ربما يكون البرود الروسي تجاه مخاوف تركيا من تقدم قوات الأسد مدعومة بميليشيا حليفة سببا في غضب أنقرة بعد مقتل عدد من جنودها باستهداف ناري مباشر من قبل قوات النظام، لكنّ وراء هذا الغضب أمورا أعمق منها الفشل في التفاهم حول ليبيا واتخاذ موسكو موقفاً معاكسا عبر دعم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
ذهب الرئيس التركي إلى كييف، وصرّح علنا بموقف يعارض مصالح روسيا في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وهذا ليس إلا إعلاناً واضحا بتعارض المصالح بين البلدين بلغ أعلى درجاته في العملية العسكرية للسيطرة على “سراقب” وبعض المناطق المحيطة لفتح طريقي M4 و M5 وهو ما كان ينبغي أن يتم بناء على قاعدة خفض التصعيد التي أقرها اتفاق “سوتشي” والذي أعلنه بوتين وأردوغان في أيلول 2018.
خلف المشهد تبدو واشنطن حاضرة، وثمة ما يؤشر إلى جمر الصراع الروسي الأمريكي، وإمكانية قلب الطاولة خلال الفترة القادمة استناداً إلى عدد من المعطيات.
خلال الأسبوعين الماضيين سمعنا تصريحات مباشرة من الأمريكيين حول زيادة الدعم للمعارضة، ويبدو أنها تقصد العسكري أكثر من السياسي.
ثمة عدة مؤشرات على متغير أمريكي في ضوء ما يجري في الشمال السوري، إدلب وغرب حلب، حيث يمكن أن يصبح اتفاق “سوتشي” منتهياً وبوادر هذا بدأت تظهر في طبيعة التحشيد والصدم المباشر والقصف الذي استهدف جيش نظام الأسد والميليشيا الحليفة له.
المؤشر الأول: تصريحات أمام فعاليات سورية من قبل دبلوماسيين أمريكيين بأن هناك قرارا برفع مستوى الدعم للمعارضة السورية.
المؤشر الثاني: رسائل مباشرة توجهها الخارجية الأمريكية ومبعوثها للشأن السوري جيمس جيفري، تجسدت في تحذيرات متتالية حول جرائم يجري ارتكابها من قبل النظام وروسيا بحق المدنيين.
المؤشر الثالث: عودة الأمريكيين للحديث عن حق تركيا في الرد على هجوم النظام على إدلب حسب تصريحات الناطق باسم الخارجية قبل يومين، والتأكيد على دعم واشنطن لهذا الحق باعتبار أن تركيا حليف مهم في حلف الشمال الأطلسي.
المؤشر الرابع: سعي واشنطن لفرض عقوبات جديدة، والسعي لتبني مزيد من الضغوطات الاقتصادية والعزل بالتوازي بين دول أوروبية والولايات المتحدة.
يركز الأمريكيون على 3 محاور أساسية كاستراتيجية للعمل في سوريا:
الأول: تغيير عميق في بنية النظام، وبناء على هذه الاستراتيجية يجري الضغط على كل الأطراف، خصوصا العربية، التي تحاول إعادة دمج النظام في المنظومة العربية، ومنها جامعة الدول العربية.
وكذلك العودة إلى القرار 2254 سواء بالضغط السياسي أو العسكري، وإنجاز عملية دستورية وانتخابات تنتج نظاما بعيداً عن إيران ولا يهدد إسرائيل.
الثاني: إخراج إيران من سوريا، وهذا يعني استمرار قصف مواقعها سواء من قبل إسرائيل، أو عبر سلاح الجو الأمريكي.
الثالث: الحفاظ على التحالف القائم ضد تنظيم الدولة “داعش” ومحاربة الإرهاب، وهو تحالف الضرورة على اعتبار أنه يشكل حائط حماية في ذات الوقت في ضوء أي احتكاك بين الجيوش المتصارعة على الأرض أيضا.
ليس من باب المصادفة أن يترافق التصعيد مع تمهيد أمريكي ربما كان ينتظر تخطّي بعض العوائق وأهمّها قضية التصويت في مجلس الشيوخ لعزل الرئيس دونالد ترامب والتي انتهت بتتويجه بدل إدانته.
تبدو الظروف مهيأة أفضل من ذي قبل، ومن المؤكد أن إقرار قانون قيصر أعطى الإدارة الأمريكية أداة ضغط إضافية ليس على النظام السوري، وإنما على جميع الشركات التي ترتبط بصلات اقتصادية مع دمشق مهما كانت جنسيتها، وعلى رأسها الشركات الروسية والصينية، وخلال الأسابيع القادمة ستكون سوريا والمنطقة على موعد مع متغيرات كبيرة، وإدلب أوّل مؤشراتها.
علي عيد – زمان الوصل