ارتفع مؤشر الطلاق مؤخراً في المجتمع السوري، سواء بالداخل السوري أو في بلاد المهجر بشكل غير مسبوق بحيث إن بعض الزيجات انتهت بعد أشهر قليلة من الزواج.
في أيار/مايو الماضي، كشف القاضي الشرعي الثالث خالد جندية في دمشق ازدياد معدلات الطلاق في العاصمة، مشيراً إلى أن 30 ألف حالة زواج و 10 آلاف حالة طلاق سُجّلت في دمشق خلال عام 2020، والحال في دول المهجر أكثر تفاقماً.
كشف القاضي الشرعي الثالث في دمشق، أمس الخميس، عن ازدياد معدلات الطلاق المسجّلة في العاصمة السورية خلال الفترة الأخيرة وأبرز أسبابها.
وذكر القاضي الشرعي أن نسب الطلاق إلى الزواج باتت متقاربة خلال السنوات الأخيرة، معتبراً أن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل على تضخيم أرقام حالات الطلاق التي هي في الحقيقة أقل من معدلات الزواج.
ما الأسباب التي تودي بالأزواج للطلاق ولماذا تزايدت نسبة الطلاق في السنوات الأخيرة؟
يسارع البعض لاتهام التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي بتضخيم المشكلات والتحريض على الطلاق، بينما يعلق آخرون فشل العلاقة الزوجية على شماعة الظروف الاقتصادية والمادية، بينما يعرض آخرون أسباب كثيرة أخرى تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة تهدم الأسرة وبالتالي النسيج الاجتماعي بكامله.
وبحسب القاضي الشرعي خالد جندية، يعود ازدياد نسب الطلاق إلى ارتفاع معدلات الفقر، الذي يؤثر على مستوى المعيشة وبالتالي ظهور المشكلات بين الزوجين.
كما أن عدم الانسجام الفكري والتفاهم بين الزوجين، هي أسباب أخرى قد تؤدي إلى الطلاق.
للاقتراب أكثر من هذه الظاهرة الاجتماعية التي تهدد النسيج الاجتماعي الذي يمر بظروف قاهرة بسبب الحرب، والوقوف على أسبابها وحيثياتها، يحاول موقع “تلفزيون سوريا” في هذه المادة تسليط الضوء على هذه الجوانب.
بين الشرع والقانون
يقول الدكتور محمد حبش، إن هناك اتفاقا بين كل علماء الشرع والفقهاء وخبراء المجتمع أن مسؤولية الأمة هي الحفاظ على الأسرة، وعدم اللجوء إلى الطلاق إلا عندما تتعذر الحياة لأسباب جوهرية.
ويضيف حبش، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، لا شك في أن ازدياد مؤشر الطلاق شيء سيئ جداً، ودليل على انهيار واقع الأسرة، والبعد عن أحكام الشرع الإلهي الذي يهدف لبناء أسرة سليمة.
دور مواقع التواصل الاجتماعي
في حين يرى الباحث الإسلامي أن العالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي هي أداة محايدة قد تستعمل لتحسين ظروف بناء الزواج والأسرة وقد تستعمل لتدميرها.
ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً لافتاً في إتمام العديد من الزيجات في السنوات الأخيرة نتيجة التهجير وتفرق الأسر، فكانت تطبيقات “الواتساب” و”الفيس بوك” مكاناً مناسباً للتعارف والاتفاق على الزواج.
وأجازت المحاكم الشرعية في دمشق قبول التوكيل في عقد القران عبر الإنترنت، عن بعد، تسهيلاً على صعوبات الحضور ومحاذير السفر.
ويقول حبش، لذلك أنا شخصيا لا أرى في انتشار وسائل التواصل الاجتماعي سبباً لاتهامها بأنها وراء تدمير الزيجات أو بنائها، هي أداة قيمتها في توجه من يستخدمها.
وبحسب الباحث، فإن الإنسان هو المسؤول عن خياراته، يعني تماما كما نشاهد حياد “غوغل” عند إجراء عمليات البحث هو فقط يعرض النتائج الموجودة، لذلك لا يمكن اتهام غوغل بالتآمر.
في المقابل، المحامي علي حنيفي، الذي تولى مرافعات في العيدي من حالات الطلاق، يحمل وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية الأكبر.
ويقول حنيفي، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، تعتبر التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي أحد أسباب تصاعد نسبة الطلاق، ولكنها ليست السبب الرئيسي وحدها.
ويضيف المحامي، أصبحت هذه المواقع والتطبيقات في الوقت الراهن كالقنبلة الموقوتة في المنازل، وهي غالباً ما تتضافر مع الصعوبات المادية.
ويوضح في قوله، فالمرأة أصبحت ترى وتشاهد أشخاص يتنعمون بالرفاهية وصيحات الموضة وأجواء السهر، مما يخلق لديها شعور بالنقص وعدم الاكتفاء، الأمر الذي ينعكس على حياتها مع زوجها وتخلق بينهم مشكلات كثيرة ناجمة عن عدم رضاها عما يقدمه الزوج الذي بدوره يعاني من ضغط الأوضاع الاقتصادية وصعوبات تأمين المعيشة ومتطلبات الحياة.
وبحسب المحامي حنيفي، هناك سبب آخر مهم للطلاق بالوقت الحالي وهو التغيير الديمغرافي الذي حصل في الفترة الأخيرة، فبعد أن كانت الحياة والعادات الاجتماعية ضمن قالب معين، انفتحت الأسر على ثقافات أخرى وعادات جديدة مع الانتقال لبلدان المهجر مما خلق هوة في التفكير والعادات بين أفراد الأسرة الواحدة.
أسباب متعددة
خلود المحمد (29 عاماً)، امرأة سورية مطلقة وأم لطفلين، تروي تجربتها في كيف أن مواقع التواصل الاجتماعي هدمت بيتها الزوجي.
وتقول خلود، عانيت كثيراً من إهمال زوجي لي، ومن العنف اللفظي والجسدي، لأكتشف في أحد الأيام أنه يقيم علاقات مع نساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويعيش معهم قصص حب وحالة من الرومانسية التي افتقدتها بشدة في حياتي.
وتضيف خلود، وصل الأمر بزوجي بأنه يصف “لحبيباته الافتراضيات” الظلم الذي يعاني منه معي.
وتتابع خلود، انهارت كل آمالي في إصلاح العلاقة بيننا، كما انهارت ثقتي به، ووصلنا للطلاق، الذي يدفع الآن ثمنه أولادي.
أما سمر الحاج عمر (21 عاماً)، مقيمة في حلب، لم يدم زواجها سوى سنة الذي بدأته بسبب الفقر وأنهت بسبب تدخل أهل الزوج بحياتها.
وتروي سمر قصتها بالقول، إن الظروف الاقتصادية الصعبة هي التي دعتني للقبول بالزواج في بيت أهل زوجي، لكن الموضوع لم يكن بهذه السهولة فقد كان تسلط أهله على حياتنا “لا يطاق”.
وتقول سمر، أهل زوجي يتدخلون بطريقة لبسي وأكلي وحديثي ومتى عليّ أن أخرج أو أجلس بالمنزل، لم أحس بأي استقلالية أبداً.
وتضيف، انهارت أحلامي عن تلك المملكة التي أحلم ببنائها كأي فتاة مقبلة على الزواج، وفي ظل غياب دعم زوجي لي تحت مبرر رضى وبر الأهل لم أستطع إكمال سنة من زواجي الذي انتهى بالطلاق.
بدوره، فارس السيد (38 عاماً)، يقيم في حمص، تزوج من فتاة جامعية في حين لم يكمل هو تعليمه.
ويقول فارس، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، لم أكمل تعليمي وانخرطت في سوق العمل مبكراً، ونظراً لوضعي المادي الجيد، تزوجت من فتاة جامعية.
ويضيف، كان الفارق الفكري كبيراً وواضحاً بيننا من حيث النظرة للحياة ومتطلباتها وطريقة معالجة الأمور، حاولنا أن نتجاوز المشكلة كثيراً، إلا أنها لم تستطع التخلي عن النظرة المتعالية لديها.
“مع الأسف انتهى زواجنا بالطلاق، بعد أن أثمر عن طفلين توءم، يدفعون ثمن الطلاق بعدهم عن أمهم” على حد قول فارس.
أما ختام عيسى، فهي امرأة سورية مقيمة حالياً في ألمانيا، أم لثلاثة أولاد، انفصلت عن زوجها لأنهما لم يستطيعا الانسجام.
وتقول ختام، لم تكن حياتي متوازنة عندما كنت في بلدي، نظرة زوجي للزواج على أنه السيد الآمر الناهي وأنا دوري فقط التنفيذ، الحرمان من المشاركة في اتخاذ أي قرار حتى طريقة ملابسي واختيار صديقاتي، فما بالك بالقرارات المصيرية.
وتضيف، كل هذا خلق لدي شعور بأني سجينة لكنني كنت أخشى الطلاق بسبب نظرة المجتمع، وما قد ينتج عنه من حرماني لأولادي، الثلاثة.
ووفقاً لقول ختام، على الرغم من هجرة أسرتها إلى ألمانيا، لم تستطع تغيير أفكار زوجها بأن الحياة تشاركية.
وتتابع قولها، لكني وجدت في ألمانيا مجتمعا وقانونا يحميني ويحمي أطفالي، واتخذت القرار بالطلاق وتابعت حياتي مع أولادي، موضحةً بأنه “ليس من السهل اتخاذ قرار الطلاق لكنه ليس أسوأ من الشعور بالعبودية”.
وضحى العثمان _ تلفزيون سوريا