برعاية روسيا: مرتزقة سوريون من جحيم “سوريا الأسد” إلى مناجم ذهب “فنزويلا مادورو” الملطّخة بالدم

سيريا برس - أنباء سوريا

يكشف هذا التحقيق كيف حوّلت روسيا، بتواطؤ أو إذعان نظام بشار الأسد، شباباً سوريين إلى حطب لحروبها ومطيّة لتحقيق مصالحها في غير مكان من العالم، مدفوعين بالحاجة والعوز نتيجة الانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي تعيشه مناطق سيطرة النظام، ليجدوا أنفسهم “مرتزقةً” للبيع في أقصى الكرة الأرضية، في فنزويلا، ووقوداً في حروب وصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

دمشق

منذ أكثر من شهر، ينتظر عمران (اسم مستعار) اتصالاً من الوسيط يبلغه فيه الموافقة على شمول اسمه في لائحة المجندين المقبولين للسفر إلى فنزويلا.

عمران، الضابط السابق في جيش النظام السوري، كان قد سُرّح من  الجيش برتبة رائد، إثر إصابة بالغة بيده اليمنى وكتفه، في إحدى المعارك بريف حماة الشمالي صيف العام 2014، ليتقاضى اليوم راتباً تقاعدياً لا يتجاوز مع كل الزيادات مبلغ 50 ألف ليرة (أو حوالي 20 دولاراً بسعر الصرف بالسوق السوداء، والذي يتراوح عند 2,500 ليرة للدولار)، ما أصابه بالخذلان، ومن ثم النقمة على النظام الذي خدمه لأكثر من عشرين عاماً.

“أكلوني لحماً ورموني عظماً”، على حد تعبير عمران. موضحاً لـ”سوريا على طول” أن “راتبي التقاعدي لا يكفي ثمن حليب لطفلتي التي لم تكمل التسعة أشهر، فما بالك وأنا مسؤول عن أخويها وأمها، أعيش في بيت مستأجر! لولا عمل زوجتي الجديد ومساعدة عائلتينا لمتنا من الجوع حرفياً”.

هذه الحالة دفعت عمران بعد شفائه من الإصابة إلى البحث عن أي عمل يؤمن من خلاله الطعام لأولاده. لكن “من يقبل بتوظيفي وأنا لا أجيد شيئاً في الحياة سوى القتال”، كما أضاف، وليجد نفسه متطوعاً من جديد، هذه المرة لصالح إحدى المليشيات المدعومة من إيران، براتب لا يتجاوز 100 ألف ليرة (40 دولاراً) شهرياً.

هنا، في مقر عمله الجديد، أخبره صديق أن ثمة فرصة جديدة تلوح في الأفق، من خلال وسيط يستقطب المتطوعين للسفر إلى فنزويلا. وهي “مهمة تتراوح مدتها بين ثلاثة إلى ستة أشهر، براتب قد يصل إلى 4,500 دولار أميركي”. وقد بادر عمران إلى تسجيل اسمه من دون أن يعرف عن فنزويلا أكثر من أنها “بلاد تشافيز”، معلقاً على ذلك وهو يضحك: “من سوريا الأسد إلى فنزويلا تشافيز… لا فرق إلا بالدولارات!”.

مصائد المرتزقة

حتى الآن، سجّل المئات من أبناء الساحل السوري (الذي يضم محافظتي اللاذقية وطرطوس، ومدن جبلة، والقرداحة، والحفة، وبانياس، وصافيتا، والدريكيش وأريافها) أسماءهم للالتحاق بركب المغادرين إلى فنزويلا، بحسب أحد الوسطاء، وهو مدني يعمل لصالح جهاز الأمن العسكري، مكلف باستقطاب الشباب الراغبين بالسفر إلى فنزويلا.

وكشف الوسيط الذي قبل الحديث لـ”سوريا على طول” بشرط عدم الإفصاح عن هويته، عن قيامه بنفس المهمة عندما طلبوا متطوعين للسفر إلى ليبيا. وتمكنت عبر علاقاتي ونشاطي من تجنيد العشرات. الجميع يرغب في السفر؛ لا عمل في هذا البلد، والظروف قاسية على الجميع، خاصة من لديه أسرة عليه إعالتها أو من يسعى لتأسيس حياة وعائلة”.

