تتصاعد مخاطر الاشتباك العسكري المباشر بين الجيش التركي وقوات النظام السوري شمالي سورية حيث تنتشر القوات التركية، عقب قصف لقوات النظام السوري على مناطق بإدلب اليوم الاثنين، أدى إلى مقتل جنود أتراك، فضلا عن قصف متكرر سابق لنقاط المراقبة التركية المنتشرة في إدلب ومحيطها بموجب التوافقات السياسية والعسكرية مع روسيا.
وما رفع من خطورة الموقف، هو تصاعد الخلافات التركية الروسية حول طبيعة الحل العسكري في إدلب، ومستقبل الحل السياسي في عموم سورية، واعتقاد تركيا الراسخ بأن النظام لا يجرؤ على القيام بأي خطوة عسكرية ضد القوات التركية بدون غطاء أو تغاضٍ روسي.
وقالت وزارة الدفاع التركية اليوم إن خمسة جنود أتراك قتلوا وأصيب تسعة آخرون في قصف لقوات الأسد. من جهته، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن جيش بلاده رد بالمثل على الهجوم، مؤكدا أنه مصمم على الاستمرار في عملياته العسكرية بسورية، وأن من شنوا هذا الهجوم سيدفعون الثمن.
تحول خطير
وينتشر الجيش التركي في 12 نقطة مراقبة في إدلب ومحيطها من أرياف اللاذقية وحماة وحلب، بموجب اتفاق خفض التصعيد مع روسيا وإيران وتفاهمات أستانا وما تلاها من تفاهمات سوتشي. كما ينتشر في مناطق سيطر عليها بعد عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام.
واعتبر مراقبون أتراك هذه التطورات تحولا خطيرا في قواعد الاشتباك بين القوى العسكرية النافذة في شمالي سورية المتشابك، وفتحا للباب أمام احتمالات حقيقية لتطور الأمر إلى اشتباك عسكري مباشر وكبير بين تركيا والنظام في ظل تصاعد التوتر وتعقد المعادلات السياسية والعسكرية.
وفي هذا السياق، يعتقد جان أجون مسؤول قسم السياسة الخارجية بمركز “سيتا” للدراسات المقرب من الحكومة في أنقرة، أن قوات النظام السوري شنت -بدعم روسي إيراني- هجمات عسكرية سابقة على إدلب بهدف احتلالها. وفي مخالفة صريحة لاتفاق أستانا، تم في الأشهر الثلاثة الأخيرة تهجير 700 ألف سوري من إدلب، في حين لم يقتصر الأمر على إطلاق النار على أهداف عسكرية، بل تم استهداف المدنيين أيضا.
وقال أجون في حديثه للجزيرة نت إنه “من أجل أمنها القومي، وحل الأزمات الإنسانية في المنطقة، وإعطاء الفرصة لاستمرار عملية التسوية السياسية، ردت تركيا بقوة عسكرية كبيرة على هجمات قوات الأسد على قواتها اليوم”.
وأكد أن أنقرة ستقدم الدعم العسكري للمعارضة السورية بهدف إجراء تحصينات عسكرية أقوى في إدلب، ولتقليص الفجوة بين جهتي طريق سراب-أريحا.
ويستبعد أجون أن يكون النظام ضرب النقطة العسكرية التركية بمساعدة روسيا، وفي كل الأحوال جاء الرد التركي عنيفا لإيصال رسالة شديدة اللهجة إلى جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة.
ولفت إلى أن تركيا وروسيا وإيران لا ترغب في أي تصعيد بينها، ولكن أنقرة عازمة على اتخاذ تدابير عسكرية إضافية في إدلب لأهميتها الإستراتيجية، وإذا لزم الأمر فلدى تركيا القدرة على تهديد مصالح روسيا في سورية، وفق أجون.
اتفاق سوتشي
من جهته، ذكر الباحث الكردي في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية بإسطنبول بدر ملا رشيد أن العلاقة بين الأطراف الموجودة في إدلب اعتمدت على اتفاق سوتشي 2018 بين الطرفين الروسي والتركي. ورغم العمليات الروسية التي لم تتوقف منذ توقيع الاتفاق، فإن الطرفين حاولا الإبقاء على مظلته لتنظيم علاقاتهما الميدانية.
