200 مليار ليرة سورية، ألفا ليرة ذهبية، 40 ألف دولار”، هي ليست أرقاماً في صفقات تجارية عقدتها الدولة أو كبار التجار، بل مهور سُجلت في سوريا خلال الفترة الماضية، تجعلك تقف مذهولاً من الأرقام الخيالية التي وصلت إليها المهور، لتصبح كابوساً يلاحق المقبلين على الزواج.
مئات الآلاف وحتى ملايين الليرات لم تعد كافيةً لتسجيل المهور، بل وصلت إلى حد المليارات، كما حصل الشهر الماضي، حين سجّل شابٌ من مدينة اللاذقية مهراً معجّلاً غير مقبوض قدره 100 مليار ليرة سورية، ومؤجّلاً غير مقبوض قدره 100 مليار.
ولم تكد الناس تستفيق من صدمة هذا المهر الخيالي، حتى أعلن رئيس “المحكمة الشرعية الأولى” في محافظة حلب التابعة للنظام، القاضي مروان حاج حمود منتصف الشهر الحالي، عن تسجيل المحكمة لأعلى مهر في تاريخ المحافظة، وقدره ألفا ليرة ذهبية، أي ما يُعادل 3 مليار ليرة.
انهيار الليرة السورية دفع الكثير من الأهالي إلى المطالبة، بتسجيل المهر بالدولار أو الذهب بدلاً من العملة المحلية، وكان المهر وسطياً قبل اندلاع الثورة يتراوح ما بين 200-500 ألف ليرة، أي نحو 4-10 آلاف دولار، لكن مع فقدان الليرة قيمتها، أصبح المهر ذاته يُعادل اليوم 55-140 دولاراً فقط.
يقول سائر شعبان من سكان أريحا بريف إدلب: “لم يعد أحد يكتب مهراً بالليرة السورية، وأصبح يُسجّل بالدولار أو بـ غرامات أو ليرات الذهب، ولذا مهما تقلّب سعر الصرف سيحافظ المهر على قيمته، لكن كثيراً من الشباب لم يتقبّل ذلك”.
يضيف شعبان لموقع تلفزيون سوريا: “تقدّم شابٌ لخطبة ابنتي، فطلبنا مهراً قدره 5 آلاف دولار مقدّم ومثلها مؤجّل، عندئذ غضب الشاب ووصفني بالجشع، وقال لي بالعامية قبل أن يخرج من البيت (مو حرام عليك. بدك أدفع 36 مليون ليرة مهر. خاف الله!)، علماً أن هذا المهر لو حسبناه على سعر الصرف قبل الثورة، فإنه يساوي 250 ألف ليرة فقط، وهو أدنى مهر كان يُطلب حينئذ”.
“غيرة وبَهورة ومَنفخة”
تداول ناشطون في منتصف 2021، مقطع فيديو لعقد قران شاب على فتاة في مدينة إدلب، حيث بلغت قيمة المهر 40 ألف دولار، ما أثار سخطاً كبيراً من قبل روّاد مواقع التواصل الإجتماعي، معترضين على مغالاة بعض العوائل في المهور، وبأنها أسهمت في عزوف كثير من الشباب عن الزواج.
يوسف من سكان ركن الدين بدمشق في الثامنة والعشرين من عمره، عبّر عن استيائه من ارتفاع المهور، مشيراً إلى أن معظمها هدفها بالعامية (البهورة والمنفخة فقط)، بمعنى أن الشاب الذي سجّل مهراً في اللاذقية بـ 200 مليار ليرة، أراد فقط أن يتباهى أمام الجميع بأنه كتب هذا المهر الخيالي تعبيراً عن حبه لخطيبته، بينما في الواقع حتماً لن يدفع أي ليرة منه، والدليل أن المهر مسجّل غير مقبوض، والوضع المادي للشاب كما تحدثت وسائل الإعلام عادي جداً”.
ولفت يوسف إلى أن “نشر تلك الأرقام الضخمة للمهور كل فترة عبر وسائل الإعلام، سيكون نقمة على الشبان المقبلين على الزواج، لأن الغيرة ستشتعل لدى معظم الفتيات، وسيُطالبن أي شاب يتقدّم لخطبتهنّ بمهرٍ باهظ، على مبدأ (شوف هي الصبية مهرها 200 مليار، والتانية مهرها ألف ليرة دهب، ولو بتحبني عن جد تكتبلي كنوز الدنيا!”.
كابوس المهر يلاحق حتى المتزوجين!
بعدما فقدت الليرة السورية قيمتها، أصبحت مهور النساء اللواتي تزوجن قبل الثورة لا تساوي شيئاً اليوم، ولذا أصبح مستقبلهنّ مهدداً في حال تطلقنّ، وهذا الأمر دفع بعضهنّ للمطالبة بتعديل المهر.