مضيفاً: “معظم الذين سجّلوا أسماءهم للسفر إلى فنزويلا هم ممن عادوا من ليبيا. فهؤلاء عادوا بمبالغ مالية تعتبر جيدة قياساً بمتوسط الرواتب هنا، ويريدون تكرار التجربة، خاصة أن المبالغ التي سيتقاضونها هذه المرة هي أكثر بأربعة أضعاف عما تقاضوه لقاء مهمتهم في ليبيا”.

الرجل الذي يعمل تحت غطاء مكتب عقاري في إحدى البلدات القريبة من مدينة اللاذقية، يقرّ أنه ليس الوحيد الذي يستقطب الراغبين في السفر، بل ثمة آخرون لا يعرف عددهم ينشطون في أنحاء المحافظة وريفها للغاية نفسها. 

“أتقاضى عن كل شخص يسجل اسمه 100 دولار بعد أن تأتي الموافقة الأمنية بقبوله من فرع الأمن العسكري، لكن حتى الآن لم تصل أي موافقة” على حدّ قوله. إلا أنها لن تتأخر كثيراً كما يؤكد له مشغّلوه، رغم المعلومات المتضاربة حول رفض النظام سفر شباب الساحل دوناً عن باقي المناطق. وهو ما حصل سابقاً مع الدفعات الأولى من الملتحقين بصفوف المرتزقة الذين جندتهم روسيا للقتال إلى جانب قوات خليفة حفتر في ليبيا، إذ حاول النظام، عبر “المخابرات الجوية”، منع شباب الساحل من الالتحاق من دون تقديم مبرر للمنع، ليذعِن لاحقاً بعد تدخل الروس، كما أكد لـ”سوريا على طول” العديد من المرتزقة العائدين من ليبيا.

“مستقطبون” افتراضيون

ثمّة وسطاء آخرون ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، يُسمّون بـ”المستقطبين”. إذ يسعون لاجتذاب الشبان الراغبين في السفر من مختلف المحافظات السورية، عبر حساب على موقع “فيسبوك” يحمل اسم “مجموعة للعرب في فنزويلا” يحتدم فيه النقاش بين عشرات الشبان من دمشق وحمص ودرعا وطرطوس والسويداء، يقولون إنهم سجلوا أسماءهم لدى “مستقطبين” مختلفين،  شاكين تأخر السفر لأنهم لا يزالون ينتظرون الموافقات الأمنية. فيطمئنهم أحد هؤلاء المستقطبين الذي يحمل  الاسم الوهمي “بحر سيف”، مؤكداً في تعليقه على منشوراتهم وتساؤلاتهم، بأن الرحلة باتت قريبة.

“سوريا على طول” اتصل بالمدعو “بحر سيف” الذي نشر على المجموعة رقم هاتفه، بحجة التسجيل للسفر لديه. فأكد أن الجهة التي يتعامل معها أبلغته أخيراً أن السفر بات قريباً، وأن الأولوية لمن سجلوا أسماءهم أولاً، فيما سيكون التجمع في قاعدة حميميم الجوية الروسية بمحافظة اللاذقية، حيث سيتم توقيع العقود هناك، ومن ثم نقل “المتطوعين” بالبواخر. مقدراً وقت الوصول إلى فنزويلا ما بين 15 إلى 20 يوماً، حسب حالة الطقس ومسار الرحلة.

يتقاضى بحر سيف مبلغ خمسة آلاف ليرة عن كل راغب في التسجيل، ويطلب تقريراً طبياً وثلاث صور شخصية وصورة عن البطاقة الشخصية. 

“الأعداد بالمئات”، كما قال المستقطب لـ”سوريا على طول”، والراتب يتراوح بين 4,000 و5,000 دولار كما أبلغه المشغّلون، “حصتي منها 100 دولار عن كل شخص، أستلمها في مطار حميميم من الجانب الروسي أو من يمثلونه”. مؤكداً أن “توقيع العقد سيكون في قاعدة “حميميم” قبل السفر، ولا يمكن للمتطوع الاطلاع عليه مسبقاً، لأسباب أمنية، بعدما تم تسريب عقود السفر إلى ليبيا قبل أشهر ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي”. 

“الصياد”.. اسم على مسمى!

تنشط العديد من الشركات الأمنية الوسيطة المرتبطة بالقوات الروسية في مختلف المحافظات السورية، حيث تعمل عبر وكلاء ومستقطبين يمثلون صلة الوصل بينها وبين المجندين. من هؤلاء شركة “الصياد” التي أشرفت على تجنيد مئات الشبان وإرسالهم إلى ليبيا خلال الأشهر الماضية. ويقوم الوكلاء ذاتهم باستقطاب الشبان وإغرائهم بالسفر إلى فنزويلا، مستغلين الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعاني منها السوريون.

