أعلنت الدكتورة بسمة القضماني، يوم أمس، السبت، استقالتها من عضوية هيئة التفاوض السورية.
وقالت عبر رسالة وجهتها إلى رئيس هيئة التفاوض، بأنه “لن يفيد المعارضة السورية هذه المرة أن أخرج بصمت كما فعلت في الماضي، ولا بد لي من شرح الأسباب التي أدت إلى هذا القرار”.
المبادئ الجوهرية لعمل هيئة التفاوض السورية
تحدثت القضماني، عن مبدأين جوهريين انطلقت الهيئة للعمل على أساسهما، أولهما: هو ضرورة تمثيل إضافي للمجتمع السوري من خارج الأجسام السياسية القائمة، وذلك من خلال انتخاب مجموعة من الأفراد المستقلين، الذين يمثلون عينات من مختلف شرائح وقطاعات المجتمع السوري. وتم الاتفاق على منح مكوّن المستقلين 8 مقاعد داخل هيئة التفاوض، مما جعلهم أكبر مكون عدداً إلى جانب الائتلاف. أما القصد، فكان تعزيز تمثيل المعارضة للمجتمع الحقيقي داخل سوريا، وتشجيع مختلف شرائح المجتمع السوري على النظر الى هذا الجسم ، الذي أريد له أن يحمل مطالبهم ويعبر عن مصالحهم وأولوياتهم.
والمبدأ الثاني، هو قاعدة التوافق كآلية لاتخاذ القرار، ينبغي اتباعها دائماً، لتجنب اللجوء إلى التصويت إلا في حالات اضطرارية إن استعصت الأمور وتعذر التوافق.
وأشارت القضماني، أن التوصل لهذين المبدأين أتى بعد تشكل هيئة التفاوض في مؤتمر الرياض 2 في نهاية عام 2017 كجسم جامع أطلقنا عليها في حينها إسم “منصة سوريا”، وعملنا على تحديد بنيتها بتأن، لتشمل المكونات التي نص عليها قرار مجلس الأمن 2254 ، واتفاق السوريين، الذي أيدته الدول الصديقة، ورأى أن التشكيلات السياسية القائمة لا تتمتع بقاعدة شعبية واسعة نتيجة لانغلاق الحقل السياسي في سوريا.
الواقع الذي نشأت في هيئة التفاوض السورية ..
ليس سراً أن مستشار الرئيس الروسي حضر افتتاح المؤتمر، وأن المفاوضات الطويلة التي جرت بين المكونات في الرياض تمت بوجود المسؤولين السياسيين الكبار في المملكة، وبالتشاور مع جميع الدول المعنية بالملف السوري. هذا هو الظرف الذي نشأت فيه الهيئة، وأكد أن قضيتنا هي بالفعل شأن دولي يتطلب تعاون جميع القوى الإقليمية والدولية من أجل الوصول إلى حل، وأن التعامل مع هذا الواقع لا يعني أننا فقدنا قرارنا المستقل، ومضطرون إلى تسليم أمرنا للدول، بل يتطلب أن نتفق ضمن الهيئة على سلوك يسمح لنا بالحفاظ على مسافة واحدة من جميع الدول، والموازنة بينها لنضمن هامش الحرية الذي يسمح لنا بالتحرك وفق ما نراه في مصلحة السوريين.
وقد التزمت جميع المكونات بمبدأ التوافق وتفهمت ضرورته ضمن جسم جامع للمعارضة السورية بتنوعها واختلاف آرائها ، وذلك من أجل الهدف الأكبر الذي يجمعها، ويجسده الانتقال السياسي إلى نظام ديمقراطي عبر عملية تفاوضية ترعاها الأمم المتحدة. وأعربنا عن اتفاقنا على قاعدة التوافق من أجل أن نكون طرفاً قوياً ومتماسكاً في مواجهة عدو شرس، نفاوضه ونحن نعول في العملية السياسية على تفوقنا الأخلاقي عليه، بعد ما ارتكبه من جرائم مرعبة وشاملة، كما نعول على دعم مجموعة من الدول العربية الصديقة والقوى الدولية ذات القدرة على التأثير في المعادلة لصالحنا.
