غيّرت ظروف الحرب واقع المرأة السورية، ورغم أنها دخلت سوق العمل منذ أعوامٍ مضت، إلا أن سفرها للبحث عن فرصة عمل خارج البلاد لإعالة زوجها وأطفالها في الداخل، ظاهرة جديدة طفت على السطح، بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية.
هذا التحوّل في ثقافة المجتمع، لم يلبث أن فرضه واقع الحرب الجديد، فأضحت المرأة السورية موجودة في سوق العمل في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، أيضاً، على غرار تواجدها في مدن كثيرة بالشرق الأوسط، لكن لا تخلو هذه الظاهرة من تحديات وانتكاسات وهن يتغربن بعيداً عن عائلاتهن.
تعمل سوزان عباس، وهو اسم مستعار لامرأة سورية تبلغ من العمر (54 عاماً)، في محل لبيع الألبسة النسائية في مدينة أربيل.
“عباس” كانت قد غادرت سوريا منذ نحو خمسة أشهر، لتحسين ظروف عائلتها.
تحكي سوزان قصتها لنورث برس: “أثناء وجودي في سوريا، تواصلت مع أصدقائي في أربيل، وأخبروني بتوفّر فرصة عمل لموظفة وليس موظف”.
أزواج تقبّلن الفكرة
استغلت المرأة الخمسينية الفرصة، وشاورت زوجها في الموضوع، وهو بدوره لم يمانع، بل اتفق معها على أنها فرصة تحسّن مستوى معيشة العائلة، بعد غلاء الأسعار وصعوبة توفير متطلبات الحياة اليومية.
بعد موافقة ربّ العائلة توجهت “عباس” إلى أربيل الخريف الفائت، وبدأت العمل.
لكنها لم تنكر أنها واجهت صعوبات متعلقة بكونها امرأة وحيدة بعيدة عن عائلتها، فتقول: “في البداية شعرت بحالة اشتياق لزوجي وابني، وبعد مرور عدة أشهر تحوّل الاشتياق إلى خوف من المجهول، ومن نظرة المجتمع لامرأة تكافح وحدها لتبقى عائلتها على قيد الحياة في سوريا”.
ولا تختلف قصة “عباس” عن قصة إيمان الحلواني، وهي أيضاً امرأة سورية متزوجة تبلغ من العمر (36 عاماً)، جاءت إلى أربيل بعد أن ضاقت فيها الحياة بدمشق.
تقول “الحلواني” إن “سوء الأوضاع الاقتصادية دفعني للتفكير بالسفر والعمل في الخارج، رغم صعوبة اتخاذ قرار الابتعاد عن زوجي وابني الذي أكمل عامه السابع، إلا أن تأمين لقمة العيش، وبناء مستقبل آمن لعائلتي كان هدفي الأول”.
ولعل الوضع المعيشي غيّر فكرة أن يكون السفر خارج البلد بغرض العمل حكراً على الرجال، إذ تقول “الحلواني”، لنورث برس، إن زوجها وافق ودعمها وكان معها في كل خطوة إلى أن بدأت العمل في أربيل.
تحدي نظرة المجتمع
وتشير “الحلواني” إلى ما لا يمكن تجاوزه حتى الآن، “وهو نظرة المجتمع لأي سيدة وحيدة، والاعتقاد بأنها سهلة المنال أو ضعيفة أو غير قادرة على حماية نفسها”، على حد تعبيرها.
وبلا شك، فإن خطوة سفر النساء بدون أزواجهن بغرض العمل بدعم المنظمات النسوية، تحظى بدعم معنوي من جانب التنظيمات النسوية، وهذا ما أرادت المحامية لانا أمانج، ورئيسة منظمة “لانا” للنساء في إقليم كردستان،التأكيد عليه.
وقالت “آمانج” إن “السوريات العاملات في إقليم كردستان عانين ظروفاً قاهرة، دفعتهن للقدوم والعمل بمفردهن، فلو نظرنا إلى مختلف الأماكن العامة في مدن الإقليم سنرى نساءً سوريات عاملات، ومنهن في المخيمات، وبعضهن الآخر في منازلهن، وجميعهن يحتجن إلى الرعاية والدعم.”
وشددت المحامية على أن السيدات في سوق العمل، يعانين من ظاهرة التحرش اللفظي، أو الاستغلال، أو حتى التحرش الجنسي.
وذكرت أن منظمتها علمت بالعديد من القضايا لسيدات سوريات عانين من التحرش أثناء أوقات العمل.
وألقت الحرب بظلالها على المرأة السورية، فوجدت نفسها أمام تحديات متعلّقة بالحفاظ على أسرتها، في ظل تراجع فرص العمل داخل سوريا، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، إضافة إلى طبيعة سوق العمل في الخارج، التي تفضّل الموظفات أكثر من الموظفين الرجال.
وباتت المتاجر الكبرى والمحلات التجارية الصغيرة، إضافة للعديد من المراكز الطبية والعيادات في أربيل ومدن أخرى بإقليم كردستان وجهة العاملات السوريات، ومنهن من افتتحن لاحقاً أعمالهن الخاصة، كالخياطة وصالونات التجميل.
سهى كامل وهوزان زبير _ نورث برس