جرت العادة في سورية أن تقوم الحكومة في الشهر الثامن أو التاسع على أبعد تقدير، من كل عام، بإنجاز مشروع الموازنة العامة للدولة، من أجل رفعه للرئيس، الذي بدوره يقوم بتحويله إلى مجلس الشعب، لمناقشته، ومن ثم تحويله مجدداً للرئاسة من أجل إصدار الموازنة بمرسوم قبل بداية العام التالي.
ولكن أصبحت سورية في المنتصف الثاني للشهر العاشر، ولم يصدر عن الحكومة حتى الآن أي تصريحات حكومية حول الموازنة أو تشكيل اللجان التي تعدها.
يقول الخبير الاقتصادي، عبد المنعم الحلبي، إن الخطة الزمنية أو الأجندة المالية لم تكن مقدسة أصلاً لدى النظام حتى في أعوام الرغد والاستقرار، ولم يتم الالتزام نهائياً بتسلسل الأرباع السنوية سابقاً.
ورأى الحلبي في تصريح لـ “العربي الجديد” أن هذه السنة تعتبر من أصعب السنوات المالية منذ عام 2015، مشيراً إلى أنه كمراقب عن بعد، يرى أن النظام يحضر نفسه لقطع متأخر للموازنة الخاصة بعام 2021، وذلك بانتظار ما سيؤول إليه الوضع المالي ضمن استراتيجية المحاسبة الجديدة التي تمارسها السلطة تجاه أصحاب الذمم المدينة للخزينة العامة؛ والمتراكمة منذ سنوات. وأشار إلى أنه لما كان المشهد غير واضح لواقع حال الموازنة الحالية بالنسبة للتحصيل الضريبي والواردات إلى الخزينة؛ فمن الطبيعي أن يتم تجاهل واقع الموازنة الجديدة والتي ربما يتم الاشتغال عليها في إطار اللجان المختصة في وزارة المالية ومجلس الشعب، دون أي ضجيج إعلامي.
أما الصحافي والمحلل الاقتصادي، تامر قرقوط، فيقول إنه لا توجد موازنة عامة للدولة في سورية بالمعنى الحقيقي للموازنة، ومنذ موازنة 2012 التي ظهرت فيها أرقام التضخم بشكل لافت، باتت موازنات الدولة عبارة عن عملية تكرار ساذج للموازنات السابقة.
ويضيف قرقوط في حديث لـ “العربي الجديد” أن تأخير طرح موازنة 2022 للنقاش، يعني أن الموازنة القادمة ستكون كسابقاتها، خالية من المشاريع الاستثمارية، وستقتصر على الإنفاق الجاري وبالذات اعتمادات الرواتب والأجور، كما أنه يعكس المأزق المالي الذي تعيشه حكومة دمشق مع خزانة مالية خاوية إلا من موارد شحيحة جداً، متأتية من الضرائب والرسوم وأغلبها من القطاع العام.
وتوقع قرقوط أن تقر الحكومة بشكل مستعجل موازنة مأخوذة عن موازنة العام الجاري (قص ولصق) مع تبديل بعض الأرقام التي تتعلق بنسب التضخم السنوية، وتعظيم اعتمادات الدعم الاجتماعي المفرغ من مضمونه.
من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي أسامة القاضي أن “هناك تخبطاً كبيراً داخل إدارة النظام السوري في الشأن الاقتصادي، ويبدو أن هناك تحولات اقتصادية وسياسية كبيرة لما تبقى من هذا العام والعام المقبل، وخصوصاً على مستوى التجاذب الإيراني الروسي، للسيطرة على أروقة صناعة القرار الاقتصادي السوري، وبشكل فاقع”. وأضاف أن عدم معرفة التوجه السياسي العالمي الحقيقي في ما يخص الساحة السورية، هو من الأمور التي تربك صناعة الموازنة العامة، فضلاً عن الأوضاع الداخلية الصعبة، والتي تشير إلى أن الحكومة تعتزم الانسحاب من الحياة الاقتصادية بشكل تام.
ويتابع القاضي الذي يترأس مجموعة عمل اقتصاد سورية، في تصريح لـ “العربي الجديد”، أنه يتوقع أن يتم تسريع إجراءات إقرار الموازنة العامة للدولة، بغض النظر عن الحلقات الوسيطة التي تمر بها عادة، مشيراً إلى أنه كما هو معروف في سورية فإن ما يقرره القصر الجمهوري هو في النهاية ما سيتم، بعيداً عن موافقة مجلس الشعب أو عدم موافقته. كذلك توقع القاضي أن يتم إقرار موازنة تتراوح بين 10 إلى 12 تريليون ليرة سورية (الدولار = نحو 3500 ليرة)، بالقياس إلى موازنات الأعوام الثلاثة السابقة، التي كانت فيها أرقام الموازنة تتضاعف، وفقاً لمؤشرات التضخم، وتراجع سعر صرف الليرة السورية.
وبلغت موازنة عام 2019 نحو تريليوني ليرة سورية، وعام 2020 بلغت 4 تريليونات ليرة، أما في عام 2021، فقد تم إقرار موازنة بقيمة 8.5 تريليونات ليرة. أما سعر صرف الليرة السورية في السوق السوداء، فقد كان في نهاية عام 2019 نحو ألف ليرة مقابل الدولار، وقبلها بعدة أشهر كان بـ 600 ليرة، ثم تراوح طوال عام 2020 بين 2000 إلى 2500 ليرة، أما في عام 2021، فهو لا يزال يراوح عند مبلغ 3500 ليرة مقابل الدولار.
وبناء على الأرقام السابقة، يرى المحلل الاقتصادي من دمشق، رضوان حمادي، أن رقم تريليوني ليرة الذي تم من خلاله إقرار الموازنة العامة للدولة لعام 2019، كانت تساوي حسب أسعار منتصف العام أكثر من 3 مليارات دولار، وهذه الموازنة فعلياً أكبر موازنة عام 2021 البالغة 8.5 تريليونات ليرة، إذ إنها تساوي نحو 2.5 مليار دولار، وذلك وفقاً للفارق في سعر الصرف مقابل الدولار بين العامين.
وتوقع حمادي، في تصريح لـ “العربي الجديد”، أنه في حال أقرت الحكومة موازنة فوق 10 تريليونات ليرة، فهذا حكماً يعني أن سعر صرف الدولار سوف يبلغ 5000 آلاف ليرة في عام 2022، وهو ما سيزيد من صعوبة الأوضاع الاقتصادية، وخصوصاً مع حديث عن النظام عن نيته رفع الدعم عن الكثير من المواد الأساسية خلال العام المقبل، وعلى رأسها المحروقات.
فؤاد عبد العزيز _ العربي الجديد