كان والدا الطفلة الكردية، لورا، ينتظران عودتها من المدرسة، وما حصل، أنها غابت لتجد نفسها داخل معسكر تجنيد، ضمن مجموعة من الفتيات الصغيرات وفي يدها بندقية.
تروي لورا، التي طلبت إخفاء هويتها خوفًا من الملاحقة، قصة التحاقها بمعسكرات القتال عام 2018، وكانت في الـ13 من العمر، حيث جرى أخذها من أمام مدرستها، وسط القامشلي، شمالي شرق سوريا، واصفة ما حصل بعدها بـ “كابوس” لا يفارقها.
تلتفت الفتاة الكردية “لارا” حولها بتوثّب، قائلة، “منذ وصولنا ألبسونا الزي العسكري، والتقطوا صورًا لنا كمقاتلات”.
بقيت لورا أربعة أشهر رهينة ثلاثة معسكرات تنقلت بينها، داخل كل واحد منها طفلات وأطفال جرى تجنيدهم بعد التغرير بهم.
قصة لورا واحدة من عشرات قصص تجنيد ممنهج لطفلات وأطفال شمال شرقي سوريا، وإخفاء خلف الجبال أو داخل مراكز تدريب بعيدة، أو زج على جبهات القتال والموت.
عمليات التجنيد تفضح تفاصيلها روايات الشهود، ويصنفها أهالي وذوو الأطفال كعمليات اختطاف، بينما تزعم الأطراف المسلحة أنها تجري برغبة الأطفال.
وفق الشهادات والتوثيق، فإن عمليات التجنيد تستهدف الطفلات والأطفال الأكراد، وتتم عبر “حركة الشبيبة الثورية” (جوانن شورشكر) المتهمة بالولاء والارتباط بحزب العمال الكردستاني (PKK)، بتغطية من قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكري للإدارة الذاتية، وتساهم في التجنيد مجموعات تحت مظلة الأخيرة، وعلى رأسها قوات حماية الشعب الكردية.
لا لعب ولا موسيقى ولا قصص أطفال داخل مراكز التجنيد، بل خليط من الأيديولوجيا والثقافة والدّعاية الحربية، بنادق في الأيدي، وقد تنتهي الحكاية بخبر عن مقتل طفلة أو طفل مرفق بصورة للضحية.
تلك قصّة تستقصيها “Syria Indicator” بالوثائق، نقلًا عن الضحايا من الأطفال والأمهات والآباء.
حياتكنّ للحرب
“أخذني أشخاص من جوانن شورشكر، دربونا على حمل السلاح، ولقنونا دروسًا سياسية كلها عن سروك آبو (كناية لعبدالله أوجلان)”، تقول لورا، مستعيدة تفاصيل تستفزها، وتضيف، إن أعضاء المنظمة كانوا يقولون للطفلات، “حياتكن كلها لازم تصير للحرب وبس، ولازم يكون حلمكنّ الوحيد إنو تستشهدوا”.
تأكيدًا لترسيخ ايديولوجيا تأهيل الأطفال لفكرة الموت من أجل القائد أو على جبهات القتال، جرى في نيسان 2022، توثيق مقتل الطفلة سيماف محمد حسين، المختطفة من قبل “جوانن شورشكر”، والمجندة في صفوف حزب العمال الكردستاني (PKK) في قصف تركي استهدف معسكر “مخمور” في منطقة زاب التابعة لمحافظة كركوك بالعراق.
“سيماف”، المنحدرة من مدينة المالكية بمحافظة الحسكة، جرى الكشف عن مقتلها من قبل وكالات قريبة من حزب العمال، وتم التعريف عنها بصفة مقاتل.
وتشير شهادات أهالي قابلهم التحقيق بأن أطفالهم أصبحوا مقاتلين على الجبهات، إذ يتم نقلهم إلى خطوط المواجهة في سوريا والعراق ومناطق الحدود مع تركيا.
حركة الشبيبة الثورية – جوانن شورشكر مجموعة مسلحة مرخصة لدى “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، وتمثل الجناح الشبابي لحزب العمال الكردستاني (PKK)، تنشط في تجنيد الطفلات والأطفال في مناطق شمال شرقي سوريا، وتستخدم مراكز وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) وقوات سوريا الديمقراطية (SDF) وقوات الأمن الداخلي التابعة لها (أسايش)، وتضم فصيلًا نسائيًا، وهو “اتحاد المرأة الشابة”. |
انتساب أم خطف
تحدثت الفتاة الكردية “لورا” عن إغرائها بكذبة الترفيه وعزف الموسيقى والأغاني، لتجد نفسها داخل معسكر مغلق للتدريب على القتال.
