syria press_ أنباء سوريا
تميّزت الماركسية بعلاقة طويلة ومضطربة مع الدين؛ ففي عام 1843، كتب كارل ماركس الشاب، في مقال نقدي عن الفلسفة الألمانية (نحو نقد فلسفة الحق الهيجلية) أن الدين هو “أفيون الشعب”، وهي جملة قُدّر لها أن تتحول إلى عقيدة الإلحاد الرسمي للحركة الشيوعية، على الرغم من أنها تمثل بصورة سيئة الآراء الحقيقية لمنظّرها المؤسس. بعد كل ما قيل، كتب ماركس أيضًا أن الدين هو “قلبُ عالَمٍ بلا قلب”، و”روح حالةٍ بلا روح”، وكأنه يشير إلى أن المعتقدات الخيالية تحملُ في طيّاتها احتجاجًا على المعاناة الدنيوية، ووعدًا بتخليصنا من الظروف التي قد تبدو أنها تتجاوز كل تغيير ممكن. ومن هنا، قد يكون وصف ماركس بأنه “علماني” أمرًا ممكنًا جدًّا؛ إذ رأى أن الدينَ “وهمٌ”. لكنّه كان جدليًا أكثر من اللازم، إذْ لم يرفض التفكير في مسألة الدين رفضًا حاسمًا، مقتنعًا بأن الأوهام أيضًا قد تشير بنبرة مهددة ومتشائمة إلى الحقيقة.
في القرن العشرين، ازدادت القصة تعقيدًا؛ فبينما أخذت الماركسية السوفيتية منحى الانتقام من المؤمنين الدينيين، وسعَتْ لتفكيك المؤسسات الدينية، شعر بعض المنظّرين في الغرب، من الذين رأوا في الماركسية منبعًا وموردًا للتأملات الفلسفية، بأن الديالكتيك نفسه يستدعي فهمًا أكثر دقة للدين، بحيث يمكن تسخير طاقاته لمهمة الخلاص الموجهة إلى الأرض لا إلى السماء. كثيرًا ما اجتمعت الماركسية والدين في مزيجٍ متفجر، خاصة في فايمار (في ألمانيا). حيث قام المفكرون المبدعون وغير الأرثوذكسيين، مثل إرنست بلوخ[1]، بصياغة فلسفات تأملية للتاريخ، لإظهار أن الماضي الديني يحتوي على مصادر غير مستغَلة، للأمل الخلاصي (المسياني) الذي أبقى “روح المدينة الفاضلة/ اليوتوبيا” حيّةً حتى ثورة العصر الحديث. أما الفوضويون مثل غوستاف لانداور، زعيم انتفاضة ما بعد عام 1918 الاشتراكية، الذي قُتل على يد اليمين المتطرف في بافاريا، فقد انحرفوا عن الماركسية نحو توفيقية غريبة من الفكر الصوفي والثوري.
لهذا الفصل/ المقطع الغريب في تاريخ الفكر الماركسي، أهميّةٌ خاصةٌ، عندما ننظر إلى المكانة المتناقضة للدين، بين المنظّرين الرائدين المرتبطين بمعهد البحث الاجتماعي (المعروف باسم “مدرسة فرانكفورت”). تأسست هذه المدرسة في الأصل في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، كمعهد لدراسة الماركسية وتاريخ الطبقة العاملة، وهناك رأيٌ شائع مفاده أن الأعضاء الرئيسين في المدرسة تخلّوا، بحلول الأربعينيات من القرن الماضي، عن أي أمل في التحوّل الاشتراكي، وغرقوا في تشاؤم راديكالي. وأثار ذلك المنظّرَ الماركسي الموهوب جيورجي لوكاش[2]، فوصفهم بأنهم سكان “هاوية غراند هوتيل”. هذا تصوير كاريكاتوري بالطبع، وعلّةُ صموده الرئيسية أن الإسهامات الفكرية للنظرية النقدية يصعب تلخيصها، وخاصة في الأعوام الأخيرة، حتى إنها واجهت اتهامات بالتآمر. تستمر الصعوبة الهائلة لعمل المفكرين المؤسسين في إثارة النقاش، بين الباحثين والعلماء العاملين، وفق تقليد النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت اليوم. هذه هي الحال، وبخاصة عندما ننظر في مسألة الدِّين، وهو سؤال أثار خلافًا ملحوظًا بين المفكرين الأصليين أنفسهم.
