غصون أبو الذهب_ syria press
تفرض الحكومة التركية قيوداً على تسجيل الأجانب في عدد من الأحياء السكنية، بهدف تخفيف تركيز الكثافة السكانية في عدد من المناطق التي يزيد عدد السكان الأجانب فيها عن 20 في المائة من إجمالي السكان، وانعكست هذه القرارات سلباً على حياة اللاجئين السوريين، حيث أصبح البحث عن مسكن جديد للآجار قضية شائكة، استغلها أصحاب العقارات لرفع قيمة الآجار بنسب تتجاوز الزيادات القانونية بأضعاف مضاعفة، وباتت خيارات اللاجىء السوري محدودة بين الخضوع للأمر الواقع بالزيادات الجشعة للمؤجرين أو التفكير الجدي بالخروج من تركيا إلى بلاد تعتبر السكن بموجب القانون الدولي حقّاً من حقوق الإنسان، ولا يكون السكن لائقًا فيها إذا كان معزولاً عن فرص العمل، وخدمات الرعاية الصحية، والمدارس، ومراكز رعاية الأطفال، وغيرها من المرافق الاجتماعية.
مصائب حلت على اللاجئين السوريين
أوضحت لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، أن من خصائص الحق في السكن اللائق، أن يعيش الأنسان في مكان معيّن بأمان وسلام وكرامة، وأن يكون قادراً على تحمل الكلفة بما لايحرم القاطنين فيه من حقوق الإنسان الأخرى أو تقوّضها. وهذا مايفتقد له السوريون وفق رأي الأستاذ “سامر الطه” المقيم في مدينة إسطنبول، الذي قال في حديث إلى “سيريا برس“، أن يتحول راتب الموظف ليسد فقط آجار المنزل وفواتيره فتلك مصيبة كبيرة حلت على رأس السوريين، تتفاجئ عندما يطرق بابك المؤجر ليخبرك بأنه يريد زيادة على الآجار بمقدار 400%، فتعتقد أنه يمازحك وتدرك عند تكرار الكلمة أنه جاد، تبادره بأن القانون ينص على 25% فقط زيادة الآجار السنوي، فيكون الجواب إما تدفع أو تفرغ المنزل أو يتظاهر صاحب المنزل أنه قام ببيع العقار والمشتري يريد السكن فيه.
أقر البرلمان التركي مُنتصف عام 2022 تعديلاً على قانون معدل زيادة إيجار العقارات في تركيا والذي ينص على وضع حد أعلى للزيادة المسموحة للإيجار عند 25%، وذلك بعد المبالغة من المُلاك برفع قيم الإيجارات لنسب تجاوزت 50% في بعض الأحيان معللين ذلك بزيادة مؤشر التضخم في تركيا وارتفاع تكاليف المعيشة.
ويضيف “الطه”، عندما هممت بالبحث عن منزل وفي ظل الحظر المفروض على أغلب المناطق التي تمنعك كلاجئ من السكن فيها، وفي ظل الغلاء والتضخم والجشع لم أعثر على منزل يناسب دخلي في المناطق المتاحة، ما اضطرني العودة لصاحب منزلي، رغم أن جميع سكان المبنى مهددين بالإخلاء بين لحظة وأخرى بانتظار قرار البلدية المتعلق بسلامة البناء بعد الزلزال المدمر الأخير الذي ضرب تركيا، ودخلنا في دوامة طالت مدتها 5 أشهر من الخلافات والأخذ والرد انتهت بزيادة مقدارها 300%، طبعاً كل هذا بعيداً عن القانون خوفاً من أن يتم تسجيل ملاحظة في سجلي لدى الحكومة، بأنه تم فتح دعوى بحقي من قبل طرف آخر بغض النظر عن النتائج.
