كما كان متوقعاً، فقد أعلنت مجموعة الاتصالات الجنوب أفريقية “MTN”، أنها تنوي بيع حصّتها من الشركة المشغّلة للهاتف الخليوي في سوريا لصالح مساهم محلي مقرب من أسماء الأخرس زوجة رئيس النظام بشار الأسد.
وقال الرئيس التنفيذي للمجموعة، روب شوتر، في مؤتمر صحافي، إن الشركة “في مرحلة متقدمة من المناقشات لبيع حصتها في MTN سوريا إلى (تيلي إنفست) التي تملك حصة تبلغ 25 في المئة من الشركة نفسها”.
ونقلت وكالة “رويترز” عن شوتر قوله إن بيع الحصة في سوريا (البالغة 75 في المئة) يأتي “في إطار مراجعة محفظتنا، ونرى أن من الأفضل للمجموعة أن تركز على استراتيجيتها في أفريقيا وتبسيط محفظتها بالخروج من الدول المأزومة في منطقة الشرق الأوسط، مثل اليمن وأفغانستان وإيران، بالإضافة إلى سوريا”.
وشركة “تيلي انفست” هي إحدى الشركات التي يملكها الشقيقان يسار ونسرين حسين إبراهيم، اللذان يمثلان إحدى الواجهات الاقتصادية الجديدة للعائلة الحاكمة، وقد بدآ منذ سنتين بالتحضير لتسلم جزء من الأعمال الموكلة لعائلة مخلوف.
وكانت وزارة الاتصالات السورية طالبت الشركتين المشغلتين للخليوي في البلاد بدفع مبالغ تعادل 233.8 مليار ليرة “لإعادة التوازن للترخيص الممنوح لهما” في أيار/مايو الماضي.
وبينما رفضت شركة “سيريتل” التي يملكها رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام بشار الأسد، دفع ما يترتب عليها، أعلنت الهيئة الناظمة للاتصالات أنها تبلغت من “تيلي انفست”، أحد الشركاء الرئيسيين في شركة MTN سوريا، استعدادها لدفع ما يترتب عليها.
لكن هذه التطورات لم تمر بالسلاسة التي ظهرت عليه رسمياً وفي وسائل الإعلام، إذ أعقبتها على الفور استقالة الخبراء الاقتصاديين والفنيين في مجلس إدارة الشركة، وفي مقدمتهم رئيس مجلس إدارتها ووزير الاتصالات الأسبق، محمد بشير المنجد، إضافة إلى نصير سبح وجورج فاكياني.
ومع هذه الاستقالات لم يتبقَّ في مجلس إدارة “MTN” سوريا سوى الشقيقين يسار ونسرين إبراهيم، اللذين بدأت عائلة الأسد بالتمهيد لهما لتسلم ملف حصص العائلة واستثماراتها في قطاع الاتصالات قبل عامين، وكانت الخطوة الأهم على هذا الصعيد شراء اسهم (تيلي انفست) التي كانت مملوكة لمجموعة (صالح كامل) التجارية السعودية.
والشقيقان ابراهيم هما ابنا حسين ابراهيم (82 عاماً) المدير العام السابق لهيئة الاستشعار عن بعد في سوريا، متزوج من شقيقة النائب العلوي في مجلس النواب اللبناني عن عكار، عبد الرحمن عبد الرحمن، ولديه ولدان هما يسار وعلي، وثلاث بنات: نسرين ولمى ورنا.
بدأ اسم يسار إبراهيم وشقيقته نسرين بالتداول اعلامياً منتصف العام 2018، مع تكليف يسار بمتابعة مكتب الشهداء في وزارة الدفاع، والذي يقدم مساعدات لذوي ضحايا المقاتلين في صفوف قوات النظام “لكن هذه المهمة لم تكن سوى اختبار مبدئي من قبل بشار الأسد وزوجته أسماء للوقوف على مدى إمكانية تسليمها ملفات أكبر”، حسب مدير منصة “كلنا شركاء” المعارضة، أيمن عبد النور، حيث كانت الخلافات مع عائلة مخلوف ما تزال في بدايتها ولم تخرج إلى الإعلام بعد.