حاول والتر بنيامين [3] الناقد الأدبي والثقافي المولود في برلين، وهو على علاقة بالمدرسة المذكورة، تفسيرَ العلاقة بين الماركسية والدين بصورةٍ لا تُنسى؛ إذ كتب أن النظرية الماركسية تشبه آلية عمل لعبة الشطرنج، التي ظهرت أول مرة في البلاط الإمبراطوري في القرن الثامن عشر في فيينا، حيث بدا أن حركاتها محكومة بالتشغيل الميكانيكي للعتلات والعجلات. لكن العداوة الحقيقية للنظرية الماركسية هي مع علم اللاهوت، وهي تُخفي نفسها عن الرأي العام في العصر الحديث، ولا تزال تلك العداوة تمدّ الماركسيةَ بقوّتها المستقلة الظاهرة، بطريقة تحاكي طريقة عمل اللاعب الذكي المختبئ داخل خزانة لعبة الشطرنج الآلي، ليحقق الانتصار على الخصم. هنا، بالنسبة إلى بنيامين، كان سرُّ المادية التاريخية (الاسم الرسمي للعقيدة الماركسية): على الرغم من معارضتها رسميًا للدين، فإنها تواصل استخلاص قوتها من المفاهيم الدينية، من خلال ترجمة قوتها الحبيسة إلى مصطلحات علمانية.
الصورة آسرة ومقنعة، ولكنها، مثل كثير من أعمال والتر بنيامين، قدّمت لغزًا بدلًا من أن تُقدم تفسيرًا! كان بنيامين مقتنعًا بأن الماركسية الرسمية في عصره قد فقدت إمكاناتها الثورية: لقد تحجرت وتحولت إلى عقيدة هامدة وغير تأملية، وصوّرت التقدّم أمرًا حتميًا، وكأن اليوتوبيا [المنشودة] ستُولد من التقدّم المطرد للتكنولوجيا وحدها. سوف يتكشف المستقبل من الحاضر بسلاسة ومن دون انقطاع، وبذلك تكون الثورة تحصيل حاصل/ أمرًا حتميًا، في نهاية التاريخ البشري. رأى بنيامين أن هذا الحكم كان خطأً جسيمًا. يمكن للمادية التاريخية أن تحتفظ بقوتها الحاسمة في حالة واحدة: إذا قاومت الدوغما التي تجد مواساتها في التقدّم التاريخي. كان يجب أن يُنظر إلى التاريخ على أنه مقسّم إلى أجزاء/ محطات/ مراحل زمنية، كلُّ لحظة فيه تحمل إمكانية بداية جذرية، لا على أنه سلسلة متصلة.
لكن فكرة أن التاريخ مكوّن من مراحل زمنية كانت غريبة عن الماركسية الرسمية. لم تكن الفكرة الثورية الحقيقية للتاريخ ممكنة، إلا إذا كسر الماديّ التاريخي قواعد الماركسية، واستورد مفهومًا جديدًا للزمن من مصدر غير متوقع: من علم اللاهوت. مثل اقتحام المسيح للعالم، أصبحت كل لحظة في التاريخ عتبةً للثورة. هنا، إذن، يكمن معنى الإنسان الآلي الذي يلعب الشطرنج. بالنسبة إلى بنيامين، لم يعد اللاهوت وهمًا يجب تبديده، بل القوة المحركة في النظرية الماركسية، والمورد الضروري، إذا عددنا التاريخ مسرحًا للاحتمال الثوري.
أثبتت محاولة بنيامين الجمع بين الماركسية واللاهوت أنها مسألة مثيرة للجدل إلى حد بعيد؛ إذ أثارت انتقاداتٍ عديدة من أنصار كلا المعسكرين. رأى الكاتب المسرحي المتشدد بيرتولت بريخت[4] ولع بنيامين بالتصوف، على أنه أمرٌ “مروع”، بينما اتهم مؤرخ التصوف اليهودي جيرشوم شوليم (المشكك في الماركسية) صديقَه بأنه يمارس “خداع الذات”. على الرغم من هذا النقد، جذبت تأملات بنيامين، حول الدين والسياسة، عددًا كبيرًا من المتابعين في الدوائر الأكاديمية، لأسباب منها أنها تزعزع الافتراضات التقليدية في النظرية الليبرالية، حول الحاجة إلى إبقاء الدين والسياسة في مجالات متميزة، وعدم قصرها على النظرية الليبرالية؛ وينتهك تفسير بنيامين أيضًا الفهم التقليدي للماركسية، باعتبارها عقيدة علمنة فظة. رأت الأسطر الشهيرة (في البيان الشيوعي) أن ظهور الحداثة عمليةٌ يمكن أن تذيب جميع القيم الدينية: “كل ما هو صلب يذوب في الهواء، وكل ما هو مقدّس يُدنّس/ يصبح لا دينيًا”. في عمل بنيامين، يفقد مطلب العلمنة هذا سلطته، ما دامت قيمة دينية واحدة على الأقل لا تزال ثابتة في مكانها. الدين لا يتلاشى ولا يمكن أن يتلاشى، بل إنه يصبح القوة المحركة في المادية التاريخية نفسها.