تقول الأستاذة المحامية “ميرا مقبلجي”، في قانون الإيجار شروط وضوابط تنظم العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر حيث أن على الطرفين التزامات اتجاه الطرف الأخر بحال تجاوزها يتم اللجوء إلى القضاء، وقد تم تحديد نسبة 25 في المئة زيادة الآجار على العقارات السكنية حتى نهاية شهر تموز/ يوليو 2022 وتم تمديدها إلى عام 2024، ويعاني اللاجؤون معاناة شديدة بموضوع البحث عن منزل، لعزوف أصحاب العقارات عن تأجير السوريين حتى من حاملي الجنسية التركية، ولايوجد تثبيت للنفوس حيث أصبحت أكثر الأحياء مغلقة في إسطنبول وهذا سبب أزمة شديدة، أدت إلى رفع أصحاب العقارات قيمة الآجار متجاوزين النسبة القانونية بأضعاف.
يجب إعادة النظر بالقوانين الخاصة باللاجئين والمقيمين على الأراضي التركية، المتعلقة بتحديث البيانات وتغيير عنوان السكن وما يتعلق بالأوراق الثبوتية، بحسب رأي “الطه”، فمن غير المنطقي أن نكون مثلاً أنا وزوجتي يحمل كل منا عنوان سكن يختلف عن الآخر، وابنتي مقيدة على عنواني كونها تحمل الكيمليك (هوية) مثلي، بينما زوجتي تحمل إقامة سياحية في عنوان مختلف، وعندما طلبت موعداً لتحديث البيانات الخاصة بي، وصلني الموعد بعد 3 أشهر وعندما ذهبت منحوني وابنتي هويات جديدة، ورفضوا تغيير عنوان السكن بحجة أن الدائرة المتواجد فيها لا تتبع لمكان السكن.
وتم توجيهي للإدارة الرئيسية في بيازيد وعندما وصلت هناك طلب مني الموظف رسالة الموعد وعندما أظهرتها، قال لي أنها لدائرة أخرى وبالتالي غير مقبولة، رغم أني شرحت لهم ما جرى معي وأن الموظفين هناك هم من أرسلوني إلى هنا وأكدوا لي أني لا أحتاج لدور جديد، طبعاً باءت كل محاولاتي بالفشل، ولو أن حظي أفضل لقابلني موظف آخر وقام بكل الإجراءات بسلاسة، ولكن هو الحظ فقط يتحكم بمصيرك في ظل عدم وضوح القوانين وترك العملية التنفيذية لها بيد الموظف وعلى حسب فهمه للقانون أو مزاجيته أو مقدار تعاطفه وحبه للسوريين على وجه الخصوص.
استغلال القانون
يستغل أصحاب العقارات السكنية القوانين لإخلاء المستأجر رغبة منهم برفع الإيجار ويدعون أنهم يريدون السكن في المنزل أو تزويج أحد أبناءهم، وهذا بالضبط ماتعرضت له اللاجئة السورية “نسيبة م ” التي تقطن في منطقة الفاتح بمدينة إسطنبول، وتقول في حديثها إلى “سيريا برس”، حاول صاحب العقار رفع أجرة المنزل من 3000 إلى 9000 ليرة تركية، فرفضت وحاولت التفاوض معه على مبلغ معقول ولو تجاوز النسبة القانونية ولكنه رفض، وخيرني بين الدفع أو الإخلاء بحجة أنه يريد السكن في المنزل، استشرت محامياً بعد محاولات التضييق والإزعاج الذي سببها صاحب المنزل لي وتهديدي بالمحاكم، وأخبرني المحامي بأنه يحق للمؤجر إخلائي قانوناً في حال أراد الإقامة في عقاره هو أو أحد أقاربه من الدرجة الأولى، ونصحني بالتفاوض معه.
في النهاية اضطرت “نسيبة” إلى الرضوخ لطلبات صاحب المنزل ودفع الأجرة حسب طلبه، وذلك بعد اكتشافها صعوبة نقل السكن بذات الحي بسبب المبالغ الكبيرة التي ستدفعها من تأمين وبدل دلالة للسمسار ومصروفات النقل، وكذلك لاستحالة النقل إلى أحياء أخرى بسبب الإغلاق الحكومي.
