لم تنس هبة نوري (23 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالبة في كلية الآداب بجامعة دمشق وتسكن في المدينة الجامعية حتى اليوم، تفاصيل حادثة التحرش الجنسي التي تعرضت لها العام الماضي من قبل دكتور في الجامعة.
وكانت الطالبة وزملائها في القاعة يستعدون لمناقشة وتسليم حلقات البحث التي أنجزوها للدكتور المشرف على المادة.
واعتاد الطلاب طوال الأعوام السابقة على تسليم حلقات البحث للدكتور المشرف بعد مناقشتها بشكل جماعي، لكنهم فوجئوا بقراره مناقشة كل طالب بشكل فردي، “بذريعة أن الطالب يفقد تركيزه في المناقشة الجماعية”.
تضيف “نوري”: “ما إن دخلت مكتبه بعد أن حان دوري لمناقشة بحثي، وضع يده على كتفي، حينها لم يخطر لي أي شيء سلبي نحوه فأنا أعرفه منذ عامين، إضافة إلى أنه شخص كبير في السن”.
ولكن محاولة الأستاذ لمس صدرها، دفع الطالبة لإبعاد يديه بكل قوتها والخروج من الغرفة.
وتجهر طالبات بأن بعض الأساتذة الجامعيين يستغلون مكانتهم العلمية للقيام بأمور غير أخلاقية من بينها التحرش الجنسي، وإن كانت غالبية الحوادث خلف جدران الجامعات ليكون الصمت عادة سيد الموقف.
لكن “نوري” لم تتردد في إخبار صديقتها عن الحادثة والتي بدورها شجعتها على عدم الصمت، ولكنها تخوفت رغم ذلك من تبعات إخبار عائلتها، “فالسائد في المجتمع السوري هو لوم الضحية وتحميلها المسؤولية بشكل أو بآخر”.
“الصمت عار”
وقصدت الطالبة الهيئة الإدارية في كليتها وبلغت عن الواقعة، “إلا أن الأخيرة تكتمت على الموضوع بحجة عدم وجود دليل كاف لإدانة الدكتور”.
وتعتقد الطالبة أن الموقف السلبي لإدارة الجامعة وعدم اكتراثها بالأمر يخلق جواً مناسباً لازدياد هذه الحوادث.
وتذيلت سوريا قائمة الدول لمؤشر “الأمن والسلامة” عام 2021 فيما يتعلق بالعنف المنظم على المرأة، فاحتلت المرتبة الثانية كأسوأ دولة في العالم بعد أفغانسان.
وجاء ذلك بحسب المؤشر الصادر عن معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن ومركز بريو للجندر والسلام في الأمم المتحدة.
وصنف المؤشر سوريا كإحدى أخطر الدول على المرأة بخصوص العنف المنظم، والأخطر إقليمياً فيما يتعلق بالسلامة المجتمعية.
ولم تدرك مريم العوض (25 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالبة جامعية تعيش في حي المهاجرين شمال دمشق، أن فرحتها وهي على أبواب التخرج من الجامعة ستنتهي “بصدمة” ستحتاج وقتاً للتخلص من آثارها.
تقول طالبة الماجستير في كلية الآداب إن المشرف على مشروع تخرجها معروف بذكائه وإبداعه في تقديم المحاضرات، “لذا لم أتردد بطلب مساعدته بخصوص إعداد استبيان متعلق بالبحث الخاص بي”.
وتضيف: “لقد استجاب لطلبي بسرعة ولكنه أخبرني بأن أنتظره في مكتبه لأنه مشغول قليلاً”.
وبعد نصف ساعة من الانتظار في مكتبه، جاء المشرف وجلس بالقرب منها وبدأ ينظر إليها نظرة “غير مريحة”، على حد تعبير الطالبة.