أما دلال، وهي شقيقة محمد .س تقول إن “جوانن شورشكر” أرسلت فتاة لتشجيعه على الانضمام للشبيبة والتدريب على السلاح، وإغرائه بالمال والسيارات، إذ استمرت هذه المحاولات لمدة شهرين.
تضيف دلال (اسم مستعار)، وهي من سكان عامودا، إن محمد من مواليد عام 2000، جرى تجنيده في أيلول 2015، وكان بعمر 15 عامًا.
انكروا وجوده لديهم في البداية، لكن بعد 15 يومًا اعترفوا بتجنيده، ثم جرى إخضاعه لدورة تدريبية لمدة اربعين يومًا في منطقة “ظهر العرب” المجاورة لمدينتهم، ونقل بعدها منطقة جبال قنديل وشنكال “سنجار” في شمال العراق، حسب ما تقول دلال.
تتابع، للأسف لا نعلم إن كان مات أو مازال على قيد الحياة، فقد انقطعت أخباره منذ لك الوقت، والمفترض أن يكون عمره حالياً 22 عامًا.
تشير الشهادات التي حصل عليها التحقيق، أن “جوانن شورشكر” تستغل ظروف الأطفال، وتتعمد إرسال عناصرها لرصدهم خلال تواجدهم في الحدائق العامة، أو داخل الأحياء وورش العمل التي تشغل الأطفال، يتم إغراؤهم، وإقناعهم بالانتساب حيث يمكن أن يعيشوا حياة أفضل.
سأل التحقيق بشأن الفرق بين خطف الأطفال والتغرير بهم وإقناعهم، والمسؤولية القانونية في الحالتين.
لا يوجد تمييز بينهما قانونياً، حسب خبير القانون الدولي في منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، وجوهر الموضوع هو تجنيدهم في صفوف القوات المسلحة أو إشراكهم في العمليات العدائية، سواء أكان خطفًا أو تجنيدًا رسميًا أو تم إغراؤهم، فالنتيجة هي الأساس.
والاعتبارات السابقة قد تأخذ بها المحاكم، وخاصة عند محاولة إثبات النية والنمط، وفق الخبير القانوني.
مثل دلال، يروى أدهم خليل، قصة التغرير بولده “محمد”، مشيرًا إلى أنه “اختطف” قرب منزله في منطقة عفرين بمحافظة حلب.
جرى تحديد هوية “الخاطفين”، من مراجعة كاميرات تصوير في مطعم قرب منزل العائلة، وفق ما قاله أدهم.
يضيف، أن ثلاثة أشخاص ينتمون لـ”جوانن شورشكر” كانوا يترددون على المطعم، ويقومون باستدراج الطفل وإغرائه للانخراط في صفوفهم.
بعد مراجعة الأب لمقرّ “أستارو” العسكري بعفرين، حيث يتواجد العناصر الذين جرى رصدهم بالكاميرات، اعترفوا بوجود ابنه في المقرّ، واشترطوا أن يقوم بتسليمهم واحدة من بناته الطفلات الثلاث مقابل إطلاق طفله الوحيد، كما يقول أدهم مؤكدًا رفضه هذا الشرط.
يتابع “أدهم”، لم تبق جهة لم أراجعها، وكل ما عرفته مؤخرًا أن ولدي جرى نقله إلى معسكر يتبع لـ “PKK” في رميلان بمنطقة القامشلي، وهو يخدم ضمن ما يسمى “طابور شباب عفرين”.
مضت نحو سبع سنوات على اختطاف “محمد”، بينما لا يعلم أدهم شيئًا عن حالة ولده الذي تم تجنيده في عمر 15 عامًا.
ضحايا الأيديولوجيا
يتحدث ناشطون وشهود عن خلفيات أيديولوجية لتجنيد الأطفال، يقف وراءها مناصرو حزب العمال الكردستاني.
الكاتب الكردي هوشنك أوسي، وهو أحد الأعضاء المنخرطين في الحزب سابقًا، وضمن دائرته الإعلامية حسب وصفه، تحدث عن مكونات كردية تحاول إيجاد مبررات لتجنيد الأطفال، وأن أكثر حزب عزز تجنيد الأطفال هو حزب العمال الكردستاني، “وقد وثقت هذا بنفسي”، يقول أوسي، وهو أحد أبناء منطقة شمال شرقي سوريا.
