سيريا برس _ أنباء سوريا
“خمسة أشهر في قطعة من الجحيم” هكذا يمكن وصف فترة اعتقال المواطن السوري (أبو مصطفى) في الفرع 235 التابع لمخابرات الأسد، والذي يشتهر باسم (فرع فلسطين) كمية من الأحقاد التي لا توصف تصب فوق أجساد معتقلين عليهم أن يعترفوا بتهم لا يمكن أن يكونوا قد اقترفوها، كما حدث مع بطل قصتنا الذي اتهم بأنه كان يؤمّن حاضنة شعبية للمسلحين في بلدته (ريتان) بريف حلب، رغم أنه لم يزرها منذ 6 سنوات!
فيما يلي واحدة من قصص الألم السوري الأكثر رعبا ووحشية والتي تتقاطع مع شهادات سجناء سابقين رووا قصصاً مروعة عما عايشوه في هذه الأماكن التي وصفتها منظمات حقوقية بـ”المسالخ البشرية”.
الطعن بالسكاكين
يقول (أبو مصطفى) أو السجين 18 كما كان يعرف في معتقله داخل الفرع 235/ فرع فلسطين، أو كما بات يعرف بين السوريين باسم (فرع جهنم)، نظراً لفظاعة الممارسات الوحشية التي ترتكب بحق السوريين فيه..، كل ما أمضيته داخل فرع الجحيم كان خمسة أشهر، بدأت منتصف شهر نيسان وانتهت مع بدايات شهر تشرين الأول، ذقت خلالها شتى أنواع العذاب، وكنت شاهداً على عمليات (تصفية) لكثير من المعتقلين تحت ما يسمى “اصطلاحاً” تحقيق، وما هو في الواقع سوى (جلسات تعذيب) تقول فيها ما يريدون منك قوله.
بحسب (أبو مصطفى)، فإن السجانين في معتقلات الأسد باتوا مؤخراً أكثر وحشية وهمجية، إذ إن (النعرات واللكمات) وهي أقل فصول التعذيب وطأةً، تحولت إلى طعن بالشفرات والسكاكين الحادة، إذ بدأ السجانون بحمل تلك السكاكين أو الشفرات بدلاً من السوط، وعندما (يذنب أحد المساجين من وجهة نظرهم)، يخرجونه ويبدؤون بإهانته وضربه وطعنه (طعنات هي أقرب للوخز) بتلك السكاكين في مناطق مختلفة من جسده، إلا أن تلك الطعنات تصبح قاتلة في حال أصابت منطقة حساسة كـ (محجر العين – شريان – وحتى الخصيتين).
طرق تعذيب رومانية
يضيف أبو مصطفى في حديثه: “الأمر الأكثر رعباً هو الطقوس التي بدأ يمارسها هