syria press_ أنباء سوريا
تركت الثورة السورية آثارها على جميع مجالات الحياة في سوريا، وغيّرت في تفاصيل دقيقة، وقلبت أخرى رأسا على عقب، ولم يكن الاقتصاد السوري في منأى عما يحدث في البلاد خلال عقد من عمر الثورة، بل كان هو الهدف المطلوب في بعض الأحيان، ومع كل مرحلة جديدة تدخلها سوريا يتهاوى معها ذلك الاقتصاد، حتى بلغ العجز مبلغا لا تشفى بعده البلاد إلا بسنوات طويلة.
اقتصاد الظل
عاشت سوريا سنوات صعبة ظهرت خلالها عوامل كثيرة كانت سببا في انهيار الاقتصاد وضياع موارد البلاد سواء بسبب تعنت النظام والعقوبات عليه أو بسبب زيادة نسبة الفساد في سوريا بعد تلك الأحداث التي شهدتها، لكن النظام السوري يرمي دائما بأسباب الانهيار على العقوبات الأميركية والأوروبية التي هي غالبا ما تكون على شخصيات بعينها، وقد أسهم ذلك في تمدد الاقتصاد الموازي المسمى باقتصاد الظل على حساب اقتصاد البلاد الطبيعي.
وفي هذا الصدد، يقول يونس الكريم الخبير في الشأن الاقتصادي السوري، إن اقتصاد الظل في سوريا مركب ومعقد، وتحول بعد عقد على الثورة إلى اقتصاد واقع مع محاولة النظام إعطاءه الشرعية من خلال قوانين تضعف قدرة الدولة على التصدي له.
وأضاف الكريم خلال حديثه مع الجزيرة نت أن الاقتصاد السوري يمكن اعتباره اقتصاد ظل، مشيرا إلى أن تيار أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد يتصدر الاقتصاد السوري بعد 10 سنوات وعقب الصدام الذي جرى مع تيار رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، وقد وجه الكريم اللوم إلى عدم إيلاء المعارضة أهمية كبيرة للاقتصاد للحد من التداعيات التي يمكن أن تقع على المواطن السوري في حال سقط النظام ودخلت البلاد في حل سياسي شامل.
اقتصاد “الشبيحة”
المدير التنفيذي في مجموعة عمل اقتصاد سوريا تمّام البارودي يطلق مصطلح اقتصاد “الشبيحة” بدلا من اقتصاد الظل الذي يُدار من رجال أعمال موالين للنظام السوري. وقال البارودي للجزيرة نت، إن النظام صدّر وجوها جديدة لإدارة مقدرات الشعب وأرزاقه حيث يتاجرون باستيراد الأرز والزيت والسكر وغيرها دون أن يكون هناك أي دور للدولة فعليا.
وأضاف البارودي أن المواطن السوري خارج حسابات الدولة والأنظمة والمسؤولين، مؤكدا أن طبعات النظام للورقة النقدية الجديدة التي بدأت بقيمة “2000 ليرة” ثم بعد ذلك ورقة “5000 ليرة” يشير إلى انهيار وإفلاس النظام اقتصاديا بشكل كامل.
وشكّل الخلاف الذي ظهر للعلن لأول مرة ضمن الدائرة الضيقة لعائلة الأسد الصورة التي تعيشها البلاد اقتصاديا، فقد تركت المعركة الاقتصادية بين رامي مخلوف وأسماء الأخرس آثارها على الاقتصاد بشكل كبير، وكان ذلك بحديث مباشر من بشار الأسد الذي قال في وقت سابق إن سبب انهيار اقتصاد البلاد لا يقع على عاتق العقوبات الأميركية فقط بل إن محاولات إخراج الأموال من البلاد التي تقدر بالمليارات كانت أبرز الأسباب، ولم تكن بعادة النظام الحديث بهذا الشكل إذ كان يكتفي بمهاجمة الغرب على عقوباته، ثم صرح ولمح على رامي مخلوف بعد ظهور الأخير على مواقع التواصل الاجتماعي للحديث عن فساد في البلاد عقب الخلاف داخل الدائرة الضيقة.
الخسائر بالأرقام
تقدر الأمم المتحدة خسائر الاقتصاد السوري بأكثر من 440 مليار دولار خلال السنوات الماضية، بينما بلغت خسائر قطاع النفط وحده بأكثر من 90 مليار دولار، استنادا إلى تصريحات وزير النفط السوري، أما نسبة التضخم فقد وصل الرقم القياسي لأسعار المستهلك إلى أكثر من 2100% مقارنة مع عام 2010 بحسب المكتب المركزي للإحصاء في سوريا.
الإحصائيات التي عرضت من قبل الأمم المتحدة والنظام السوري قد لا تكون دقيقة في ظل عدم وصل البلاد إلى بر الأمان بعد، وهذا ينذر بمزيد من الخسائر وربما الانهيار، في وقت وصلت فيه الليرة السورية قاعا جديدا لأول مرة في تاريخها.
اليوم، وبعد عقد على انطلاق الثورة السورية يساوي متوسط دخل المواطن السوري نحو 10 دولارات فقط شهريا، بينما كان دخله يتخطى 500 دولار أميركي عام 2010، وهذا ما يشي بتردي الأوضاع مجددا في سوريا وحتى بين مؤيدي النظام الذين يعانون سوء الأوضاع الاقتصادية.
منتصر أبو نبوت _ الجزيرة