وقال ملا رشيد للجزيرة نت إن “تركيا وروسيا مدركتان لمدى خطورة انخراطهما في حرب وكالة أشد، أو اشتباكات مباشرة، سواء على مصالحهما البينية خارج سورية، أو داخل الأراضي السورية نفسها”.
وأوضح أنهما مدركتان أيضا لما سيحدثه تخلي أي طرف منهما عن التزاماته في الجهة التي يضمنها، فروسيا مدركة أن الفصائل المنضبطة في درع الفرات وغرب حلب نتيجة التفاهمات مع تركيا، ستؤزم تموضعها بسورية في حال غياب الضامن التركي.
كما اعتبر أن أنقرة تدرك أيضا مدى وحشية الآلة العسكرية للنظام وروسيا، وفي حال خروجها عن الاستهداف المتسلسل ستؤدي إلى أزمة إنسانية أمنية في المنطقة، لذا سيحاول الطرفان على المدى القصير الوصول إلى عملية تفاوض جديدة بشروط محدثة.
وأضاف الباحث الكردي أنه “لا يمكن تصور الواقع في ظل انهيار توافق المصالح بين الأطراف المتواجدة غربي سورية، فمنذ العام 2016 ومع محاولات إعادة العلاقات التركية الروسية إلى سابق عهدها، دخل الطرفان في اتفاقات ومشاريع ضخمة جدا تجاوزت الحدود السورية وحتى الإقليمية، وهو ما شاهدناه في محاولة الطرفين وضع حلٍ للمشكلة الليبية”.
وأشار إلى أن إيران تحاول الاستفادة من الواقع الذي يرسمه سلاح الطيران الروسي وجيش النظام، دون الضغط المباشر من جهتها على الطرف التركي، تحت الحاجة الإيرانية المصيرية إلى تركيا في ظل الحصار الأميركي الخانق لطهران، وتوتر المجتمعات المحلية في دول المنطقة من الانتشار والسيطرة الإيرانية على الأرض ومراكز صنع القرار في دولهم.
مسار أستانا
من جهته، يرى الباحث التركي في الشؤون الإستراتيجية طه عودة أوغلو أن التطورات العسكرية الجارية حاليا على الساحة السورية تعكس التوتر الكبير في العلاقة بين موسكو وأنقرة، وما يتم في المنطقة حاليا بينهما هو نوع من “التفاوض التركي الروسي الميداني” من باب تقوية أوراق أنقرة في أي مفاوضات قادمة.
ولفت عودة أوغلو في حديثه للجزيرة نت إلى أن التحركات التركية الأخيرة في منطقة خفض التصعيد بإدلب، وإنشاء نقاط عسكرية على أطراف ستراقب من الجنوب والشمال والشرق بحسب بيان الخارجية التركية، جاءت تطبيقا لما قاله الرئيس أردوغان قبل أيام عن خطوات تركية ميدانية توازي التحركات السياسية، خصوصا في ظل عدم استجابة موسكو إلى مطالب أنقرة ونقضها للاتفاقيات.
وقال إن الوضع في المنطقة (إدلب وريف حلب) وصل إلى مرحلة صعبة بين الطرفين الروسي والتركي، حيث أظهرت الأحداث الميدانية في الأيام الماضية وجود تضارب في المصالح الروسية التركية بسورية، وكشفت عن خلاف بشأن شكل المنطقة ومستقبلها.
وأشار عودة أوغلو إلى أن المنطقة على أعتاب إعادة صياغة إطار جديد لمسار أستانا بين أنقرة وموسكو من خلال رسم خطوط تماس جديدة، وتأسيس مرحلة جديدة، أبرز ملامحها تغيير تركيا لقواعد الاشتباكات، وعدم التهاون مع أي محاولات من النظام وحتى الروس لتقويض دورها في شمال غربي سوريا.
المصدر : الجزيرة