من بين زملائه في مدرسة فرانكفورت، غالبًا ما كان يُنظر إلى بنيامين على أنه الطفل المشكلة، وهو مفكر مبدع جامح، لم يكن من السهل أن تتناسب تأملاته مع البرنامج المعلن للنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت. لكن فكرته الغريبة، عن إمكانية إدراج المفاهيم اللاهوتية في خدمة السياسة العلمانية، تمتعت بعمر طويل جدًا، ويمكن العثور على الاختلافات حول هذا الموضوع في كل مكان ضمن دوائر النظرية الاجتماعية، خاصةً حيث يثير النقاد شكوكًا حول إمكانية وجاذبية (استحسان) العلمنة.
ومع ذلك، تعتمد كثير من الاختلافات تمامًا على كيفية فهم العلمنة. ويعتقد المنظرون السياسيون اليمينيون، مثل كارل شميت[5] (مدافع عن النازية) أنه لا يمكن لأي نظام قانوني أن يكتمل، ما لم يتوافق مع قرار صاحب السيادة الذي يقتحم آلية الدولة المختلفة الهامدة/ التي لا حياة لها، مثل القوة المعجزة. كانت عقيدة اللاهوت السياسي هذه مصدر إلهام مهمّ لـ بنيامين، وهي تحمل تشابهًا واضحًا مع مفهومه عن اللاهوت، باعتباره العداوة الخفية في المادية التاريخية. كلتا الحالتين تجلبان خطر الاستبداد، لأنه في نظام حكم ديمقراطي لا يمكن أن يكون أي قرار صالحًا، إذا لم يظل مفتوحًا أمام التدقيق والتعديل العقلاني. يمكن للمبدأ اللاهوتي الذي يؤسس الحياة السياسية، ويظل محصنًا ضد النقد السياسي، أن يصبح بسهولة ضمانة وتبريرًا للثيوقراطية.
لتجنب هذا المخاطرة، يجب أن تكون جميع القيم، ومن ضمنها القيم الدينية، عرضةً للنقد العام. لكن هذا يعني أن المفاهيم اللاهوتية ليس لها امتياز خاص في السياسة الحديثة. إنها تُجرُّ إلى ميدان النقاش العام، ولا يمكنها البقاء على قيد الحياة، إلا إذا نالت الموافقة العامة، وبخاصة الموافقة من غير المؤمنين أو أعضاء الديانات الأخرى. لا يستبعد هذا الاشتراط بالضرورة إمكانية التدريب المتبادل بين الدين والسياسة، ويجب أن يظل خط الاتصال هذا مفتوحًا، إذا كان على المجتمع العلماني أن يتجنب إغراء تحويل العلمانية إلى شيء إقصائي وعقائدي مثل الثيوقراطية التي تخشاها. لكن في ظل الظروف الحديثة للتعددية الدينية، الفضاءُ المحايد للعقل العام هو وحده يمكن أن يخدم كلغة مشتركة لمثل هذا الحوار، خشية أن ننزلق مرة أخرى نحو الإطار الاستبدادي، حيث يسيطر دين واحد.
لم يكن بنيامين منظِّرًا للتعددية الديمقراطية، ولم يكن مهتمًا بالمسألة العملية حول كيفية التوسط بين الادعاءات المتنافسة للدين والعقل. ومع ذلك، حتى في ارتباطه الرومانسي باللاهوت باعتباره المحرّك الروحي للمادية التاريخية، فقد فهم أن قوته الحبيسة يجب أن تُترجم إلى لغة يمكن للجميع الوصول إليها. بعد وفاة بنيامين بمدة طويلة، قام الفيلسوف ثيودور أدورنو[6] بتقديم هذا الفكر في صيغة مثيرة للاهتمام: “لن يستمر أي شيء من المحتوى اللاهوتي من دون أن يتغير؛ وسيتعين على كل محتوى أن يضع نفسه في اختبار الهجرة إلى العالم العلماني، الدنيوي”.