بالمقابل، يرى مدير منظمة “برجاف” للتنمية الديمقراطية والإعلام، فاروق حجي مصطفى، أن “شريحة شبابية مندفعة ومنخرطة في نضالات قومية” تطالب بحقوقها.
أكد حجي مصطفى توجه “شباب” إلى هذا الحزب أو ذاك، ومقارنتهم بين قناعاتهم وطموحاتهم والأيديولوجيات الموجودة.
يؤكد أوسي بدوره، أن حزب العمال هو المؤسسة الأم في هذا النهج، ويتفرع عنها “جوانن شورشكر” ووحدات حماية الشعب الكردية و”قسد”.
حزب العمال يتحدث عن انتساب الأطفال، والحقيقة أن ما يجري هو الخطف، وظاهرة تجنيد الأطفال تتعلق بحزب سياسي وأيديولوجي معين، والأمر محصور بحزب العمال الكردستاني.هوشنك أوسي كاتب وعضو سابق في كوادر “PKK” |
يتابع، أنا وثقت هذا النهج من الجريدة الرسمية لحزب العمال منذ التسعينيات من القرن الماضي، إذ تشير منشورات الجريدة إلى تاريخ الولادة والانتساب وتاريخ فقدان الأطفال لحياتهم وهم في أعمار الطفولة، وهناك عشرات الحالات الموثقة.
حزب العمال يتحدث عن انتساب الأطفال، والحقيقة أن ما يجري هو الخطف، وظاهرة تجنيد الأطفال تتعلق بحزب سياسي وأيديولوجي معين، والأمر محصور بحزب العمال الكردستاني، يقول هوشنك أوسي.
خلال السنوات الأخيرة، بدأ الجناح العسكري لحزب العمال بنشر بيانات القتلى من الأطفال محذوف منها تاريخ ميلادهم، لإخفاء حقيقة أن القتلى كانوا أطفالًا عند الخطف أو التجنيد وتجنب فضح ما يحصل، حسب أوسي.
ويتابع، حزب العمال حطبه من الأطفال، وكل تبرير هو جريمة ضد الإنسانية مهما كانت العقيدة التي تقف وراء ذلك.
أطفال دون 15 عامًا.. “جريمة حرب”
يثير تجنيد أطفال تساؤلات حول تصنيفه قانونيًا، وذكر الاستشارة القانونية التي طلبها التحقيق من منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، أن الأمر يتعلق بتحديد عمر الطفل، إذ يصنف تجنيد الأطفال دون سن 15 عامًا كجريمة حرب، في حالات النزاع المسلح غير الدولي، سواء من قبل المجموعات المسلحة أو الدول، وفقاً لميثاق روما.
تجنيد الأطفال بين 15 و18 عامًا، لا يصنف كجريمة حرب، ولكنه يعتبر انتهاكًا للقانون الدولي، لأن البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، تحظر على المجموعات المسلحة تجنيد الأطفال أقل من 18 سنة، وهناك توجه عالمي، حالياً، لتجريم تجنيد هذه الفئة من الأطفال، حسب “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”.
جرائم الحرب البند 26 الفقر (ب) المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية“تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة الوطنية أو استخدامهم للمشاركة فعليا في الأعمال الحربية” |
سأل التحقيق مدير منظمة “برجاف” للتنمية الديمقراطية والإعلام، فاروق حجي مصطفى، عن أطفال في سن 9 سنوات جرى تجنيدهم، فذكر أن الأمر غير صحيح، مع تأكيده وجود “شباب” في سن بين 15 و17 عامًا، معتبرًا أن الحديث عن أعمار أصغر هو استثمار سياسي.
حديث مصطفى يتعارض مع ما وثقه التحقيق من حالات، وما قاطعه مع “سوريون من أجل العدالة والعدالة”، إذ تشير البيانات إلى اختطاف الطفلين الشقيقين إبراهيم شوقي يوسف 9 أعوام ، محمد شوقي يوسف 10 أعوام في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب بغرض التجنيد الإجباري، من قبل الشبيبة الثورية في أيار 2022، وتم إطلاقهما بعد يوم واحد تحت ضغط إعلامي.
وفي نفس الشهر، اختطفت الشبيبة الثورية الطفلة لورين خالد حسين، البالغة 13 عاماً، من مدينة القامشلي بهدف سوقها إلى التجنيد الإجباري في صفوف “قسد”.