وكشف “القاضي الشرعي الأول بدمشق”، مازن القطيفاني، لوسائل إعلام موالية، أن حالات تعديل مهر الزواج في سوريا زادت خلال السنوات الماضية، بسبب انخفاض قيمة الليرة السورية، مشيراً إلى أن هناك زوجين قاما بتعديل المهر أربع مرات خلال خمس سنوات، إذ وصل التعديل الأخير إلى مهر 500 ليرة ذهبية معجّل ومثله مؤجّل.
يقول مدرس الشريعة الإسلامية، فرج قلب اللوز، في تصريحات خاصة لموقع “تلفزيون سوريا”، إنه “في الشرع الإسلامي وبحسب معظم المذاهب، إذا فقدت العملة ثلث قيمتها فقط، فيجب تسديد المهر أو الدَّين بالعملة المحلية، أما إذا فقدت العملة كامل قيمتها، يُرجع إلى أصل العملة (دولار أو ذهب)”.
ولتوضيح الفكرة أكثر، ضرب قلب اللوز مثالاً بأنه “إذا كان مهر الزوجة قبل عشرين سنة 50 ألف ليرة سورية، يُفضّل أن يُسدّد وفق سعر صرف الدولار في تلك الفترة (45 ليرة للدولار الواحد)، ومن ثم قيمة المهر الفعلية اليوم 1100 دولار، وليس 50 ألف ليرة كما هو مكتوب في العقد، لأنها لا تساوي اليوم سوى 14 دولاراً”.
وأضاف قلب اللوز أن “بعض علماء الإسلام وجدوا أن الرجوع إلى قيمة العملة أمام الدولار عندما تم الزواج سابقاً، قد لا يكون حلاً منصفاً للرجل، لذا وجدوا أن الحل الأفضل للزوجين هو التراضي، عبر اتفاق الطرفين على مهرٍ جديد بمقدار وسطي يُرضي الزوج والزوجة، بحيث لا تكون قيمته بحسب سعر الدولار يوم الزواج، ولا بقيمة الدولار اليوم”.
ورغم أهمية الاتفاق والتراضي بين الزوجين على قيمة المهر، فإن هذه المسألة سبّبت خلافاً لدى كثيرٍ من الأزواج.
يقول أبو أسامة من سكان الزاهرة في دمشق: “تزوجت منذ ثلاثين عاماً، وكتبت مهراً قدره 25 ألف ليرة سورية، لكن أخيراً طلبت زوجتي تعديل المهر ورفعه إلى 4 آلاف دولار، وهذا سبّب خلافاتٍ بيننا، ولا سيما أن وضعي المادي لا يسمح لي بذلك، حيث إنها تطالب بدفع المهر المقدّم غير المقبوض، بعد تعديله من 25 ألف ليرة إلى 4 آلاف دولار، وفي حال حصل طلاق يجب أن أدفع كذلك 4 آلاف دولار مؤجّلاً، وحتى الآن لم نصل إلى أي اتفاق”.
“المهر دجاجة.. الطلاق كش”
المهر بالنسبة للمرأة وسيلة لتأمين حياة كريمة لها، وضمان لمستقبلها في حال حدث أي طلاق، أو توقف الرجل عن تقديم مصروف لها خلال الزواج، ورغم أهمية المهر في ضمان حقوق النساء، فإن الكثير منهنّ وافقن على الزواج بلا مهر، أو بمهرٍ ضئيلٍ جداً.
وتداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي في تشرين الثاني الماضي، مقطع فيديو لشاب من مدينة إدلب، يعقد قرانه على فتاة، بمهرٍ هو “كتاب الله وسجادة صلاة”.
وحظيت هذه المبادرة باستحسان كثيرين، بينما اعترضت العديد من السيدات على تخفيض قيمة المهر، وقالت ياسمين من سكان مدينة حلب: “المهر حق للمرأة وضمان لمستقبلها، وفي ظل هذه الظروف الصعبة يجب تسجيل مهر مرتفع”.
وأضافت ياسمين “هناك مثل شعبي يقول (المرأة التي مهرها دجاجة.. طلاقها كش)، ومعناه أن الفتاة التي تطلب مهراً قليلاً أو لا تسجّل شيئاً، لا يتمسك بها الزوج ويُطلقها في أي لحظة، كما أنها لن تَسلَم من نظرة المجتمع، وسيُقال إنها معيوبة، أو مصابة بمرض، أو مطلقة، أو أرملة، أو أصلها غير معروف”.
هاني العبد الله _ تلفزيون سوريا