لم تثنيها حالتها النفسية وصحتها المتدهورة بعد خروجها من سوريا عن البدء بدراسة هندسة العمارة في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا، ومنذ 2015 بدأت بتأسيس مستقبلها المهني بكثير من الجهد المتواصل دون انقطاع، واليوم تتحضّر لافتتاح معرضها الخاص بتصاميمها الهندسية.
مشاعل الشيخ، مهندسة عمارة، تبلغ من العمر 30 عاماً، تمكّنت خلال أكثر من 6 سنوات منذ بداية دراستها في الهندسة من إحراز العديد من النجاحات، أبرزها افتتاح مكتبين لتصميم العمارة الداخلية والخارجية والديكورات، إضافة إلى تدريب طلاب الهندسة على البرامج الهندسية.
درست في كلية الفنون الجميلة بمدينة حلب 3 سنوات ولم تستطع التخرج بسبب ظروف الحرب، دخلت تركيا وبدأت دراسة هندسة العمارة عام 2015 لكونها الأقرب لدراستها في الفنون “كان الخيار الأفضل لأستطيع تقديم شيء مفيد لبلدي في حال إعادة الإعمار مستقبلاً” تقول مشاعل لـ”روزنة”.
تدرّبت مشاعل في مكتب هندسي خاص منذ بداية دراستها الجامعية، وبدأت بمشروع تصميم المطابخ الذكية التي تعتمد على توفير المساحة في المنازل الصغيرة “كأن يكون المطبخ مصمّم داخل حائط مغلق”.
اكتسبت مشاعل خبرة جيدة في مجال العمارة والديكور الداخلي، عبر العمل في المكتب الهندسي ووصلت عام 2020 إلى مرحلة أصبحت فيها قادرة على بدء عملها الخاص بالتزامن مع دراستها الجامعية.
في تلك الفترة عملت مع شركة لبنانية فكانت وسيطاً بينها وبين شركات تركية، كما عملت مع شركة هندسية تركية لمدة 7 شهور لكسب المزيد من الخبرة، وبعد ذلك اتخذت قراراً ببدء العمل بمشروعها في تصميم وتصنيع مطابخها الخاصة.
بداية المشروع
استأجرت مشاعل عام 2020 مكتباً تحت اسم “Masal Architect” بمعنى “حكاية مهندس” باللغة التركية، تقول: “الحياة عبارة عن حكايات من العمارة و الفن وكل مشروع هو بطل من أبطالها” يضم 4 مهندسين، بينهم أتراك، بهدف تحقيق الاندماج.
وتتابع: “لدي مشروع مطابخ جاهز، وبحاجة فقط للتصنيع، لكن خفت من المغامرة، وأردت تمكين نفسي أكثر في المهنة من خلال التعامل مع كبرى الشركات التركية المختصة بتصميم المطابخ”.
أخذت مشاعل وكالة من شركة “Vanucci” المشهورة على مستوى والمختصة بتصميم المطابخ، وبدأت ببيع المطابخ وتصدّيرها إلى دبي والسعودية، بهدف كسب المزيد من الخبرة وبناء سمعة جيدة.
أطمح أن أكون مهندسة معمارية عالمية مثل المهندسة العراقية البريطانية زها حديد التي نالت العديد من الجوائز الرفيعة و الألقاب الشرفية في فنون العمارة”، وكانت من أوائل اللواتي حصلن على جائزة “بريتزكر” في الهندسة المعمارية عام 2004، وهي تعادل في قيمتها جائزة نوبل في الهندسة.
الصعوبات التي واجهت مشاعل خلال رحلة عملها متعددة، منها تدهور صحتها النفسية والجسدية بعد خروجها من سوريا بسبب الحرب، ما خلق صعوبة لديها في تقبل المجتمع الجديد المغاير في تركيا، إضافة إلى وجود لغة جديدة، في مرحلة دراسية جديدة بدأتها من الصفر، بعد أن كانت على وشك إنهاء اختصاصها في كلية الفنون بحلب.
أيضاً كان صعوبة التوفيق بين الدراسة والعمل من أكبر التحديات التي واجهتها تقول: “في إحدى المراحل وأنا لا أزال طالبة عملت على تدريب الطلاب على البرامج الهندسية، إضافة إلى دورات الرسم”.
الآن تعمل مشاعل على تأسيس معرضها الخاص لافتتاحه مطلع شهر نيسان المقبل بتصميماتها، وفيما يتعلّق بالدعم المادي تعمل عائلتها على دعمها بجزء معيّن، إضافة إلى أرباح مشاريعها التي تعمل على بيعها لشركات خاصة.
تختلف قصص الكفاح والنجاح والقدرة على تغيير الواقع من سيدة لأخرى بحسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية وظروف أخرى، لكن في جميع الأحوال أثبتت المرأة السورية جدارتها في كل مكان وُجدت فيه.
فاطمة تروي لـ”روزنة” قصة نجاحها وقدرتها على الخروج من واقع اجتماعي ومادي متردي إلى واقع أفضل، دعمت عائلتها وتمكّنت من تدريب سيدات لإعالة أسرهن.
من لاجئة إلى مدرّبة
2012 كان عاماَ مفصلياً لفاطمة، 46 عاماً، مرّت خلاله بمراحل عديدة حوّلتها من ربة منزل في اللاذقية إلى سيدة لاجئة في أحد مخيمات تركيا ومن ثم مدرّبة لعشرات السيدات السوريات على مهنة الكروشيه “الصوف” في عدد من المراكز والمنظمات، بينهن سيدات من ذوات الإعاقة.
لجأت فاطمة شاكر مع زوجها وأولادها الثلاثة إلى تركيا عام 2012 بسبب الحرب، واستقرت في مخيم “ييلداغ” في ولاية هاتاي جنوبي تركيا، لمدة 3 سنوات ونصف.
الظروف المعيشية المتردية في المخيم دفعتها للعمل في مهنة الصوف “الكروشيه” من أجل إعالة أسرتها، في مخيم من الصعب إيجاد عمل فيه، لم تعيل عائلتها فقط بل ساعدت الكثير من نساء المخيم على تعلّم المهنة لإعالة أسرهن.
وبعد سنوات من المعاناة في المخيم استطاعت بفضل عملها الخروج منه إلى مدينة الريحانية عام 2015 “وقت قررنا نطلع من المخيم اضطريت للعمل لنقدر نعيش حياة كريمة بدون حاجة أي أحد”.
بدأت بالعمل مباشرة مع منظمة “المرأة” في تدريب النساء على مهنة “الكروشيه”، لمدة عام، كما عملت لمدة 4 سنوات في المونة المنزلية وبيعها “قدرت ساعد زوجي وقدّم لعائلتي” تقول فاطمة.
منذ عام ونصف استطاعت فاطمة تدريب أكثر من 200 سيدة على أعمال الصوف في “المركز التايواني” في الريحانية التابع لتايوانيا “النساء في المركز يأخذن أجراً جيداً مقابل عملهنّ” توضح فاطمة، بالتزامن مع عملها في مركزي “صناع الحياة” و “فايز مطر” لذوي الإعاقات، أيضاً عملت فيهما على تدريب السيدات للمهنة.
“أنا سعيدة جداً لكوني وصلت إلى تلك النتيجة المرضية، وما يسعدني أكثر هو تعليم السيدات اللواتي استطعن أن يحصلن على مدخولهنّ الشخصي وهنّ في المنزل” تقول فاطمة.
من 2012 إلى اليوم درّبت فاطمة أكثر من 500 سيدة على مهنة الكروشيه، إضافة إلى تصدير عملها من الصوف إلى تايوانيا كسيدة محترفة للمهنة.
انتصار على العادات الاجتماعية
في عائلة تفرض على الفتاة الزواج التقليدي من ابن مدينتها حلب، وتعتبر الحب جرماً لا ينبغي التفكير فيه، إضافة إلى عادات أخرى مثل منعها من العمل سواء كانت في منزل عائلتها أو زوجها، فضلاً عن تحجيم أدوارها لتكون ربة منزل في خدمة زوجها ليس إلا.
تلك الأمور خلقت لدى صفاء، الشابة البالغة من العمر 20 عاماً، حالة من التمرّد على واقعها، ورفض الزواج من أي أحد بذات العقلية، وهو ما اعتبرته العائلة ضرباً من الجنون.
تعلّمت صفاء في جامعة حلب، وجمعتها الصدفة مع شاب من طائفة أخرى من مدينة حمص، تطوّرت العلاقة إلى قصة حب ومشروع ارتباط، لكن الأمر ذلك قوبل بالرفض من معظم أفراد عائلتها لكون الشاب من طائفة أخرى وذي عقلية متحررة لا تناسب بيئة الشابة المنحدرة منها، إضافة لكونه لا يزال طالباً في طور التأسيس.
“الكثير من العائلات في مدينة حلب ترفض تزويج بناتها لشاب من خارج المدينة، كما ترفض الأشخاص من ذوي التفكير المختلف، وهذا ما حصل معي” تقول صفاء، وتضيف: “العائق الأكبر كان بيئة الشاب والطائفة التي ينتمي لها”.
جميع أفراد العائلة كان رافضاً لفكرة زواج صفاء من شاب أحبته، فالحب “انفلات” هكذا تصفه عائلتي، تقول لـ”روزنة”.
“حريتي واختياري الزواج بمن أحب كان هدفي وهذا ما حصلت عليه بعد عامين من الصراع العائلي” في عام 2015.
تعتبر صفاء ما فعلته إنجاز كبير استطاعت من خلاله الحصول على حريتها مع شريك حياتها، وتحقيق ذاتها من خلال العمل بمهن متعددة وفق خبراتها ، في وقت كانت بيئتها تمنعها من ذلك.
إيمان حمراوي _ روزنة