وأكدت مصادر لـ”سوريا على طول” أن وكلاء الشركات الأمنية ليست لديهم مكاتب رسمية للتجنيد، بل تجري عملية تسجيل الأسماء واستلام الأوراق المطلوبة في منازلهم أو مكاتب لهم، وأحياناً عبر الهاتف.

وكشف بحر سيف في حديثه إلى “سوريا على طول” عن أنه يعمل لصالح شركة “الصياد”، وأن الشركة طلبت 1,500 شخص من السويداء لوحدها، لحراسة منشآت نفطية ومناجم ذهب في فنزويلا، لكن عدد الأسماء التي سجلت فاق 3,500 شخص في عموم محافظة السويداء. مشدّداً أن السفر سيكون للعدد المطلوب فقط. 

بتقصي “سوريا على طول” عن شركة “الصياد” التي تقوم بعمليات التجنيد إلى فنزويلا وسابقاً إلى ليبيا، تبيّن أنها شركة مرخصة تحت بند خدمات الحراسة والحماية لدى السلطات السورية، تشرف على عمليات التجنيد عبر عملاء موجودين في المحافظات السورية مهمتهم تجنيد الشباب بأجور مغرية، مقابل حماية المنشآت النفطية.

وتحمل الشركة السجل التجاري رقم /9765/ بتاريخ 17/ 3/ 2017، ومقرها مدينة السقيلبية في محافظة حماة، وتعمل بإشراف فواز ميخائيل جرجس. وبحسب مصدر مطلع تحدث إلى “سوريا على طول”، يعتبر جرجس من المسؤولين عن تشكيل مجموعات قتالية إلى جانب القوات الروسية منذ سنوات في سوريا. من أبرزها “صائدو الدواعش”، التي ذاع صيتها أواخر العام 2017، وكانت تقاتل بإسناد جوي مباشر من القوات الروسية. وهي المجموعة التي افتتحت عهد المرتزقة السوريين في ليبيا.

الوسيط بحر سيف أكد عدم مغادرة أي دفعة من سوريا إلى فنزويلا حتى اليوم. موضحاً أن الشركة الأمنية حددت عدة مواعيد للسفر سابقاً وألغتها. و”التأجيل من الجانب الروسي” على حد قوله. وكان  “آخر موعد تم تحديده للسفر هو الأحد 15 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي لنقل المسجلين إلى قاعدة “حميميم”، ثم السفر بالبواخر إلى فنزويلا”، كما أضاف، لكن  “تم إبلاغنا قبل أيام أن انطلاق الرحلات سيبدأ الشهر المقبل ويستمر حتى كانون الثاني/يناير 2021”.

إقبال كثيف في السويداء

سوريون يشاركون في تطاهرة بمدينة السويداء، جنوب سوريا، هاتفين بشعارات مناوئة للحكومة نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية وتفشي الفساد، 9/ 6/ 2020 (أ ف ب)

“لم يعد بإمكاننا البقاء مكتوفي الأيدي. سنذهب إلى أي وجهة ولو كانت في آخر الأرض، وحتى لو كلفنا الأمر حياتنا. في رقبتنا عائلات وأبناء على شفا الجوع، وإن لم نتحرك فلن يطعمهم أحد”، هذا ما يجمع عليه كل من تحدثوا إلى “سوريا على طول”، سواء كانوا من أبناء الساحل، أو من باقي المناطق السورية التي أنهكها الفقر والحرمان، خاصةً السويداء التي تحتفظ بالحصة الأكبر من الراغبين في السفر إلى فنزويلا.

وبحسب مصادر متقاطعة (متطوعون ومستقطبون) تحدث إليهم “سوريا على طول” فإن المتطوعين من محافظة السويداء، والذين زاد عددهم عن 3,500 شاب سجلوا أسماءهم خلال شهري تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر، تتراوح أعمارهم بين 18 و55 عاماً.

وبحسب مصادر تحدثت لـ”سوريا على طول”، تكفلت الشركات الأمنية التي جندت السوريين كمرتزقة للقتال في ليبيا، بتجنيدهم اليوم للسفر إلى فنزويلا. مؤكدة هذه المصادر في الوقت ذاته عدم مغادرة أي دفعة إلى فنزويلا حتى اليوم، رغم وصول الموافقات الأمنية من جهاز المخابرات العسكرية. إذ تم تحديد مواعيد مختلفة للسفر وتأجيلها.