يقول الأستاذ “أنس العجمي” مقدم خدمات عقارية واستشارات قانونية في مدينة إسطنبول، أن القرارات الحكومية بإغلاق الأحياء السكنية أمام الأجانب أدت إلى ارتفاع قيمة آجار المنازل بشكل جنوني تجاوز الزيادة القانونية المسوح بها لأضعاف، وذلك ترك آثاراً سلبية على الأجانب ومنهم اللاجئين السوريين وعلى المواطنين الأتراك أيضاً، وبقيت المناطق المغلقة التي يقطنها الأجانب مثل الفاتح وأسنيورت وباشاك شهير كما هي من حيث الكثافة السكانية، واستغل المؤجر قرارات إغلاق الأحياء ورفع الإيجار لأضعاف مخيراً المستأجر بين القبول أو إخلاء المنزل، وبعض المؤجرين يوقعون المستأجر على ورقة إخلاء العقار مع عقد الإيجار في آن واحد.
تقول الأستاذة المحامية “ميرا مقبلجي”، يحق للمالك إخلاء المستأجر في حالة عدم التزامه بسداد قيمة الإيجار شهرياً أو التأخير بالدفع، وإذا تسبب بأضرار بالمنزل، أو عمد إلى إجراء تغييرات وتعديلات تغير أوصاف العقار بدون إذن صاحبه، أو في حالة أساء استعمال المأجور( حفلات، أصوات صاخبة..). لذلك أنصح المستأجرين بسداد قيمة الإيجار خلال الخمسة أيام الأولى من كل شهر، ولفتت إلى أن عقد الإيجار يتجدد تلقائيا ولكن على المستأجر إضافة نسبة الزيادة المنصوص عليها كل عام، وفي حال اعترض صاحب العقار على الزيادة عليهم بالتفاوض أو اللجوء للقضاء، وأشارت إلى أن بعض المؤجرين يلجأون إلى إخطار المستأجر بالإخلاء ويجب على المستأجر الرد على الإخطار بطريقة قانونية ليحفظ حقه القانوني في البقاء بالمنزل.
وتوجه “العجمي” بالنصح إلى اللاجئين السوريين بعدم الرضوخ لطلبات المؤجرين بالإخلاء حتى لو حاولوا الضغط بأساليب وطرق غير قانونية، وعليهم رفع دعوى على مالك العقار والتي غالباً تحتاج ما يناهز عامين حتى صدور حكم لصالح أحد الطرفين، وبهذه الحالة يدفع المستأجر الإيجار عن طريق البنك أو النوتر لضمان وجود مايثبت الدفع، وهذا ما لايحبذه المؤجر لأنه بذلك يضطر إلى دفع ضرائب دخل الإيجار، ويرى “العجمي” أن على الحكومة التركية إعادة النظر في قرار إغلاق الأحياء أمام الأجانب لتخفيض قيمة آجار المنازل.
وفق البيان الصادر عن رئاسة إدارة الهجرة التركية، في 16 تموز / يوليو 2023 “إجمالي عدد المهاجرين الموجودين في عموم تركيا بلغ حتى اليوم 4 ملايين و893 ألفا و753 شخصا، وتجاوزت نسبة المهاجرين في 1169 حيًا بعموم تركيا 20 بالمئة من إجمالي عدد السكان الأتراك في تلك الأحياء، بينهم 54 حيا في اسطنبول، مشيرة إلى أنه بهدف تقليل الكثافة المتركزة فيها، تم إغلاق باب تسجيل الأجانب الجدد في تلك الأحياء”.
على الرغم من أن هذا التنظيم هو حق مشروع للحكومة التركية إلا ان كان له تداعيات شديدة الوطأة على اللاجئين السوريين، زادت من حالة القلق على استقرارهم وقدرتهم على تأمين السكن اللائق، الذي يعتبر حقًّا من حقوق الإنسان وفق المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948 والمادة 11.1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966. ومنذ ذلك الحين، اعترفت معاهدات دولية أخرى في مجال حقوق الإنسان أو أشارت إلى الحق في السكن اللائق أو بعض عناصره، مثل حماية منزل الفرد وخصوصيته. وأكدت إلى وجوب إعمال هذا الحق من خلال سياسات وبرامج حكومية ملائمة، بما في ذلك استراتيجيات الإسكان الوطنية .
غصون أبو الذهب _ سيريا برس
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR“صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.