“كنت حوّل بين ألف وألف و500 ليرة تركية بالأحوال العادية، بس هلأ صار لازم حوّل بحدود ألفين”.
هكذا يصف أيهم، شاب سوري مقيم في اسطنبول، تأثره بحالة التضخم الاقتصادي التي تعيشها تركيا، والتي قفزت بالأسعار عاليًا، وخفّضت كثيرًا من قيمة الليرة التركية.
وباعتبار أن السوريين في مختلف دول العالم، ولا سيما تركيا، التي تحتضن أكثر من 3.5 مليون لاجئ منهم، يشكّلون شريان تغذية اقتصادية ومالية لكثير من العائلات السورية في مناطق سيطرة النظام، فالتضخم الحالي في تركيا وصلت ارتداداته بصورة أو بأخرى إلى الداخل السوري، عبر تأثر الحوالات المالية بحالة التضخم.
أوضح أيهم أن فترات الأعياد أيضًا تشكّل استثناء في قيمة الحوالة التي يرسلها إلى ذويه في سوريا، إذ يصعد الرقم في حالات ومناسبات من هذا النوع إلى أربعة آلاف ليرة تركية تقريبًا، وذلك على حساب الكثير من الالتزامات والنفقات التي يدفعها الشاب، من إيجار المنزل إلى تكاليف المعيشة وغيرهما.
وتعتبر مناطق سيطرة النظام باقتصادها الرث ثقبًا أسود للحوالات المالية المرسَلة من الخارج، أمام تكاليف المعيشة العالية هناك، وارتفاع أسعار المنتجات والسلع المختلفة، مقابل انخفاض قيمة أجور ومعاشات أصحاب الوظائف الحكومية الثابتة، التي تتراوح بنسبة كبيرة منها بين 15 و25 دولارًا أمريكيًا تقريبًا، مع انخفاض قيمة الليرة أمام الدولار الأمريكي.
“بالنسبة لأهلي كمان كل شي ارتفع سعره، لهيك ورغم إنو الحوالة هلأ أكبر، لكن بتصوّر صار مصروفهم أقل ومانو مريح”، قال أيهم تعبيرًا عن عدم تناسب المبالغ التي يحوّلها لعائلته مع القيمة الشرائية التي تشكّلها تلك الدفعات المالية.
الأرقام تفقد قيمتها
في ظل غياب أرقام رسمية لقيمة الحوالات المالية التي تصل إلى سوريا، إلى جانب وجود حوالات تُرسل بـ”الأسود”، أي عبر وسطاء لا شركات، يتسلّمون المبلغ من الطرف الأول، ليسلّموه للطرف الآخر باليد دون العبور من بوابة النظام المالية، أكد رئيس “هيئة الأوراق والأسواق المالية”، التابعة لحكومة النظام السوري، عابد فضيلة، صعوبة تقدير حجم حوالات السوريين المرسَلة من الخارج.
وبحسب حديث فضيلة إلى صحيفة “الوطن“، في 5 من تموز الحالي، تشير التقديرات “شبه الرسمية” إلى أن متوسط قيم الحوالات المرسَلة إلى مناطق سيطرة النظام، يتراوح بين خمسة ملايين وسبعة ملايين دولار أمريكي يوميًا، مضيفًا أن اتساع عدد وتوزع السوريين في الخارج، وإرسال الكثير من الحوالات خارج القنوات الرسمية، يعوق وضع تقديرات حول إجمالي قيم الحوالات بشكل دقيق.
وقدّر فضيلة أن حوالي ثلث المقيمين في مناطق سيطرة النظام يعتمدون في معيشتهم بشكل رئيس على الحوالات الخارجية، التي ترتفع عادة بالتزامن مع الأعياد والمناسبات الاجتماعية الأخرى.
العامل السوري الذي يحارب على جبهتين اقتصاديتين، وجد نفسه عالقًا بين أزمة مالية في البلد الذي يقيم به، ما أثّر على قيمة راتبه وكيفية إنفاقه، أمام انخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع الأسعار وأجور المنازل، وعدم مواءمة زيادة الأجور لجنون الأسعار من جهة، إلى جانب الوضع الاقتصادي المتهالك أصلًا في سوريا من جهة أخرى، ما يتطلّب زيادة في حجم التحويلات المالية إلى الداخل السوري.
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، أكد لعنب بلدي أن التضخم الاقتصادي الحاصل على المستوى العالمي، وعلى المستوى المحلي في تركيا، وتأثر الليرة التركية به، انعكس سلبًا على موضوع التحويل المالي إلى البلد الأصلي بالنسبة للسوريين حتمًا.
وعزا شعبو ذلك لانخفاض قيمة التحويل والقيمة الشرائية للمبلغ المحول، كما أن الزيادة في الرواتب لا تغطي ارتفاع الأسعار، وهو أمر طبيعي، إذ لا يمكن لرفع الرواتب تغطية رفع التكاليف في مختلف الدول.
