حياة النساء مليئة بالأسرار التي يبقَين رازحات تحت ثقلها طوال حياتهن، إما لاعتقادهن بأنها ذنوب لا تغتفر أو بسبب غياب من يسمعهن، لحرية المرأة حدود وضوابط وبناء عليها يجب أن تكون أقوال المرأة وما تتلفظ به من كلام مدروس ومتزن وإلا فإنها تُعاقَب، وإن لم تعاقب بشكل مباشر فهي تعاقب عبر نبذها أو بإحساسها الداخلي بالذنب والذي تتربى عليه ويتحكم بها دون قصدها، إن هي أخطأت القول أو تجاوزت ما سمح لها به، تختلف نسبة حريتها في التعبير عن نفسها بين بيئة وأخرى في المجتمعات العربية، إلا أنها بشكل عام ومهما تحررت البيئة التي تنتمي لها فهي مكبوتة القول والفعل تراقب نفسها طوال الوقت. كيف يؤثر ذلك على حياتها ووجودها.
هل تستطيع النساء التحدث عن مشاكلهن بحريّة؟
“لا أعلم ما هي مشكلتي تحديدا، تزوجت من رجل يكبرني بعشر سنوات بعد سنة واحدة لم يعد يكلمني أو يسمعني، نحن سوية حتى الآن بسبب الطفلة التي أنجبناها، كنت أريد أن نصنع أسرة متفاهمة وهو يرفض أن يكون لي وجود أو صوت”.
تتحدث مرام العيسى، لـ”الحل نت” وهي سيدة في الثامنة والعشرين من العمر، مقيمة في مدينة حماة، عن تجربتها مع الرفض من قبل زوجها لرأيها وعن مشاكلها في العلاقة لتتحول تلك العلاقة لقطيعة تامة.
عدم القدرة على التعبير لها أشكال متعددة، تبدأ من التفاصيل الصغيرة في الحياة، إن كان بعلاقة المرأة مع زوجها ورأيها بكيفية عيش يومها أو تربية أبنائها، ليمتد ويشمل الجوانب الأخرى كالحياة الاجتماعية وحريتها في التعبير عن ذاتها ثقافيا وسياسيا وغيرها.
لقد تم خداع النساء طويلا حتى أصبحن غريبات عن أنفسهن، ما يتحدثن به لا يمثل مشاكلهن الحقيقية، وتغيب هذه المشاكل عن مدركاتهن بسبب جهلهن بأنفسهن، وعلى الرغم من ذلك يُمنعن من التعبير والقول حتى وإن كان قولهن لا يشكل تهديدا لأحد.
ترتبط إمكانية التعبير بالجنس حيث تتربى الفتاة على قائمة من المحظورات منذ طفولتها والتي تصبح مع الوقت جزءا من شخصيتها وتصنف على أنها سمة أنثوية، عكس الذكر الذي يُدفع دائما للتعبير عن ذاته، هذا المنع الذي يمارس على المرأة يتحول لحالة من الكبت التي تقبع تحتها طبقات من الرغبات والسلوكيات التي قمعت متحولة إلى غضبٍ لم يعبر عنه أيضا وغالبا ما يأخذ أشكالا نفسية أخرى كالإحباط والاكتئاب، ومع ذلك يؤخذ على المرأة أنها كثيرة الكلام دون معرفة السبب وراء ذلك، إن هذه الحاجة المستمرة للتحدث هي محاولات فاشلة منها للتعبير عن نفسها، وسبب فشل هذه المحاولات هو الخوف الذي يمنعها من قول ما تريد فيتحول حديثها إلى ثرثرة تتم إدانتها بها ووصفها وتقييمها على أساسها.
الصحافة ودورها في تسليط الضوء على مشاكل النساء
تنتشر هذه الأيام على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي موضوعات تناقش قضايا المرأة، تتحدث هذه المنصات بشكل يومي عن العنف والتحرش والإقصاء الذي تتعرض له المرأة في مجتمعاتنا، ما مدى فعالية ذلك وهل يشكل نقلة في واقع النساء وقدرتهن على التحرر.
“ما من أحد يقرأ هذه المواضيع” تقول ميساء أحمد (اسم مستعار لطالبة في كلية الإعلام بجامعة دمشق) معتبرة أن المشكلة في كيفية طرحها تتابع: “صحيح أن الإعلام أصبح يسلط الضوء وبكثرة على مواضيع النساء، لكنه في الوقت ذاته يزيد من العداء تجاه النسوية وحقوق المرأة دون معرفة السبب، فمع كل حملة أو قضية تُطرح تتزايد الآراء حدة في لوم النساء وكره الحركات النسوية”.