على عكس بنيامين، اعتقد أدورنو أن المفاهيم اللاهوتية لا تحتفظ بقيمتها، إلا إذا خضعت لمحاكمة العلمنة. لا يتم حفظ الدين في العنبر/ الكهرمان. مثل جميع جوانب التجربة الإنسانية، فهو عرضة للزمن، ولا يسعه إلا أن يتغير وهو يمرّ بظروف جديدة وغير متوقعة. لذلك كان أدورنو يشكك في إمكان أن تحتفظ القيم اللاهوتية التي جمعت المجتمعات الحميمة في العالم القديم، بصلاحيتها في المجتمعات المنقسمة اليوم. وكتب: “إن مفهوم الخبز اليومي، الذي نشأ من تجربة الحرمان، في ظل ظروف الإنتاج المادي غير المؤكد وغير الكافي، لا يمكن ترجمته إلى عالم مصانع الخبز والإنتاج الفائض”. ولا يمكن قبول فكرة شميت القائلة بأنه في عالم تحول من جميع النواحي الأخرى إلى ما هو أبعد من الاعتراف [في إشارة إلى الخبز كجسد للمسيح، والاعتراف الذي يطهّر المؤمن ويعيده من جديد بلا ذنوب، وهما من عقائد المسيحية الأساسية]، يمكن لمفهوم الإله ذي السيادة أن يحتفظ بطريقة ما بقوته الأصلية. وجادل بأن التوق إلى “قرار حاسم” لا يكفي “لاستنشاق المعنى مرة أخرى”، في العالم المحبط من الوهم.
لم يشارك جميع المنظرين النقديين من “الجيل الأول” أدورنو في شكوكه، حول الصلة الحديثة للدين. كان ماكس هوركهايمر[7] (زميل أدورنو والمدير الرسمي لمدرسة فرانكفورت النقدية طوال أعوام) حالةً مثيرةً للاهتمام. وعلى الرغم من أنه كان في بداية حياته المهنية يحتقر الميتافيزيقيا، باعتبارها تشتت الانتباه عن المادية الماركسية، فقد حدث في نهاية حياته نوعٌ من التحوّل، حيث أصبح يشعر بأن الإلحاد قد أصبح عقيدة اليأس، بينما الإيمان وحده يدعم الأمل في الهروب من مأزق huis clos المجتمع الحديث. وقد ذهب هوركهايمر، في مقدمته الرائعة المثيرة للإعجاب التي قدّمها لكتاب “الخيال الديالكتيكي” 1973، (وهو كتاب من تأليف مارتن جاي الذي يدرس التاريخ الكلاسيكي لمدرسة فرانكفورت)، إلى حد الإشارة إلى وجود رابطة حميمة بين الدين والنظرية النقدية. وزعم أن جوهر الدين هو التوق إلى “الآخر الكلي/ الله”، والأمل في أن “الرعب الدنيوي ليس صاحب الكلمة الأخيرة”.
على عكس كلّ من هوركهايمر وبنيامين، دافع أدورنو بقوة عن ضرورة “الهجرة إلى المدنس/ اللاديني”، ومبدأ العلمنة. لقد سمح ببقاء القيم الدينية في حالة واحدة: إذا تحررت من التقاليد الدينية. المقدس لم يتلاشَ. إنما خضع لتحول، وعاد إلى الظهور في أشكال مشحونة من هذا التعالي الدنيوي worldly transcendence، خاصة، إن لم يكن حصريًا، في شكل الفن الحديث. على الرغم من ذلك، لم يكن أدورنو دوغمائيًا -بأي حال من الأحوال- في إلحاده، ولم يصرّ -في أي مكان في فلسفته- على ثنائية حادة بين المقولتين اللاهوتية والمادية. كان نزوعه العقلي جدليًا للغاية، بحيث لا يمكن إنكار إمكانية العبور من المقدس إلى المدنس/ اللاديني.
