كما يواجه إياد الغريب (42 عامًا)، وهو مسؤول في جهاز أمن النظام، القضاء الألماني كونه متهمًا بأنه مكلف باحتجاز المتظاهرين، وبـ30 تهمة تتعلق بالمساعدة في التعذيب والقتل.
ومن وجهة نظر القضاء الأوروبي، أي شخص ارتكب جريمة إن كان منشقًا أو غيره، ومهما كانت رتبته ومسؤولياته صغيرة أو عليا، هو عرضة للمحاسبة إن تم الإبلاغ عنه أو الادعاء عليه، أما المنشقون ممن لم يرتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو لديهم مسؤولية عنها فليسوا عرضة للملاحقة.
وإلى الآن لا تعتبر القضايا التي وصلت إلى مرحلة المحاكمة مماثلة للجرائم التي يشهدها النزاع المسلح في سوريا، وأغلب القضايا الحقوقية المتصلة بسوريا تقام في ألمانيا، وتشمل الملاحقة جراء جرائم إرهابية واتهامات بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
وبحسب “رايتش ووتش“، فالقضايا ضد المسؤولين أو القادة العسكريين الذين ارتكبوا جرائم حرب في سوريا تتضمن صعوبة أكبر في جمع الأدلة، مقارنة بأغلب تلك المعروضة أمام المحاكم.
وتتطلب المحاكمات بحق هؤلاء الأفراد أدلة قوية لربطهم بالجرائم المرتكبة، وأدلة لإثبات مكانهم ضمن المراكز القيادية في أثناء ارتكاب الجرائم.
وتحقق السلطات السويدية والألمانية في الجرائم المحتمل ارتكابها في سوريا من قبل مختلف أطراف النزاع، ومنها النظام في دمشق، لكن حتى عام 2017، كانت المحاكمات الوحيدة المتصلة بسوريا والخاصة بالجرائم الدولية في الأغلب ضد عناصر ذوي رتب متدنية من “تنظيم الدولة” و”تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا) وفصائل المعارضة السورية.
ومنذ عام 2015، كانت القارة الأوروبية ميدان النزاعات الحقوقية التي جمعت ضحايا التعذيب في سوريا مع جلاديهم تحت أقبية المحاكم، وأُقيمت فيها أبرز المحاكمات ضد مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سوريا بعد عمل المنظمات الحقوقية السورية والأوروبية على توثيق تلك الجرائم.
المصدر: عنب بلدي