سيريا برس _ أنباء سوريا
سمعت صوتاً آتٍ من درج البناية يشبه صوت مضخة الهواء، دُفع باب المكتب وولجته امرأة خمسينية كما قالت وإن كانت تبدو أكبر بعشر سنين من عمرها. اسمها حورية.
مريضة ومتعبة
كانت منهكة قدَّمْتُ لها كأساً من الماء وتركتها ترتاح قليلاً قبل أن أسألها عن مشكلتها. كانت ترتدي ملحفة حلبية (ملاية) تحتها كنزة صوف لونها زيتي تبدو رجالية، الملفت للنظر أن الملحفة زي قديم جداً وتم تجاوزها من سنين والأهم الكنزة الصوف ونحن في حزيران والحرارة تجاوزت وقتها 35 درجة مئوية.
بعد برهة بدأت بحديث متقطع وكأنها على وشك أن تختنق، قالت إنها تعاني من الربو الذي يشتد مع حرارة الجو والمشي وصعود الدرج، وقــد أتت مشياً من بستان القصر إلى العزيزية حيث كنت أعمل. بدأت بسرد قصتها وهي تلملم دمعها بطرف كمها، قدمت لها محارم وطلبت شراباً منعشاً.
زوجها رمى عليها يمين الطلاق
حدثتني عن زوجها الذي طلقها وطردها من المنزل، حتى يتسنى له إحضار زوجته الثانية التي عقد عليها. طلبَتْ أن تبقى في البيت، فلا مكان آخر يمكنها أن تلجأ إليه؛ طبعاً لم يستجب وطلب أن ترحل فوراً قائلاً (مشكلتك، دبري حالك) ورمى عليها يمين الطلاق، وكان قد طلقها غيابياً في المحكمة بنفس اليوم. ولا يمكنه السماح لزوجته البقاء في المنزل بعد أن طلقها، (هو رجل بعرف الحلال والحرام -حد الله بينه وبين الحرام- لذا عليها الرحيل في التو والحال).
جاءت تريد الادعاء على ابنها بطلب نفقة، فبعد أن استلمت من صندوق المحكمة الشرعية مبلغ 500ليرة سورية قيمة المهر المعجل والمؤجل، بالإضافة إلى 750 ليرة نفقة ثلاثة شهور العدة. انتهت التزامات زوجها تجاهها. (حسبتها بذهني 1250 ل.س تعويض نهاية الخدمة بعد 30 سنة) هو أشبه بعمل السخرة.
قالت لم يبق معي سوى هذا المبلغ، أخرجت من عبها 200 ليرة ملفوفة بورقة، وقدَّمتها لي مع الاعتذار عن قلة المبلغ، وسمّت لي أحد معارفي الذي نصحها أن تلجأ إلي.
زوجة الابن
كان مظهرها يشهد على صدق روايتها، قبل أن يزكيها أحدهم. طلبت منها اسم وعنوان ابنها الذي ترغب الادعاء عليه، وواعدتها أن تأتي إلى مبنى المحاكم الشرعية للقيام بالإجراء اللازم.
وفعلاً جهزت لها ملف الدعوى وساعدتها بالإجراءات وأرسلت مذكرة دعوة لابنها وتابعت إجراءات التبليغ. بعد يومين اتصل ابنها معتذراً وطلب شطب الدعوى وتعهد أن يتكفل بوالدته. طلبت منه أن يأتي إليّ مع والدته لأسمع طلب الشطب منها وأطمئن عليها، فعلاً أتيا في اليوم التالي. كان شاباً عمره 27 سنة موظف في شركة الكهرباء؛ وقد كانت زوجته قد طردت والدته من المنزل أثناء فترة عمله.
أمضت المرأة يومين في الحديقة، قبل أن ينتبه لوجودها أحد العابرين مساءً وفي صباح اليوم التالي، كان شاباً طيباً أحضر لها شيئاً تأكله وبطاقة تحمل اسمي وعنوان المكتب.
القضية كانت من أوائل الملفات الشرعية التي عملت عليها، رغم ذلك لا تزال عصية على النسيان.
الكاتب كفاح الزعتري _ الأيام السورية