في غضون ذلك، يمكن العثور على فكرة مماثلة في العمل الأخير لـ يورغن هابرماس[8]، التلميذ السابق لـ أدورنو والفيلسوف البارز من “الجيل الثاني”، في نظرية النقد في مدرسة فرانكفورت. في عصر نما فيه التشكك في الحجة العقلانية، يظل هابرماس نصيرًا متحمسًا للإمكانات الديمقراطية للعقل، على الرغم من أنه حاذق بما يكفي لإدراك أن الديمقراطية الحديثة لا يمكنها البقاء، ما لم يستبعد العقل تمامًا دروس التقاليد الدينية. في كتابه الأخير المؤلف من مجلدين، هذا أيضًا تاريخ الفلسفة This Too a History of Philosophy (2019)، يسعى هابرماس إلى إعادة بناء الحوار المستمر منذ آلاف السنين، بين العقل والإيمان، وهي “عملية تَعلُّم” يمكن أن يرث فيها العقل العلماني رؤًى من الدين، من دون انتهاك الاشتراط بإخضاع جميع القيم الدينية للنقد العام. وحسب روحية أدورنو، يؤيد هابرماس أيضًا شرط الهجرة إلى المدنس/ اللاديني.
اعتقد ماركس أن ضباب الوهم الديني لن يتبدد، إلا عندما تتحقق سعادتنا في هذا العالم بالكامل، ولا تبقى هناك حاجة إلى الوهم. واليوم، يتبنى هؤلاء الفلاسفة والنقاد الاشتراكيون (الذين يسلكون المسار الذي فتحته النظرية النقدية) أوجهَ عدم اليقين، في ما سمّاه هابرماس “التفكير ما بعد الميتافيزيقي”. إنهم أكثر ميلًا إلى التواضع المعرفي وأقلّ ميلًا إلى المطالبة بأفكار حول الحقيقة الميتافيزيقية. في عالمٍ يقع الآن في قبضة أزمة الهجرة، عندما أصبح المجتمع متعدد الأديان والأعراق حقيقةً لا رجعة فيها، اتخذ هذا التواضع ضرورة ملحة جديدة، لأن القليل في وضعنا الحالي يمكن أن يُبرّر التنبؤ بأن الدين سوف يختفي في أي وقت تقريبًا. إذا كان للمواطنين المتدينين وغير المتدينين مصلحة مشتركة، في بقاء المؤسسات الديمقراطية؛ فإنّ المطالبة بالحوار المستمر بين الدين والعقل أصبحت ضرورة سياسية، على الرغم من أننا لا نستطيع أن نتجاهل التهكم الحاسم، من أن مثل هذا الحوار لا يمكن أن يستمر إلا في إطار دولة علمانية.
الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
اسم المقالة الأصلية | Between the sacred and the secular |
الكاتب ** | بيتر غوردون/ PETER E. GORDON |
مكان النشر وتاريخه | نيو ستيتسمان،NEW STATESMAN،22 كانون الأول/ ديسمبر 2020 |
رابط المقالة | http://bit.ly/3bGMgGZ |
عدد الكلمات | 1995/ 2604 |
ترجمة | قسم الترجمة/ أحمد عيشة |
** بيتر غوردون: أستاذ التاريخ وعضو هيئة التدريس في قسم الفلسفة بجامعة هارفارد. تشمل مؤلفاته “الانقسام القاري: هايدغر وكاسيرير ودافوس” (2010) و “المهاجرون نحو المدنس/ اللاديني: النظرية النقدية ومسألة العلمنة” (2021)
[1] – إرنست بلوخ (1885 –1977) فيلسوف ماركسي ألماني. تأثر بكل من هيجل وماركس. أنشأ صداقات مع جورج لوكاش، برتولت بريشت، وثيودور أدورنو. ركز عمل بلوخ على مفهوم عالم الإنسان اليوتيوبي، حيث ينتفي الاضطهاد والاستغلال، وهو ما سيكون دائمًا قوة ثورية مؤدلجة، وظل يتأمل تحقيقه إلى وفاته، يعده كثيرون فيلسوف الأمل. استند في فلسفته إلى خمسة مفهومات أساسية هي: المستقبل والثورة واليوتوبيا والأمل والخلاص.
[2] – جورج لوكاش (1885-1971) فيلسوف وكاتب وناقد ووزير [بعد ثورة 1956 التي سحقتها الدبابات السوفيتية] مجري ماركسي. يعده معظم الدارسين مؤسس الماركسية الغربية مقابل الماركسية السوفيتية. كتب عن التشيؤ والاغتراب، والوعي الطبقي، وتحطيم العقل (4 أجزاء). يُعدّ جورج لوكاتش واحدًا من أبرز منظري النقد الماركسي وممارسيه ومطوِّريه.