تقول “العوض” بنبرة مرتجفة: “عرض علي علاقة جنسية مقابل حصولي على علامة عالية في المشروع، وما إن رفضت العرض وهممت بالخروج حتى حاول التحرش بي، لكنني تمكنت من النجاة منه”.
ولم تتردد طالبة الماجستير كغيرها في إخبار عائلتها، ووكلت قبل نحو شهرين محامياً لرفع دعوى قضائية رسمية ضد المتحرش.
وتأسف “العوض” على اعتبار فتيات ونساء الصمت أفضل خيار خوفاً من نظرة المجتمع، فالصمت “عار” من وجهة نظرها.
وتصف الطالبة حادثة التحرش بـ “الكابوس الذي قد لا يفارقها مدى الحياة”.
“القانون متساهل”
وتشير إحصائية نشرها موقع “World Population Review”عام 2020 إلى أن نحو 35% من النساء حول العالم عانين بعض أشكال التحرش الجنسي، وأن 40% فقط منهن يطلبن المساعدة، وأقل من 10% يلجأن للقانون لإنصافهن.
ويذكر عمار ناجي، وهو المحامي الموكل من قبل مريم، أن “عدد حالات التحرش المفصح والمبلغ عنها قليل جداً”.
ويرجع ذلك لتدني مستوى توعية المجتمع بأهمية طلب المساعدة وتحصيل حقوقهم عن طريق القانون.
ويدعو المحامي إلى عدم الصمت والتصدي لجميع أنواع التحرش والمطالبة بحقوق الضحايا عبر تقديم شكاوى قضائية.
لكنه يعود ويقول إن القانون السوري “يتساهل كثيراً في جريمة التحرش، حيث يحكم على الجاني بالسجن لثلاثة أيام وتغريمه بمبلغ لا يكاد يذكر، وذلك غير كاف لردع المتحرش”.
وتنص المادة رقم 506 من قانون العقوبات السورية: “من عرض على قاصر لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو على فتاة أو على امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة عملاً منافياً للحياء أو وجه إلى أحدهم كلام مخل بالحشمة عوقب بالحبس التكديري لمدة ثلاثة أيام أو بغرامة لا تزيد عن 75 ليرة أو بالعقوبتين معا”.
ويرى المحامي أن على إدارة الجامعات وضع قوانين صارمة لمنع هذه الحالات وتوفير البيئة التي تحمي الطالبات وقبول الشكاوى وفق ما يتفق والأعراف الاجتماعية السائدة.
“آثار نفسية”
وترى المعالجة النفسية هديل محمد، التي تعمل في مؤسسة مختصة بإعادة تأهيل ضحايا التحرش الجنسي، أن التحرش في الجامعات السورية اليوم يعكس مستويات العنف وأنواعه في الشارع السوري بعد أكثر من عشرة أعوام من الحرب.
وحول أسباب التحرش تقول المعالجة النفسية إن الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المتحرش قد تكون سبباً في ذلك ولكن “السبب الرئيسي للتحرش في بلدنا هو تواطؤ المجتمع الذي يحمّل الضحية الذنب ويبرئ المتهم”.
وغالباً ما توثر حوادث التحرش على الصحة الجسدية العقلية والجسدية والنفسية للضحية، “فالآثار النفسية والعاطفية لهذه التجربة المريرة لا تنتهي بانتهاء التحرش”، بحسب “محمد”.
وتشير “محمد” إلى أن الأعراض النفسية المترتبة على التحرش قد تصل إلى فقدان الثقة بالنفس واضطرابات في النوم والأكل والاكتئاب والشعور بالإثم والعار وانخفاض في التحصيل الأكاديمي والتفكير في الانتحار ما لم يتم علاجها.
وتشدد على ضرورة إخضاع الضحية لجلسات علاجية من قبل مختصين نفسيين واجتماعيين، إلى جانب تلقي المساندة الاجتماعية من المحيط، “حتى تتمكن من العودة لحياتها الطبيعية.
ياسمين علي وسوزدار محمد _ نورث برس