يثير تراجع إنتاج القمح السوري، عاماً بعد عام، تساؤلات عن أسبابه وتأثيره على الأمن الغذائي المحلي، وفيما إذا كان بالإمكان تغطية الفجوة الناتجة عن تهاوي زراعته.
الخبير الاقتصادي الدكتور كرم شعار ذكر أن تراجع إنتاج القمح في سوريا، جاء نتيجة عدة عوامل منها استنزاف الاحتياطي الاستراتيجي للمياه الجوفية بسبب زراعة محاصيل لم تكن ملائمة لشمال شرقي سوريا والتي تحتاج إلى جهد كبير ومياه أكثر من قدرة المنطقة، مثل القطن على سبيل المثال.
كما ساهم الجفاف الأخير الذي سبقه بعقود سوء إدارة الموارد المائية، إضافة لمشكلات أخرى في قطاع الزراعة مثل انخفاض منسوب مياه نهر الفرات في تراجع الإنتاج، وفق الدكتور شعار.
ولفت في حديث لتلفزيون سوريا إلى أن تدهور محصول القمح السوري هذا العام كان الأسوأ منذ أكثر من ثلاثة عقود، مشيراً إلى أن التدهور في الوضع الزراعي يختلف بين منطقة وأخرى.
ووفق شعار، كان لشمال شرق سوريا النسبة الكبرى من التضرر، وكذلك شمال غربها، لكن الأسباب مختلفة، فغرباً السبب هو صعوبة استخراج المياه الجوفية.
القمح السوري والأمن الغذائي
تراجع إنتاج القمح يخفي وراءه الخوف من “مجاعة” تهدد ملايين السوريين، فمع تحوّل سوريا إلى بلد مستورد بعدما كانت مصدّرة للقمح خلال السنوات الماضية، نشأت أزمة توقف التوريدات من روسيا وأوكرانيا بسبب “الغزو”، ثم حظرت الهند، التي كانت الأنظار إليها باعتبارها بديلًا، توريد المادة لتأمين الحاجة المحلية.
وتلاحق أرقام الأمن الغذائي السوريين وتحاصرهم، إذ احتلت سوريا المرتبة الأولى من بين الدول العشر الأكثر انعدامًا للأمن الغذائي على مستوى العالم خلال العام الحالي، بحسب ما قالته الأمم المتحدة في شباط الماضي، حيث يعاني 12 مليون شخص من وصول محدود أو غير مؤكد إلى الغذاء.
وأعلن برنامج الغذاء العالمي في تقريره السنوي لعام 2021، أن ثلاثة من كل خمسة سوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بعد الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية، وتدهور الاقتصاد في جميع أنحاء سوريا.
هل يمكن سد فجوة النقص؟
وحول إنفاق حكومة النظام السوري لسد فجوة نقص القمح قال شعار إنه من خلال دراسة قام بها “مركز السياسات وبحوث العمليات” تحت عنوان (آثار الجفاف المعاصر في سوريا وانعكاساته على الصراع) أن 18 في المئة من الموازنة العامة للدولة ستذهب لمادة واحدة فقط وهي القمح، وهذا ما سيزيد معاناة سوريا الاقتصادية.
وأضاف أن مقدرة سوريا على استيراد القمح ليست مرتبطة بحصولها على القطع الأجنبي فحسب، وإنما مرتبطة بتنازلات سياسية أو اقتصادية للدول التي تستطيع توريدها بالقمح كروسيا.
وأوضح أن حكومة النظام تعطي عقوداً لا يتم نشرها بالعلن للاستثمار بالفوسفات والنفط وغيرها نظرا لعدم امتلاكها القطع الأجنبي الكافي، لكن روسيا لا تريد أن تورد للنظام طالما أنه لا يستطيع السداد.
وكشفت مجلة “نيولاينز” من خلال تحقيق نشرته في وقت سابق أن النظام حصل على عقد من روسيا بفوائد مرتفعة، لكن المردود الروسي من عقود النفط والغاز هو صفر حتى الآن رغم وجود عقود سارية.
إنتاج القمح في مناطق النفوذ بسوريا
إنتاج المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من القمح، لا يتجاوز الـ 400 ألف طن، بينما تقدّر احتياجات السكان في مناطقه، بنحو 1.2 مليون طن، وفق تقرير تحليلي لمركز “جسور”. أي أن النظام يعاني من فجوة تصل إلى نحو 800 ألف طن، يراهن على تقليصها بالاستفادة من القمح المهرّب من مناطق “المعارضة” بشمال غرب البلاد، ومن القمح الأوكراني المسروق الذي تسوقه روسيا إليه.
أما في شمال غرب سوريا، والذي حددت السلطات فيه، أدنى أسعار للقمح ، فقد ظهرت مؤشرات واضحة لحركة تهريب القمح إلى مناطق سيطرة النظام، بصورة أقلقت النشطاء ودفعتهم لرفع الصوت عالياً، والتحذير من خطر “مجاعة”. خاصةً وأن تلك المناطق تعاني هي الأخرى من فجوة بين الاحتياجات وبين الإنتاج الخاص بها من القمح، تقدّر بنحو 250 ألف طن.
وفي السنوات السابقة، كانت تلك الفجوة تُسد من المساعدات الدولية، ومن الاستيراد من تركيا. لكن في هذا العام، هناك مخاطر بإغلاق باب المصدر الأول، وارتفاع تكاليف الاستيراد من تركيا، بصورة ستفاقم من عجز القدرة الشرائية للسكان.
ووفق تقرير تحليلي لمركز “جسور للدراسات”، فإن متوسط إنتاج القمح في “شرق الفرات”، خلال آخر 3 أعوام، نحو 600 ألف طن. فيما تُقدّر حاجات الاستهلاك المحلي في تلك المنطقة، بنحو 400 ألف طن، مما يعني أن هناك فائضاً بنحو 200 ألف طن.