وغير هؤلاء الأطفال الثلاثة، هناك العشرات دون سن الـ15 تم توثيق تجنيدهم عامي 2021 و2022.
رغم نفيه تجنيد أطفال دون سن 15 عامًا، يرى فاروق حجي مصطفى، أن الأطفال دون سن 18، لا يجب أن يكونوا جزءًا من موارد عسكرية أو سياسية حزبية، وأن مكان هؤلاء هو المدارس والجامعات.
خرق الاتفاق مع الأمم المتحدة
في حزيران 2019، وقعت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بمصادقة من الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا من جهة، والأمم المتحدة من جهة ثانية، خطة عمل لإنهاء ومنع تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة.
وقع الخطة باسم “قسد” اللواء مظلوم عبدي، والممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والنزاع المسلح فيرجينيا غامبا، في مقر الأمم المتحدة.
وذكر بيان صحفي صادر عن مكتب الممثلة الخاصة أن التوقيع جاء عقب ورود اسم “وحدات حماية الشعب”، العاملة تحت إمرة “قوات سوريا الديمقراطية”، في التقرير السنوي للأمين العام عن الأطفال والنزاع المسلح لقيامها بتجنيد واستخدام الأطفال.
وينص الاتفاق، وفق الخطة الموقعة على أن تلتزم “قسد” بإنهاء ومنع تجنيد الأطفال واستخدامهم، وفصل المتواجدين حالياً في صفوفها، ووضع تدابير وقائية وتأديبية فيما يتعلق بتجنيد الأطفال واستخدامهم.
خطف وتجنيد مستمر
حتى تاريخ كتابة هذا التحقيق، وثقت “syria indicator” ومنظمات حقوقية وناشطون استمرار عمليات خطف وتجنيد الطفلات والأطفال، من قبل منظمة الشبيبة الثورية (جوانن شورشكر)، المرخصة من قبل “الإدارة الذاتية”.
آخر الحالات التي تابعها التحقيق، وقاطعها مع منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، تعود للطفلة حلا .د (15 عامًا) والطفل محمد.ه (14 عامًا)، وكلاهما جرى اختطافه من قبل “الشبيبة الثورية” في حي الشيخ مقصود بحلب، في 18 من كانون الثاني و28 من شباط 2023.
وتشير عشرات الشهادات التي جمعها التحقيق من مناطق تخضع لـ”الإدارة الذاتية”، إلى أن عمليات الخطف تتم بشكل ممنهج.
تمكن التحقيق من مقابلة ذوي واقارب 20 حالة، لطفلات وأطفال جرى استدراجهم أو خطفهم وتجنيدهم عامي 2021 – 2022.
طابق التحقيق أسماء شهوده الذين قابلهم وجهًا لوجه، أو عبر الاتصال، والحالات التي رصدها عبر مصادر مفتوحة بينها منظمات حقوقية وأخرى ناشطة في شمال شرقي سوريا، مع قاعدة بيانات حصل عليها من منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، ليتأكد من منهجية حالات الاختطاف والتجنيد.
بمطابقة الأسماء والبيانات تأكد التحقيق من صحّة البيانات التي اعتمد عليها في التحليل.
وخلال عامي 2021 و2022، وبناء على المطابقة، وثق هذا التحقيق تجنيد 55 طفلة قاصرًا، وتجنيد 42 طفلًا من الذكور خلال نفس الفترة، ليبلغ العدد الإجمالي للأطفال المجندين من الجنسين 97 طفلة وطفلًا.
وتبين من تحليل البيانات أن عمليات التجنيد والتغرير أو “الاختطاف” وفق وصف الأهالي، جرت في مناطق ومدن مختلفة، جميعها تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية، وذراعها العسكري قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
أظهر تحليل البيانات تركيزًا على تجنيد الطفلات مقابل الاطفال الذكور، وبلغت نسبة الطفلات الإناث من بين المختطفين 56.7%، فيما بلغت نسبة الذكور 43.3%.
حلب أولاً ثم الحسكة
يظهر تحليل البيانات، أن عمليات التجنيد تتركز في محافظتين أساسيتين تسيطر عليهما “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الذراع العسكري للإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، والتي تحكم اليوم معظم الأراضي التي كانت تخضع سابقا لسيطرة “تنظيم الدولة الإسلامية” في سوريا، بما في ذلك معظم محافظتي الرقة والحسكة، وجزء من محافظة دير الزور شمال شرق الفرات، وأجزاء من محافظة حلب حول منبج وعين العرب – كوباني، والمنطقة المحيطة بتل رفعت، حسب آخر تحديث ترصده liveuamap على خريطة السيطرة.