وتؤثر حالة التضخم الاقتصادي بشكل سلبي على أصحاب الرواتب الثابتة “غير المرنة”، التي لا ترتفع بما يواكب الأسعار، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن العامل السوري بالكاد يتقاضى الحد الأدنى من الأجور، وهو 5500 ليرة تركية وفق ما أقره الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 1 من تموز الحالي.
وبحسب “هيئة الإحصاء التركية”، ارتفع مؤشر التضخم السنوي في تركيا إلى 73.50%، مسجلًا بذلك أعلى نسبة وصل إليها منذ حوالي 24 عامًا، وفق بيان صدر في 3 من حزيران الماضي.
كل هذه الظروف تنعكس على حجم الحوالات إلى سوريا، وفق شعبو الذي يشدد على أن التأثر في هذه الحالة يشمل الكمية والقيمة، فإذا كان الشخص يرسل في الماضي 500 ليرة تركية إلى سوريا، فمع ارتفاع الأسعار انخفض المبلغ إلى 200 ليرة، ومع ذلك فهذه الـ200 ليرة انخفضت قيمتها في الداخل السوري بسبب تدهور وضع العملة المحلية التركية، ما يعني انخفاض القيمة وكمية الإرسال.
وبحسب الدكتور في العلوم المالية والمصرفية، فالمتضرر الأكبر من هذه الحالة هو مناطق الشمال السوري، والمناطق التي تعتمد بشكل رئيس على التحويلات المالية.
ووفق إحاطة لمجلس الأمن الدولي، قدمتها مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة، جويس مسويا، في 25 من شباط الماضي، يحتاج السوريون إلى المساعدة الإنسانية أكثر من أي وقت مضر، باعتبار أن 14.6 مليون سوري سيعتمدون على المساعدة خال العام الحالي، بزيادة 9% على عام 2021، و32% على عام 2020، وفق إحصائيات الأمم المتحدة، ما يجعل سوريا في المرتبة الأولى بين الدول الأكثر انعدامًا للأمن الغذائي في العالم.
عيد بلا مباهج
بالتزامن مع فترة الأعياد تكثر المتطلبات والحاجيات بالنسبة لمختلف العائلات السورية، ارتباطًا بالطقوس الاجتماعية والموروث الثقافي والديني، لكن الأوضاع الراهنة غيّبت الكثير من المظاهر الاحتفالية عن الأهالي بحكم الظروف.
وفي 5 من تموز الحالي، دعت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين في سوريا، عبر بيان نشره مكتبها الإعلامي، الأهالي لحصر طقوس عيد الأضحى لهذا العام بالطقوس والشعائر الدينية في مواقعها، تقديرًا للظروف المعيشية والأحوال القاهرة التي تمر بها البلاد، وفق البيان.
كما سجلت أسواق العاصمة السورية، دمشق، تراجعًا بحركتها التجارية في فترة ما قبل عيد الأضحى مقارنة بالحركة التي سبقت عيد الفطر الماضي، بنسبة تراوحت بين 50 و60%، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، في 5 من تموز الحالي، عن نائب رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها، ماهر الأزعط، الذي عزا تراجع الحركة إلى غلاء أسعار المواد من جهة، وصعوبة وصول المواطنين من الريف إلى المدينة، نتيجة أزمة المواصلات الحالية، من جهة أخرى.
وفي 6 من الشهر نفسه، أوضح رئيس مجلس إدارة “الجمعية الحرفية لصناعة البوظة والحلويات والمرطبات”، بسام قلعجي، أن نسبة كبيرة من المواطنين المقيمين في مناطق سيطرة النظام عزفت عن شراء الحلويات، لعدم قدرتهم على تأمين مستلزماتهم الأساسية ليشتروا الحلويات، وفق ما نقلته صحيفة “تشرين” الحكومية، حينها.
وكشف قلعجي أن نسبة مبيعات محال الحلويات في اليوم الواحد تصل إلى 20% فقط من نسبتها في مواسم الأعياد السابقة، ما أسفر عن توقف عدد من مطابخ الحلويات عن العمل في هذا القطاع.
وبرر قلعجي ارتفاع أسعار الحلويات، بارتفاع أسعار المواد الأولية الداخلة في صناعتها.
إلى جانب ذلك، تشير التوقعات إلى ارتفاع متوقع في أسعار الفواكه منذ وقفة عيد الأضحى، بنسبة تبلغ نحو 10% بسبب زيادة الطلب عليها أكثر من الخضار، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، عن عضو لجنة تجار ومصدّري الخضار والفواكه بدمشق محمد العقاد.
حسام المحمود _ عنب بلدي