مؤنس، شاب في الرابعة والعشرين  من عمره، سجل اسمه قبل أكثر من عشرين يوماً لدى أحد الوسطاء في مدينة السويداء، وهو طبيب أسنان. وقد تقاضى الأخير مبلغ ثلاثة آلاف ليرة فقط مقابل “التقرير الطبي”، كما قال مؤنس لـ”سوريا على طول”، وسلّمه ثلاث صور شخصية وصورة عن بطاقته الشخصية مدون عليها رقم الهاتف. وقد طلب الطبيب-الوسيط منه الانتظار حتى حصوله على الموافقة الأمنية، مؤكداً له أن العمل هو في حراسة منشآت نفطية ومناجم ذهب في فنزويلا، براتب أربعة آلاف دولار، من دون أي تفاصيل أخرى.

أما ضياء، الذي يبلغ 31 عاماً ويقيم في مدينة السويداء، فقال إنه شاهد على إحدى المجموعات على “فيسبوك” إعلاناً من حساب مزور، يطلب التعاقد مع شبان في السويداء لحراسة منشآت نفطية ومناجم ذهب في فنزويلا، مقابل رواتب تتراوح بين 3,500 و4,500 دولار. 

تواصل ضياء، كما روى لـ”سوريا على طول”، مع الحساب الذي زوده على الفور برقم هاتف محمول  عرف صاحبه عن نفسه باسم “جمال نصر”، وطلب من ضياء  تقريراً طبياً مصدقاً من نقابة الأطباء يثبت خلوه من الأمراض السارية والمعدية، وصورة هوية شخصية. وفي حال كان فاراً من الخدمة العسكرية ولا يحمل هوية شخصية، طلب منه إحضار إخراج قيد فردي يحمل صورة شخصية.

وقد قام ضياء بتسليم الأوراق المطلوبة باليد للمدعو “جمال” في منزلٍ بأحد أحياء مدينة السويداء، منتصف تشرين الأول/أكتوبر. وبعد 10 أيام تواصل معه وأبلغه أن اسمه حصل على موافقة أمنية من فرع الأمن العسكري، وطلب منه أن يحضر نفسه للسفر، ثم أضافه إلى مجموعة “واتساب” تضم عشرات الأشخاص الذين سجلوا اسماءهم. وقد تم خلال شهر تبليغهم بعدة مواعيد للسفر ثم تم تأجيلها. 

“رجال الكرامة”.. موقف حازم

في مقابل الاندفاعة التي يبديها الشبان الذين عقدوا العزم على السفر إلى فنزويلا، تحت أي ظرف وإن بصفة “مرتزقة”، متسلحين بمبررات يعتقدون أنها كافية لدفعهم إلى السفر، هناك من يحذر من خطورة هذه الخطوة، بمن فيهم أهالي المتطوعين أنفسهم، الذين يخشون على حياة أولادهم أولاً، ويعيبون عليهم العمل كمرتزقة عند الروس ثانياً. وهو ما أمكن ملاحظته في أحاديث السوريين منذ بدأت أولى رحلات الارتزاق إلى ليبيا قبل ستة أشهر، وشملت إرسال مقاتلين من مناطق سيطرة النظام والمعارضة على حد سواء.

وتتصدر حركة “رجال الكرامة”، وهي تنظيم أهلي مسلح تعهد بالدفاع عن السويداء من دون التورط في الصراع بين المعارضة ونظام دمشق، قائمة الرافضين لعملية زج أبناء المحافظة كمرتزقة في معارك ومصالح الآخرين.

فموقف ا”رجال الكرامة” واضح منذ البداية، كما قال المسؤول عن الجناح الإعلامي في الحركة لـ”سوريا على طول”، وهو الرفض القطعي للارتزاق أينما كان. مضيفاً أن “إفقار المواطنين، والضيق المادي دفع بالكثيرين للدخول في هكذا مشاريع”، فضلاً عن تملص الدولة من مسؤولياتها تجاه مواطنيها الذين يعانون الأمرين نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي والغلاء المعيشي والفساد المستشري، “أي إن السبب مادي وليس عقائدي”.

فوق ذلك، لفت المسؤول الإعلامي إلى أن ثمة سياسة تقوم على تفريغ المحافظة من شبابها بدأت منذ بداية الثورة، فغدا أكثرهم لاجئين خارج سوريا.