ويبدو أن الوجه الجديد نجح في الاختبار، ليس بسبب إدارته لملف (شهداء الجيش) وما طرحه من أفكار لتطوير المكتب من خلال فتح فروع جديدة له في المحافظات، وفرض مبالغ على رجال الأعمال الجدد الذين ظهروا في فترة الحرب كمساهمة في صندوق تمويل المكتب، بل والأهم تملّكه عشرات الشركات بإسمه الشخصي هو وشقيقته نسرين، مثل شركة “البرج للاستثمار”، وشركة “زيارة للسياحة” والشركة “المركزية لصناعة الاسمنت” و “كاسل انفستمنت” القابضة و”مؤسسة بازار” و”شركة وفا للاتصالات” و”العهد للتجارة والاستثمار” وغيرها.
لاحقاً ومع بداية الضغط الذي باشرت عائلة الأسد بممارسته على رجل الأعمال رامي مخلوف وعائلته، من أجل استرداد الأموال التي يديرونها لصالح الأسرة الحاكمة، والتي كانت قد بدأت منذ بداية العام 2019 بعيداً عن التداول الإعلامي، تم تعيين يسار ابراهيم مديراً للمكتب المالي والاقتصادي في رئاسة الجمهورية.
ومن هذا الموقع بات الأخير مشرفاً على كامل حركة الأموال والاقتصاد في سوريا. أما أخته نسرين، فقد تم تعيينها كعضو في مجلس إدارة شركة MTN قبل أن يشتري الشقيقان حصة الشيخ صالح كامل، رجل الاعمال السعودي الذي توفي قبل أشهر، والتي كانت تبلغ 25 في المئة في أسهم الشركة.
لم يكتف الشقيقان بالدخول إلى مجلس إدارة MTN والإشراف على أعمالها في سوريا، بل باتا يتحكمان بكل العقود والتفاصيل والقرارات فيها، على الرغم من أن حصتهما لا تخولهما رسمياً لعب هذا الدور، وهذا ما يفسر على الأغلب ، حسب مراقبين، استقالة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة قبل أربعة أشهر، وقرار الشركة الأم بيع حصتها ومغادرة السوق السورية بشكل نهائي حالياً.
وفي تعليقه على التصريح الأخير للرئيس التنفيذي لمجموعة MTN، يقول أيمن عبد النور ل”المدن”: الواضح من تصريحات روب شوتر أنها تهدف إلى تبرير الخروج من سوريا وليس الكشف عن الأسباب الحقيقية، خاصة من ناحية التوقيت، فنحن في الشهر الثامن من العام، وهذا ليس توقيت تقرير نهاية السنة أو بدايتها أو منتصفها، وبالتالي فمبررات وتوقيت خروج الرجل بهذه التصريحات تؤكد على ما سبق وقلناه”.
ويعتبر عبد النور أن ذكر شوتر لأسماء بعض الدول الأخرى التي قد لا تكون أعمال الشركة فيها على ما يرام، يأتي في سياق تبرير خطوة مغادرة السوق السورية من دون الاصطدام مع النظام، فالشركة ناجحة جداً في سوريا، ودخلها في السنوات الأخيرة الماضية أعلى من دخل شركة “سيريتل” التي يملكها رامي مخلوف، وهذا كان أحد أسباب تأجيج الخلاف بين آل الأسد ومخلوف، حيث اعتبرت أسماء الأخرس أن الأخير لا يدير الأموال الموكل بها بشكل جيد ويسمح للشركات الأخرى بالتفوق عليه.
بعد استعادة عائلة الأسد إدارة شركة “سيريتل” من بوابة المحكمة الإدارية التي قررت كف يد رامي مخلوف عنها وتعيين حارس قضائي لإدارتها، تستحوذ اليوم بشكل كامل على الشركة الثانية المشغلة للهاتف الخليوي في سوريا، من دون الأخذ بالاعتبار لأي انعكاسات سلبية على السوق والاقتصاد المحلي، الذي بات طارداً حتى للمستثمرين الأكثر مرونة وطواعية تجاه النظام.
المصدر: المدن