وفي تحليل حالات الاختفاء أو “الاختطاف” بهدف التجنيد، تبين أن أكثر المناطق التي جاء منها الأطفال هي محافظة حلب، بنسبة 57.7%، ثم الحسكة بنسبة 38.1%، ولا تتجاوز نسبتهم 3% في محافظتي دير الزور والرقة.
لورا عادت.. من يعيد هيلين والبقية
منذ لحظة معرفتهم بـ”اختطافها” وتجنيدها، لم يترك أهل لورًا سبيلًا للعثور عليها، راجعوا المدرسة، ثم الأقارب وأهالي أصدقاء الطفلة، إذ علموا من خلال إحدى صديقاتها بأنها التحقت بـ “الشبيبة الثورية”، لتبدأ رحلة جديدة من البحث في مراكزها من أقربها الواقع في قرية “هيمو” غربي القامشلي، مروراً بمقر لهم في “عامودا” وآخر في قرية “كرباوي – أبو راسين”، وانتهاءً بجميع الأماكن التي لها صلة بهم، ولكن جميعها أنكرت وجودها لديهم.
بعد أربعة أشهر “صعبة” أمضتها لورا داخل معسكرات “الشبيبة”، حصلت على إجازة مدتها ثلاثة أيام، وبمجرد خروجها، طلبت مساعدة الأهل لأنها لا تريد العودة، شارحة معاناتها ومعاناة الأطفال في مراكز التدريب، بدءًا من استيقاظهم في الساعة الرابعة صباحاً، وعدم منحهم الطعام الكافي، وحشو أدمغتهم بأفكار القتال والحرب والموت.
تصف لورا المعسكر بأنه مجموعة من المزارع في محيط القامشلي يتم نقل الأطفال من واحدة لأخرى.
شهادة “لورا” تتطابق مع عشرات الشهادات التي جمعها ودققها التحقيق، إذ تبين أن المرحلة الأولى تبدأ من مراكز الشبيبة الثورية، وهي مراكز مختلطة لقوات “وحدات حماية الشعب”، وهي تتبع لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وبعدها يجري نقلهم إلى معسكرات مثل جبل قنديل شمال العراق على الحدود مع إيران، أو مناطق أخرى قرب كركوك أو الحدود مع تركيا.
الأمهات والآباء ضحايا أيضًا
تقول “لورا”، كنت أسمع صوتي أبي وأمي، “وهم يراجعون أحد المراكز بحثًا عني إذ كنت داخل المركز”، لكن “الشبيبة الثورية” منعتني من الخروج إليهم وأنكرت وجودي أصلًا.
بمطابقة شهادات الأهالي الذين التقاهم التحقيق، تبين أن “جوانن شورشكر”، وباقي الوحدات المرتبطة بـ”قسد” تمنع بشكل متعمد، الأهالي من مقابلة أطفالهم داخل مراكز التجنيد أو التدريب التابعة لها.
أجرى التحقيق مقابلة بالصوت والصورة مع والد هيلين موسى موسى، وهي إحدى الطفلات “المختطفات”.
لم يطلب أكثر من حقّه باسترجاع هيلين، طفلته التي لم تكمل عامها الـ14، عندما “اختطفها” عناصر “جوانن شورشكر” من حديقة عامة أثناء عودتها من مدرستها (زكي الأرسوزي) وسط مدينة القامشلي في 19 أيار 2022، يقول موسى.
يضيف، هددت بإحراق نفسي، لكن أحد عناصر مركز “جوانن شورشكر”، (حيث توجد هيلين) قام بمناولتي “قداحة” وقال لي: “تفضل أحرق حالك”.
بقيت أتردد أسبوعا، قاموا بإخفائها وقالوا هي عندنا ولن نعيدها لك، حسبما قال موسى لفريق التحقيق.
هددوني بكسر رجلي ويدي، وقامت سيدة من عناصر “أسايش” (شرطة تابعة للإدارة الذاتية) بتهديد أمها المريضة (والدة الطفلة هيلين وزوجة موسى)، والتي تعاني من شلل بأحد أطرافها، وقالت شرطية “أسايش” لها، “سأربطك من يديك ورجليك، وقاموا باستدعائها إلى الفرع الخاص بهم”، يصف موسى بحرقة المعاملة التي تلقاها من قبل عناصر الشرطة .
