كشفت دراسة نشرها “مركز الحوار السوري” واطلع عليها موقع “الجسر ترك” تأثير العمال السوريين على سوق العمل التركي، والإسهامات الكبيرة التي قدموها في هذا المجال خلال السنوات الماضية.
وتقول الدراسة إن حركة لجوء السوريين إلى تركيا أسهمت بانتقال شريحة واسعة من اليد العاملة السورية التي دخلت سوق العمل التركي الرسمي وغير الرسمي، وأثّرت فيه بشكل واضح، وقد سمحت مجالات العمل المختلفة التي استقبلت السوريين بتأمين مورد مالي مكّنهم من تأمين احتياجاتهم المعيشية بالحد الأدنى. وتشكل العمالة السورية 2.9% من إجمالي حجم العمالة في سوق العمل التركي الرسمي وغير الرسمي وفقاً لإحصائيات الحكومة التركية.
وقد أظهرت النتائج في الدراسة أن الشريحة المدروسة تركز عملها بشكل رئيسي في سوق العمل غير الرسمي، خاصة في قطاعات الورشات الصناعية والملابس والأحذية التي استوعبت ما يزيد عن نصف العمالة السورية، يليها قطاع الإنشاءات، ثم قطاع الشركات والمحلات التجارية، ثم قطاع الأعمال الحرة، ثم في قطاع المطاعم والمخابز السورية، ويتوزع البقية في قطاعات عمل متفرق كصيانة السيارات، والعمل في نقل وبيع الفحم، والزراعة والإعلام والتعليم وغيرها بنِسَب بسيطة.
وقد تعرضت العمالة السورية لحالة من الاستغلال في مجال العمل، سواءٌ من أرباب العمل السوريين أو الأتراك؛ إذ تشير النتائج إلى أن 92% من العمال السوريين من الشريحة المدروسة يعملون أكثر من 8 ساعات عمل يومياً (45 ساعة عمل أسبوعياً)، بينهم59 % يعملون لما يزيد عن 65 ساعة أسبوعياً، دون الحصول على تعويض مالي يتناسب مع العمل الإضافي، أو الحصول على حد مقبول من الإجازات أو الحقوق القانونية.
ومع ظروف العمل الطويلة والشاقة يتلقى 75% منهم رواتب أقل من الحد الأدنى من الأجور والبالغ 2825 ليرة تركية؛ حيث يتقاضى 50% منهم متوسط أجور شهري يتراوح بين 1500-2500 ليرة تركية (175 -300 دولار)، فيما يتقاضى 25% رواتب تزيد عن 2500 ليرة، فلم تتناسب معدلات الرواتب مع ساعات العمل الطويلة؛ إلا أن حيازة ملكات لغوية متقدمة يمكن أن تزيد فرصة الحصول على راتب أعلى في بعض الأحيان.
وحول الوضع القانوني للعاملين السوريين في السوق التركية يعمل 90% من الشريحة المدروسة بشكل غير نظامي، ودون تراخيص عمل رسمية، رغم أن 85% منهم ليس لديهم أي عائق قانوني لاستصدار هذه التراخيص؛ إنما يرجع السبب الرئيسي لتهاون أرباب العمل والرغبة في التهرب من دفع التأمينات الاجتماعية في محاولة لتخفيض تكلفة الإنتاج.
وحول طبيعة العمالة السورية في سوق العمل التركي نجد أن العمالة السورية ضمن الشريحة المدروسة التي دخلت سوق العمل التركي تُعد عمالة شابة؛ إذ ينتمي 87% من هذه العمالة للشريحة العمرية بين 18-30 عاماً، إلا أن هذه العمالة تمتلك مستويات تعليم منخفضة، خاصة في الشرائح العمرية الصغيرة؛ إلا أنها تضم أيضاً عمالاً مؤهلين “أكثر من المطلوب” من حملة الشهادات الجامعية بنسبة 20 % من إجمالي العاملين السوريين، حيث يعملون في مِهن منخفضة الكفاءة وفي غير اختصاصاتهم، وهو ما يتسبب بخسارة مضاعفة؛ تعود عليهم كأفراد نتيجة عدم استغلال إمكاناتهم الكاملة وتوظيفها في مجالها، وخسارة أيضاً للاقتصاد التركي، حيث يُعاقبون مرتين في سوق العمل؛ أولاً لعدم الحصول على تصريح عمل، ثم لعدم الاعتراف بشهاداتهم.