مع ذلك، ترى الحركة وجوب الفصل بين أعداد الذين يتقدمون بالتطوع وبين الذين يذهبون فعلاً، كاشفاً المسؤول  عن أنه “حتى الآن لم يتم تسجيل أرقام كبيرة لأشخاص ذهبوا فعلاً، ولا يتجاوز عدد من غادروا إلى قاعدة حميميم الروسية المائة شخص، بالرغم من أن كثيرين سجلوا أسماءهم لدى الوسطاء، لكنهم لازالوا في الجبل [محافظة السويداء]”.

 مصادر أهلية أكدت لـ”سوريا على طول” أن “رجال الكرامة” تحاول “بالقوة والتهديد” وتحت طائلة العقاب، منع الوسطاء من إتمام مهمتهم باستقطاب المتطوعين. إلا أن المسؤول عن الجناح الإعلامي في الحركة نفى ذلك، وعدّ أن “الضغط على الوسطاء لا يحقق نتيجة بخصوص هذه القضية، كون الأبواب كثيرة ومفتوحة، ولا تستطيع الحركة منع أحد من السفر”. مؤكداً في الوقت ذاته  أن “الحركة تعمل بشكل مستمر، وبالتعاون مع كل الفعاليات الاجتماعية والدينية، لبتر هذه الظاهرة غير الأخلاقية”.

مهمة يشوبها الغموض

يجمع المتطوعون الذين أمكن لـ”سوريا على طول” التواصل معهم أو الاطلاع على آرائهم، أن المهمة التي سينفذونها في فنزويلا هي حماية المنشآت النفطية في ذاك البلد الغني بالنفط، حسبما أبلغهم المستقطبون والشركات الأمنية الوسيطة. لكن ذلك ما قيل بشأن مهمة ليبيا التي اتضح أنها أكثر من مجرد حماية للمنشآت النفطية، حيث وجد العشرات من “المرتزقة” السوريين هناك أنفسهم في الخطوط الأمامية، في مواجهة قاتلة مع مواطنيهم الذين جندتهم تركيا، وهو ما أكده العديد من العائدين من ليبيا لـ”سوريا على طول”.

معدّ التحقيق اتصل بسوري مغترب في فنزويلا، لديه اطلاع على مجريات الأمور في ذاك البلد. كما أجرى بحثاً حول طبيعة المهمة التي سينفذها “المرتزقة السوريين” وطبيعة المنطقة التي يُساقون إليها.

وبحسب  م. عزام، وهو من أبناء بلدة عريقة بالسويداء، ويمتلك عملاً خاصاً في جزيرة مارغريتا الفنزويلية: “إن من يعيش في فنزويلا يعلم جيدا أن تجنيد السوريين ما هو إلا فخ. فروسيا لا تبحث عن حماية المنشآت النفطية كما تقول للسوريين، كون فنزويلا لا تشهد حرباً ولا صراعاً عسكرياً كما حدث في سوريا، كي يتطلب الأمر جنوداً لحماية هذه المنشآت”. مضيفاً أن “المنشآت النفطية متوقفة أصلاً بسبب الحصار الأميركي، وكذلك المصافي تعاني من الأعطال، وإلا لماذا تحتاج فنزويلا مثلاً إلى إيران كي ترسل إليها بعض شحنات النفط؟”

وأضاف المغترب السوري أنه “حتى إن  كان الأمر كذلك، ألا يستطيع الجيش الفنزويلي القيام بذلك، وهو جيش مؤيد [للرئيس الفنزويلي] مادورو؟ بالإضافة إلى  وجود مليشيات بمئات الآلاف مؤيدة للحكومة الفنزويلية”. لكن “بدلاً عن ذلك نرى مجموعات كبيرة من عناصر الجيش تقوم بتنظيم الطوابير على محطات الوقود.

أيضاً، وفي سياق دحض “الكذبة الروسية” كما يقول، يشير عزام  إلى أن متوسط دخل المواطن الفنزويلي لا يتجاوز اليوم الأربعة دولارات، فهل من المنطقي استقدام متطوعين سوريين برواتب تفوق الأربعة آلاف دولار شهرياً، فيما يمكنك استخدام أي مواطن فنزويلي لنفس المهمة براتب لا يتجاوز الـ50 دولاراً ؟

فما هي طبيعة المهمة التي يُساق إليها السوريون؟ يجيب المغترب السوري بأن الاحتمال الوحيد المنطقي هو أن هؤلاء سيكلفون بمهمة حماية مناجم الذهب التي تنتشر في ولاية بوليفار الجنوبية المتاخمة لكولومبيا والبرازيل وبالقرب من مجتمعات السكان الأصليين.