يختم موسى بالقول، تحملنا الجوع والحرمان والبرد، قلنا سنبقى ولن نترك ترابنا، لكن ما لم نتحمله هو أن يأخذوا أغلى ما نملك.
شهادة أخرى حصل عليها التحقيق من زيلان، والدة الطفلة جيهان صالح ولّو، التي جرى اختطافها في شباط 2022، وكان عمرها 15 عامًا.
تقول زيلان، تم خطفها من تل رفعت من قبل بيت المرأة التابع لـ”جوان شورشكر”، وكانت تعيش مع أبيها (زوج زيلان السابق) في تل رفعت بريف حلب.
خلال مكالمة عبر تطبيق “واتس أب” أرسلت زيلان صورة ألعاب ابنتها التي كان يفترض أن تكون بين يديها بدل السلاح، وقالت، إن جيهان “خرجت من البيت ولم تعد”.
الجهة المسؤولة لا تجيب
أرسل التحقيق قائمة أسئلة لجهات مسؤولة في الإدارة الذاتية، حول تجنيد مئات الأطفال من قبل “جوانن شورشكر”، وتبعية الأخيرة لوحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
رئيس “مجلس سوريا الديمقراطية” (MSD)، والتي تمثل الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، رياض درار، اعتبر الأسئلة بمثابة اتهامات “لا دليل لها على الأرض”.
عرض التحقيق على درار إطلاعه على شهادة موثقة بالصورة والصوت لأهالي أطفال طلبوا الخروج بأسمائهم وهوياتهم الصريحة، لكنه انقطع عن الإجابة.
أما رئيس الهيئة الداخلية في الإدارة الذاتية، كنعان بركات، رفض التعليق، ثم اشترط على فريق التحقيق الانتقال إلى مكتبه في شمال شرقي سوريا للإجابة عن الأسئلة.
وأرسل الفريق الأسئلة على البريد الرسمي، والهاتف الخاص، للمتحدث باسم “قسد”، فرهاد شامي، ولم يلق استجابة حتى لحظة تحرير الاستقصاء.
العواقب والتوصيات
بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على توقيع الاتفاق بين الأمم المتحدة و”قسد”، وبناء على نتائج التحقيق مع ذوي الضحايا، وتوثيق المنظمات الحقوقية والناشطين، يظهر أن عمليات تجنيد الأطفال لا تزال على وضعها، رغم عمليات تسريح لعدد من الأطفال المجندين.
تقول “قسد” في بياناتها، إنها تلتزم بالخطة، وأن معظم عمليات التجنيد تكون من قبل “الشبيبة الثورية”، ما يعني أن المطلوب أن يكون هناك حكم محكمة، للنظر في موضوع الالتزام، بحسب الخبير القانوني في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”.
يتابع الخبير القانوني، أن عواقب إثبات تجنيد الأطفال تكون إدراج المجموعات التي تنتهك حقوق الأطفال في القائمة السوداء، والمحاسبة لاحقاً.
ترى “سوريون”، أن المطلوب من سلطات “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”:
- إظهار الالتزام الكامل والشفاف بالاتفاقيات المُوقعة لمنع تجنيد الأطفال واستخدامهم في العمليات العسكرية، سواءً تلك التي تمّت مع منظمة “نداء جنيف” في تموز 2014، أو مع الأمم المتحدة، أواخر حزيران 2019.
- التسريح الفوري للأطفال المجندين ولمّ شملهم مع أسرهم، أو نقلهم إلى السلطات المدنية التي عليها حمايتهم في الحالات التي يكونون فيها عرضة للعنف المنزلي، إذا أُعيدوا إلى أسرهم.
- مراقبة تفعيل وعمل مكاتب “حماية الطفل في النزاعات المسلحة” لتلقي الشكاوى المتعلقة بتجنيد الأطفال، واتخاذ أقسى التدابير العقابية ضد القادة الذين لا يمتثلون للحظر المفروض على تجنيد الأطفال، بما في ذلك “حركة الشبيبة الثورية” و”اتحاد “المرأة الشابة”.
- حلّ التجمّعات والهيئات التي تقوم بعمليات التجنيد، وعلى رأسها “حركة الشبيبة الثورية” و”اتحاد المرأة الشابة”، ومحاسبة جميع الجهات المتورطة (أفراداً وجهات).
المصدر: سيريا انديكتور
تحقيق : علي عيد _فرهاد أحمد (اسم مستعار).
تعاون في التحقيق: منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة (STJ).