أسباب الاستقالة:
قالت عضو هيئة التفاوض السورية، أن احترام تلك المبادئ لم يستمر، لشديد الأسف، لفترة طويلة، فقد تم استقطاب أعضاء مجموعة المستقلين واحداً تلو الآخر من قبل الائتلاف، الذي يبدو أنه لم يقبل أن تكون مجموعة المستقلين مستقلة فعلاً، بينما وجدتُ نفسي، شخصيا، خارج الفلك الذي أنشؤوه، ووحيدة في سعيي الى ملء الدور المنوط بنا. وهكذا، تشكلت، بفضل دعم المستقلين السبعة الآخرين ، والدعم التلقائي من قبل أغلبية ممثلي الفصائل العسكرية لموقف الائتلاف، كتلة لديها أكثرية رقمية ثابتة في الهيئة، استند الائتلاف إليها ليتخل عن قاعدة التوافق ويتخذ ما يريده من قرارات بالتصويت، ضارباً عرض الحائط بمبدأ التوافق. وقد سعى الأعضاء الآخرون إلى إقناع قيادة الهيئة بأسس العمل المتفق عليها، وحاولت الدول الصديقة تذكيرنا بضرورة الحفاظ على مسافة واحدة من جميع حلفائنا، ولكن دون جدوى.
وأضافت، عندما وقعت الأزمة نهاية العام الماضي، بعد عقد مؤتمر جديد للمستقلين في الرياض، دعوت زملائي المستقلين الى الوقوف على حياد، لكوننا مستقلين، والامتناع عن الانحياز إلى أي طرف على حساب الآخر، وإلى عدم المشاركة في تعزيز الاستقطاب الذي أخذ يشتد في حينه. كان غضبهم تجاه عقد هذا المؤتمر متوقعاً ومبرراً، لكني حاولت أن أشرح أن مكوّننا يتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية في ما جرى، لأنه ساهم في انحياز الهيئة الى موقف الائتلاف وخياراته، التي لطالما أثارت احتجاجات داخل سوريا وأقلقت عدداً كبيراً من أعضاء الهيئة، منهم ثلاث مكوّنات من مؤسسيها، وسببت شرخا خطيراً فيها كهيئة يفترض أن تكون جامعة.
في المبادرة التي قامت بها القضماني..
لم يستهدف عملي ضمن الهيئة يوماً معاداة أي من الدول الداعمة لثورتنا، بالنظر إلى أن قناعتي الراسخة تقوم على أن العمل السياسي بطبيعته، وليس في سوريا وحدها، يتطلب الحكمة في مراعاة المخاوف والمصالح المشروعة للدول الشقيقة والحليفة ومنهم جارتنا الكبرى تركيا، والسعي إلى بناء أنفسنا بمساعدة الجميع، لكوننا بحاجة لكل دولة من الدول الصديقة كي نستعيد سورية، ونوفر سبل التعافي لشعبنا المنهك.
إلا أنه، وبعد أشهر من انسداد الأفق، قمت وبعض الزملاء بطرح خطة مبنية على عدة خطوات من شأنها أن تساعدنا على الخروج من المأزق، وتؤدي إلى حل توافقي يعيد التوازن داخل الهيئة ويحترم استقلالية مكون المستقلين، ويعيد العمل على القواعد التي تأسست الهيئة على أساسها. هذه المساعي الحميدة ما زالت مستمرة، ومع أنني أتمنى لزملائي النجاح ،فإن هذه المساعي سرعان ما اتهمت بإنشاء قطب جديد داخل الهيئة، هدفه معاداة قطب المستقلين الآخر. هذه التهمة طالتني كغيري ، وهذا سلوك مبني على عدم احترام بعضنا البعض، وتغييب حقيقة أن العضو في الهيئة يعمل بقناعاته، وقد يختلف مع زملائه وزميلاته في الموقف من قضية هنا، ويتفق معهم في قضية أخرى هناك، ليبقى النقاش داخل الهيئة، لا نتحول نحن المستقلون الى مجرد “مكمل عدد” لموقف هذا القطب أو ذاك، ويجري التعامل معنا على قاعدة إما الانصياع للأغلبية الرقمية، أو العزل والاتهام والمعاقبة.
وخلصت الدكتورة “بسمة القضماني” في نهاية رسالتها إلى أنه ثبت خلال العامين ونصف من عمر هيئة التفاوض أنه تم اغلاق المساحة التي كنت أعتقد أنها مساحتنا كمستقلين يحملون مطالب فئات من المجتمع غير ممثلة في الهيئة، وتتواصل معنا من خارجها، وأعتقد الآن أنه سيكون من الصعب استعادتها في المستقبل. لذلك أغادر الهيئة وأنا أتمنى لزميلاتي وزملائي تدارك الأخطاء ، والتوفيق في خدمة شعبنا.