“القضية ليست قضية حماية منشآت نفطية” كما يستخلص عزام، وإنما “ثمة مناجم للذهب متنازع عليها بين مليشيات ومافيات مسلحة من فنزويلا وكولومبيا وبعض الدول المجاورة، وهي دائمة التطاحن والاقتتال. وعناصر هذه العصابات متذبذبو الولاءات؛ اليوم مع هذه الجهة وغدا مع تلك الجهة. لكن لو ذهب السوريون فسيكونون مرتهنين مضمونين إلى الجهة التي أتت بهم، أي الروس”. وهناك سيجدون أنفسهم أمام وضع يفصله عزام بناءً على ما توصل إليه خلال بحثه بأنه:سيخضع المرتزقة السوريون لدورات قتال ليكونوا مليشيات مسلحة عند الحاجة. وسيتحولون إلى مقاتلين وعمال مناجم بالوقت ذاته، كما أنهم سيعملون في ظروف جوية مرهقة من شدة الحرارة والرطوبة.

ويقدّر عزام أنه “بعد شهر أو شهرين، سيجري الحسم من الراتب بنسبة 85%، أسوةً برواتب باقي المليشيات، ولن يستطيع السوريون إلا الإذعان والقبول، فلا حيلة لديهم، وإذا مات أحدهم سيدفن دون أن يسأل عنه أحد”. 

في هذا السياق، يشار إلى أن  العقود التي وقعها المرتزقة السوريون إلى ليبيا تضمنت بنداً يخلي مسؤولية الجهة المشغّلة في حال لقوا حتفهم لأي سبب كان.

ذهب مخضّب بالدم! 

رجل يسير في نفق بأحد مناجم الذهب في ولاية بوليفار جنوب فنزويلا، 1/ 3/ 2017 (أ ف ب)

يذكر تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، في شباط/فبراير الماضي، تفصيلات عن الظروف البشعة التي يضطر عمال مناجم الذهب في فنزويلا إلى تحملها.

ففي ولاية بوليفار الجنوبية التي يتوقع أن يتوجه إليها المقاتلون السوريون، تقوم الجماعات المسلحة الموالية لمادورو بإجبار عمال المناجم على العمل، واستخدام أساليب الإيذاء البدني والتخويف للسيطرة على إنتاج الذهب.

ووفقاً للتقرير ذاته، فإن “العديد من المناجم في ولاية بوليفار تخضع لرقابة مشددة من العصابات الفنزويلية أو الجماعات المسلحة الكولومبية”، مثل منظمة العصابات الثورية (FARC) المعروفة أيضاً باسم القوات المسلحة الثورية لكولومبيا، ومنظمة (ELN) المعروفة باسم جيش التحرير الوطني.

وهذه الجماعات المسلحة تطبّق “قوانين” تعسفية لزرع الخوف والحفاظ على النظام بين مجتمعات عمال المناجم. فهي تقوم باتهام عمال المناجم والمدنيين الأبرياء بالسرقة قبل أن يقطعوا أصابعهم وأياديهم علناً، وفي الحالات القصوى، يعدمونهم، وفقاً لشهود تمت مقابلتهم من قبل هيومن رايتس ووتش.

فوق ذلك، تتسم ظروف العمل في تلك المناجم بالخطر الشديد بسبب استخدام كميات سامة من الزئبق في تنظيف خام الذهب، وتكاد تنعدم إجراءات السلامة والأمان التي يمكن اتخاذها لمنع الإصابة في مكان العمل. 

ويدعم تقرير هيومن رايتس ووتش مطالبة زعيم الجمعية الوطنية الفنزويلية خوان غوايدو في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في كانون الثاني/ يناير الماضي، بالتوقف عن شراء الذهب الفنزويلي حتى تنتهي انتهاكات حقوق الإنسان. معتبراً أنه “ذهب ملطّخ بالدم“.

في غضون ذلك، فإن آلاف الشباب السوريين يعدّون العدّة للانخراط في هذا الجحيم، كما يقول المغترب عزام، وكأن لا خيار في هذا العالم أمامهم سوى الهرب “من سوريا الأسد إلى فنزويلا تشافيز/مادورو”، وبدل  الدولارات سيكون بانتظارهم المزيد من الدم، كما تقول الحقائق على الأرض هناك في بوليفار!

علاء حنّون - سوريا على طول 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version