يقوم أغلب العاملين السوريين في سوق العمل التركي -ورغم تدنّي رواتبهم دون الحد الأدنى للأجور- بتحويل جزء من رواتبهم بشكل شهري لعائلاتهم داخل سوريا؛ حيث نجد أن 85% من الشريحة التي درسها البحث يقومون بتحويل جزء من رواتبهم لعائلاتهم، بينهم 65% يقومون بهذه التحويلات بشكل دائم ومكرر كل شهر.
وقد غيّرت ظروف العمل في السوق التركي نمط العمل الذي اعتادت العمالة السورية عليه؛ فانتقلت هذه العمالة إلى أعمال أطول وأقل استقراراً، كما استوعبت سوق العمل أعداداً أكبر من النساء اللواتي تحولن نتيجة ظروف اللجوء إلى معيلات لعائلاتهن، أو اضطرتهن الظروف للعمل لمساعدة أزواجهن في تأمين دخل مقبول للأسرة، كما استقطب سوق العمل الشرائح الشابة والقُصّر بنسبة أعلى؛ فخسرت هذه الفئات فرصة الحصول على تعليم جيد في تركيا، أو استكمال الدراسة الجامعية نتيجة العديد من الأسباب.
وتضم العمالة السورية شريحة واسعة تملك خبرات سابقة؛ إلا أن هذه الشريحة لم تستطع نقل خبراتها السابقة إلى سوق العمل التركي، فقد تركزت العمالة السورية في أنماط معينة من المهن، وتوزع غالبية السوريين في مهن منخفضة – متوسطة المهارة، فيما عملت نسبة قليلة لا تتجاوز 7% في مهن تتطلب مهارات عالية، وقد كان لهذا التركز في قطاعات عمل تتطلب مهارات منخفضة الأثر في إعاقة فرصهم في الاندماج السريع واستمرار استنزاف العديد من الخدمات الاجتماعية، حيث يتوقع أن يؤدي الاندماج البطيء إلى تجمع السوريين في الأحياء الفقيرة، ونشوب صراع اجتماعي مستقبلي.
وعلى الطرف الآخر أثرت العمالة السورية في سوق العمل التركي غير الرسمي، من خلال زيادة الأرباح نتيجة انخفاض الرواتب والطبيعة غير الرسمية للعمال، وأسهمت أيضاً في دعم الكثير من القطاعات الاقتصادية، لاسيما مع تصاعد الأزمة الاقتصادية التي تواجهها تركيا، وازدياد تداعياتها نتيجة جائحة كورونا.
ومن جهة أخرى أثّر عمل السوريين في القطاع غير الرسمي على إيرادات مؤسسة الضمان الاجتماعي؛ حيث قُدّرت خسارة هذه المؤسسة سنوياً 7 مليارات ليرة تركية من عائدات الضمان الاجتماعي، كما تحملت الحكومة التركية – في الوقت نفسه – أعباء توفير خدمات الرعاية الصحية للاجئين السوريين المنتمين إلى نظام الحماية المؤقتة.
ورغم كل الجهود الحكومية التركية وجهود المنظمات الدولية التي قدمت العديد من التدريبات إلا أن هذه الجهود لا تزال متواضعة أمام حجم الاحتياجات المطلوبة، خاصة ما يتعلق بالتدريبات المهنية؛ حيث لم تتوزع هذه التدريبات بشكل عادل بين المحافظات، ولم تستهدف كل فئات السوريين.
وقد قدّمت الدراسة مجموعة من التوصيات ركّزت على ضرورة تصحيح وضع العمالة السورية وضمان حقوقها، وزيادة التدريبات المهنية والتدريبات الخاصة باللغة التركية، وتوفير مِنح جامعية مرنة تتناسب مع أوضاع هذه الشريحة، خاصة شرائح القُصّر، بالإضافة إلى ضرورة تشجيع المستثمرين وأرباب العمل ودعمهم لنقل بعض ورشاتهم ومراكز عملهم إلى محافظات تركية نامية أو إلى مناطق الشمال السوري؛ لِـمَا لهذه الخطوة من تأثير على تخفيض النفقات وإعادة توزيع السوريين وتشجيعهم على العودة إلى بلادهم مستقبلا.
يمكن الاطلاع على الدراسة كاملة من خلال الرابط التالي: https://cutt.ly/uqzbmbp
المصدر: الجسر ترك