[3] – والتر بنيامين (1892 -1940) فيلسوف ومنظر نقدي وناقد أدبي وكاتب مقالات، يعد مفكرًا انتقائيًا، يجمع بين عناصر المثالية الألمانية، والرومانسية، والماركسية الغربية، والتصوف اليهودي. في الثلاثينيات من القرن الماضي، أثبتت جهود بنيامين لتطوير نظرية جمالية مادية ذات توجه سياسي أنها حافز مهم لكل من مدرسة فرانكفورت للنظرية النقدية والشاعر الماركسي والدرامي بيرتولت بريخت. أثر كثيرًا في مفهوم ثيودور دورنو حول واقعية الفلسفة أو ملاءمتها للحاضر. قدم بنيامين مساهمات دائمة ومؤثرة في النظرية الجمالية، والنقد الأدبي، والمادية التاريخية.
[4] – برتولت بريخت، (1898 -1956) شاعر وكاتب ومخرج مسرحي ألماني. يُعد من أهم كتاب المسرح في القرن العشرين.
[5] – كارل شميت (1888 -1985) أحد أهم المفكرين الألمان وأكثرهم إشكالية في القرن العشرين. ما يزال يؤثر في الفكر والسياسة الدولية إلى اليوم، لأنه يعد من أكبر نقاد الفلسفة الليبرالية في القرن الماضي، ومن أهم المفكرين الذين ناقشوا إشكاليات السياسة ومعضلة الحريات العامة، وشمل تأثيره اليمين واليسار الأوروبي على حد سواء، لدرجة أنه لُقّب بفيلسوف الصراع. يعدّه بعض المفكرين من مهّد فكريًا لأطروحات المحافظين الجدد اللذين يلعبون حاليًا دورًا رئيسًا في السياسة الخارجية الأميركية. كتابه الأهم “مفهوم السياسي”، حيث رأى أن الصراع هو المحدد الأساسي للسياسي.
[6] – تيودور أدورنو (1903 -1963) فيلسوف وعالم اجتماع وعالم نفس وموسيقي ألماني، اشتهر بنظريَّاته النقدية الاجتماعية. عضواً بارزاً في مدرسة فرانكفورت النقدية، وارتبطت أعماله بالعديد من المُفكرين البارزين مثل إرنست بلوخ، والتر بينجامين، ماكس هوركهايمر، هيربرت ماركوس وغيرهم، ويعتبر على نطاق واسع أحد أهم المُفكِّرين في القرن العشرين في الفلسفة وعلم الجمال، بالإضافة لمقالاته الكثيرة فقد اشتهر بكتبه التي انتقد فيها الفاشية وأثَّر من خلالها بشكلٍ كبير في اليسار الأوربي الجديد وأهم هذه الكتب: الجدل في عصر التنوير (1947)، الديالكتيك السلبي (1966). من أهم مؤلفاته: ما بعد ماركس، جدل العلمانية، الأخلاق والتواصل، تاريخ الفلسفة.
[7] – ماكس هوركهايمر (1895-1973) فيلسوف وعالم اجتماع ألماني، اشتهر بمجهوداته في النظرية النقدية كعضو في مدرسة فرانكفورت الفلسفية للأبحاث الاجتماعية، أهم أعماله: بين الفلسفة والعلوم الاجتماعية'(1930- 1938)، خسوف العقل 1947، وجدل التنوير بالاشتراك مع تيودور أدورنو. ترأس معهد العلوم الاجتماعية بجامعة فرانكفورت في 1931 وأسهم في تغيير سياسته من الاهتمام بالقضايا العمالية إلى النظرية النقدية والفلسفة الاجتماعية، طُرد من عمله في جامعة فرانكفورت بعد وصول هتلر إلى الحكم في ألمانيا، وبعد سقوط الحكم النازي عاد من الولايات المتحدة ليعيد تأسيس المعهد وترأسه حتى عام 1969.
[8] – يورغن هابرماس (1929-) فيلسوف وعالم اجتماع ألماني معاصر. يعد من أهم علماء الاجتماع والسياسة في عالمنا المعاصر، ومن أهم منظري مدرسة فرانكفورت النقدية. اهتم كثيرًا بفكرة الفضاء التواصلي/ التداولي كمجال للحوار والتفاعل. له نحو خمسين كتابًا تدور حول مواضيع شتى في الفلسفة السياسية والعلوم الاجتماعية. تهدف فلسفة هابرماس إلى التأسيس لأخلاق تواصلية تقوم على أساس الاعتراف بالآخر والتحاور معه دون ادعاء أي من الطرفين بامتلاك الحقيقة داخل فضاء عمومي مشترك.
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة