انفجار الشرق الأوسط عند العتبات الحرجة.. الحرب الإسرائيلية الإيرانية

أسماء رزوق _ سيريا برس

لا يمكن الحديث عن الشرق الأوسط دون استحضار دخان الحرب، وأصوات الانفجارات غير المعلنة، وتلك التغيّرات الجيوسياسية التي تتسلل تحت ركام الأخبار. المواجهة بين إسرائيل وإيران خرجت من مربع التصعيد التقليدي إلى حدود الحرب المركبة، المتعددة الأوجه والنوايا. إنها ليست معركة بين جيشين، بل صراع إرادات يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربي، ومن طهران حتى واشنطن، تحت قبة مقاومة واحتلال، وما خفي أعظم.

لقد تجاوزنا اللحظة التي يُسأل فيها “هل تقع الحرب؟” فالحرب واقعة بالفعل، لكنها تتخذ وجوهًا متعددة: ضربات جوية نوعية، حرب سيبرانية، صراعات بالوكالة، اختراقات استخباراتية، وضربات موجعة في العمقين، حتى تاهت بوصلة التحليل في تركيبة المنتصر.

ليست هذه المواجهة وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكم عقود من العداء المتصاعد، منذ الثورة الإيرانية عام 1979، حيث بدأت إيران ببناء مشروعها الإقليمي من منطلق أيديولوجي وعسكري مضاد للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي. في المقابل، رأت إسرائيل في هذا المشروع تهديدًا وجوديًا، لا سيما مع تصاعد البرنامج النووي الإيراني، وتوسّع أذرع طهران في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

الضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية في سوريا كانت مقدمة مبكرة لهذا الانفجار، لكنها لم تكن كافية لردع المشروع الإيراني، فباتت الحاجة ملحة وخاصة بعد إضعاف محور المقاومة بأهم ميليشياته.

الحرب وقعت بالفعل، لكن بأقنعة كثيرة، ووجوهٍ تتبدل بين العلن والظل. لحظة الانفجار لم تكن مفاجئة ما يحدث اليوم بين إسرائيل وإيران ليس حدثًا مفاجئًا بل تتويجٌ لعقودٍ من التراكم السياسي والاستخباري والعسكري.

الضربة الإسرائيلية التي استهدفت العمق النووي الإيراني، لم تكن مجرد هجوم تقني، بل إعلان صارخ بأن تل أبيب لن تقبل بإيران نووية ولو كان الثمن حربًا إقليمية.

في المقابل، جاء الرد الإيراني مرنًا ومفخخًا بالرسائل، لا تراجع، لكن لا حماقة، ضربات تقاوم ولا تقتحم، ولكلا المتحاربين أهداف خفية، لاتضع المنطقة في وضعية الأمن والاستقرار.

إسرائيل تسعى لإعادة ضبط التوازن الإقليمي، وإنهاء ما تسميه “زمن التغاضي عن محور المقاومة”، وتثبيت نفسها قوة غير قابلة للمنافسة في المنطقة، لم يبقى لها حدود لأن اتفاقيات الأمس من الطبيعي أن تتطور مع تتطور الأحداث والذرائع.

إيران تقاتل على أكثر من جبهة حاجة في حفظ مشروعها النووي، ثم أن ألا تنكسر داخليا، وأن تثبت أنها لاعب إقليمي لا يُمكن شطبه. وخاصة بعد خسارات متتالية لكثير الحلفاء للأقليمين والدوليين.

كلا الطرفين يريد فرض قواعد اشتباك جديدة، تجعل كل طرف يدفع ثمن أي تهور مستقبلي، وتُرعب من خلفهم…وتجعل الأرض على أهبة الانفجار

قد يكون سؤالنا اليوم ما الذي تغيّر هذه المرة؟ الخطوط الحمراء تم تجاوزها التمادي التصريحات كل شيء في فجاجة الطرح والمصلحة، إيران تلقت ضربات في العمق، وإسرائيل باتت مكشوفة أمام هجمات دقيقة.

التحالفات تتصدع لا أحد يريد أن يتورط بشكل مباشر، الخليج يراقب، وأمريكا تحاول الإمساك بالعصا من المنتصف، وروسيا تنتهز الفراغ، الداخل الإيراني يغلي و الاقتصاد على وشك الانهيار، والشارع أكثر انقسامًا من أي وقت.

 من الواضح أننا تحت عتبة الاستنزاف البطيء يدخل الطرفان في معركة عضّ الأصابع وكسر شوكة الأنا .

ضربات محدودة، هجمات سيبرانية، اغتيالات، تصعيد إعلامي، وتكتيك “اضرب ثم تفاوض والخاسر من يقبل باتفاق تاريخي مذل.

هذا السيناريو مرجح في حال تدخلت واشنطن لكبح التوسع، إلا إذا كان الانفجار الإقليمي أكبر لتنفلت الأمور من عقالها، ويدخل “حزب الله”، و”أنصار الله”، و”الحشد الشعبي” على خط النار ولو كانوا بكامل ترهلهم لتستعيد المنطقة ساحة حرب شاملة من المتوسط حتى الخليج. نتيجته دمار، وانهيار اقتصادي، وربما ترسيم حدود جديدة لدول منهكة، اقتتال جوي اقتصادي سياسي سلطوي.

وأخيرا احتمال الصفقات الدامغة في تدخل المجتمع الدولي لفرض تسوية مهينة على إيران، مقابل وقف النزيف. تسوية لن تنهي الصراع، بل ستؤجله حتى الجولة القادمة وربما تكون الأخيرة.

ما يحدث الآن ليس نزاعًا على منشأة أو صاروخ. إنه صراع وجود، على من يحق له أن يتكلم باسم المنطقة، من يرسم الخرائط، ومن يُقصى، إسرائيل تقاتل كي تبقى القطب الأوحد. وإيران تقاتل كي لا تُجتث من جذورها. وفي المنتصف، شعوب منهكة، دول هشّة، وعالم يتفرج ويقهقه على مقابر الحروب.

المعركة لم تُحسم بعد… لكن ما هو مؤكد أنها لن تمر دون أن تترك بصمتها على وجه الشرق الأوسط لعقود قادمة. لنمعن النظر ولنترقب خرائطنا الجديدة.

أسماء رزوق _ سيريا برس

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

صوت الحذر في زمن الانفتاح.. سوريا على مفترق طرق

سامر الطه_ سيريا برس يبدو أن شرفة جديدة بدأت تنفتح، ليطل منها الشعب السوري على محيطه العربي والاقليمي، ونتمنى أن تكون ممر لفتح بوابة كبيرة...

ابحث عن تقاطعك معي.. لا عن قطيعتي

سامر الطه_ سيريا برس  في رسالة الإسلام، تبدأ فكرة التغيير من الداخل، من الإنسان نفسه. فالتغيير ليس مجرد شعار يُرفع أو رسالة يُنادى بها،...

أفكار وآمال السوريين بين الاغتراب والداخل

اتسعت ابتسامة السوريين ذلك الفجر المفعم برائحة الياسمين وبعبق قلوب الأمهات تناجي أولادها "تحررنا هل من عودة"، دموع انهمرت لساعات حول العالم كغيمة صيف...

الحرب الثانية في درعا.. الجفاف ونزيف البشر

على كتف بحيرة، أضحت أثرًا بعد عين، ترامت مراكب صغيرة حملت ذكريات المصطافين لسنوات طويلة غير معلومة، واضمحلت المياه إلى أن تلاشت، ثم تحول...

مستشفى تشرين .. مصنع شهادات الموت المزورة لآلاف المفقودين السوريين

الصور الصادمة التي شاهدها العالم لآلاف السوريين وهم يبحثون عن ذويهم المعتقلين والمختفين في سجن صيدنايا، بعد سقوط حكم الرئيس السوري المخلوع بشار...
Exit mobile version