يبدو أن هذا الأمر صحيح إلى حد ما، فتكريس الصحافة للحديث عن مشاكل المرأة وحقها في مساواة الرجل، يخلق موجة من رد الفعل لدى البعض، ولكن لا يمكننا التعميم في هذا الأمر، فالوعي بمشاكل النساء ازداد لدى فئات مختلفة من المجتمع، وأصبح بإمكان الكثيرين مناقشة الأمر والانتباه لمساوئه إن كان على المرأة بحد ذاتها أو على الأسرة والمجتمع، وربما يكون للصحافة دور سلبي إن كانت من ذلك النوع الذي يبث خطابا من الكراهية أو إقصاء الآخر، وهنا من واجب المتلقي أن يكون حريصا على التمييز بين المواقع المهنية التي تحترم قوانين الصحافة، أو تلك الغير مهنية التي تخترق جميع القوانين لتحقق الربح والانتشار وهذه كثرت مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
الكثير من المواقع الصحفية تهتم بمشاكل المرأة ومناقشتها وفهم الأسباب والجذور العميقة لها، وهذا يشكل تراكما معرفيا يزيد من وعي النساء بأنفسهنَّ ومعرفة مشاكلهن وحلولها.
التابوهات والموانع الاجتماعية
يتميز الإنسان ذكرا كان أم أنثى بميله المستمر لتأكيد ذاته، ويتجلى هذا التأكيد في وضع الأهداف والمشاريع للحياة والعمل على تحقيقها، ففي حالة المرأة السورية مثلا، تعيش معظم النساء محرومات من وضع أهداف أو مشاريع لأنفسهن، وبعضهن لا تمتلكن الحق في التفكير بذلك وتتربين على العمل على مشروع واحد “الزواج والتبعية للرجل”، وهنا تنقسم مشاكل النساء لقسمين ذلك القسم الغير مدرك المرتبط بكيانهن وتحقيقهن لذواتهن، والذي يتحول مع مرور الوقت إلى شكل آخر وهو مشاكلها في حياتها الزوجية، وتصبح تلك محور حياتها وحديثها يتركز حولها، فيما يغيب ذلك الجزء المرتبط بشخصها وإرادتها.
تحكم العادات المجتمعية والأعراف على النساء أن يبقين صامتات في الحالتين، فالفتاة التي تسعى لتكوين ذاتها وإقامة علاقة سليمة مع جسدها وعقلها ووضع الخطط والأهداف لحياتها، لا تستطيع الحديث عن المشاكل التي تواجهها والقيود التي فرضت عليها وتقف عائقا أمامها، وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة المتزوجة التي تعاني في حياتها الزوجية، تعيش قلقا دائما من الحديث عما تتعرض له من زوجها خوفا على نفسها وأولادها.
وهذا يجعل المرأة ضحية التجهيل فهي لا تعرف نفسها وما هي مشاكلها الأساسية في تحقيق ذاتها، وتتبنى مشاكل بعيدة عن جوهرها وتتعامل معها كحياة متكاملة.
الفصل بين ملكية المرأة لحياتها والملكية التي يفرضها المجتمع
“أعتبر نفسي فتاة متحررة من الكثير من القيود التي يفرضها المجتمع علينا نحن النساء، تخلصت من المفاهيم التي تعيق حياتي وتجاوزت تلك الأفكار التي تضعني في مرتبة أقل، وبالرغم من ذلك لم أنجو من الشعور بالذنب إن كنت مخطئة فيما أفعله أم لا”.
راما خضير، فتاة في السادسة والعشرين، تحدثت لـ”الحل نت” بصفتها طالبة في كلية علم النفس عن نفسها ومدى تأثير المجتمع على النساء وتعبيرهن عن أنفسهن: “أمارس العلاج الذي أتعلمه على نفسي، نحن نساء مسجونات داخل أفكار فرضت علينا، نقضي حياتنا في رفضها ومحاربتها، لنحصل على حرية تحقق الفصل بين حياتنا التي نريد و ما تلقيناه ورُسم لنا منذ طفولتنا، عدم مقدرتنا على التعبير عن أنفسنا ومشاكلنا هو شكل من العنف الذي يترك أثره على إنتاجيتنا ومدى نجاحنا في تحقيق أهدافنا، وهذا اضطهاد لنا”.
لا تستطيع النساء الفكاك من القيود المفروضة عليهن بسهولة، فحياتهن ليست ملكية فردية، إنها تابعة ومكبلة وأي سلوك يسلكنه يحسب إما لصالحهن وإما عليهن، وهذا يجعلهن غير فاعلات، الامتناع عن الحديث عن مشاكلهن أو التعبير عما يردنه هو أحد أشكال التجنب لنتائج قد لا تكون في صالحهن، لا يمكن لامرأة أن تحقق ذاتها وتكون مساوية للرجل ما لم تحصل على حريتها الشخصية كاملة وقدرتها على التحكم بحياتها والتعبير عن نفسها، والاعتراف بها إنسانا له حقوقه الكاملة، حينها ستصبح النساء قادرات على التوازن والقول والفعل دون خوف أو تردد.
ربا أحمد _ الحل نت