مع مشهد ناشطي الإغاثة بعد انفجار الثلاثاء المشؤوم في بيروت، تتوسع دورة العدم لتطال الملايين في لبنان بعد سوريا، وهو مشهد لم يعتد عليه اللبنانيون، لكنه بات واقعا، وغالباً ما يعطي انطباعاً عن مستوى الضيق الاقتصادي والجوع الذي لحق بالناس.
قبل مجيء البعث للحكم سميت سوريا في سبعينيات القرن الماضي يابان الشرق الأوسط، وقبل مجيء أمراء الحرب ووكلاء العمامة إلى لبنان في الثمانينيات سميت بيروت “باريس الشرق”.
كان السوري إذا أمحلت جنوبا يحصد في الجزيرة، وإذا جف ماء الجزيرة فحوران حاضرة، وكان السوريون، إذا اضطروا، يقدرون على العيش عاما كاملاً من مؤونة بيوتهم وحواكيرهم، وكان لبنان حاضرة السياحة والصناعات الغذائية، وشعبه يعيش بحبوحة اقتصاد البنوك والسياحة، بل كان اللبنانيون يتركون بلادهم للسائح العربي والأجنبي ويطيرون إلى عواصم أوروبا لقضاء عطلهم.
انفصل اقتصاد البلدين مطلع عام 1950 في عهد حكومتي خالد العظم في دمشق ورياض الصلح في بيروت، إلا أن الظروف كانت مواتية لازدهار كبير، فسوريا بلد الفصول الأربعة، ولبنان بلد الجمال والتنوع، وتجار وحرفيو البلدين كانوا قادرين على الوصول إلى جميع أنحاء العالم، ورغم انفصال الاقتصاد كانت القوى العاملة السورية تكمل حاجة لبنان للإعمار، وكانت بيروت موئلا للثقافة ومركزا خرج منه المبدعون السوريون مع جرعة إضافية من الحرية في التعبير والتفكير.
هل احتاجت دمشق وحلب أم الصناعات النسيجية والغذائية إلى حكم العسكر لبناء الدولة العصرية، وهل احتاج لبنان الفن والمال والسياحة إلى أمراء الطوائف ومن ثم الشادور والعمامة لكي ينقلب الوضع إلى الجحيم؟
بإمكان البلدين أن يشكلا أنجح دورة اقتصاد ورفاهية في الشرق الأوسط، عبر مينائي بيروت واللاذقية، وعشرات المصارف المتطورة، والثروة الهائلة من النفط والغاز والفوسفات، ونحو سبعة ملايين هكتار من الأراضي الزراعية، وثلاثة أنهار، وآلاف الأوابد الأثرية والتاريخية، والمعابد والمواقع السياحية والمسارح.
تعتبر سوريا ولبنان من أهم البلدان المصدرة للفكر عبر التاريخ، بل وصدرت الرؤساء إلى دول أخرى، وآوت شعوبا من اللاجئين من الأرمن والشراكس واليونان والعرب وذوبتهم دون أن تعتدي على هوياتهم، حتى جاء حكم العسكر واللّحى الذي أطلق شعار تلازم المسارين، فيقتل العسكر السوريون في لبنان، ويقتل الميليشيويون اللبنانيون المدنيين في سوريا.
من دلالات الموت المشترك للشعبين السوري واللبناني أن يكون ثلث ضحايا تفجير الميناء من السوريين، وأن يكون لبشار الأسد مستشارين لبنانيين منهم من يحمل المتفجرات ليقتل أبناء شعبه بها خدمة للنظام السوري كما فعل ميشيل سماحة.
قدر بيروت أن يقول شاعر دمشقي أجمل كلام فيها، وقدر دمشق أن يقول شاعر لبناني أجمل ما قيل فيها، فبين “يا ستّ الدنيا يا بيروت” لنزار، و”شآم أنت المجد” قصة سياسية وحرب وحبّ، وتكتمل اليوم بمأساة الجوع الذي جلبه القتلة.
محزن مشهد العجوز البيروتية وهي تسعى وراء طرد الإغاثة، وهو المشهد الذي جرّبه السوريون منذ تسع سنوات مرّة مرارة العلقم… إذا لسنا سعداء ولبنان يدخل في “كرتونة” الإغاثة، ونحلم أن يخرج منها الشعبان السوري واللبناني القادران على صناعة المستقبل إن توقف الظلم والقهر والفساد.
علي عيد – زمان الوصل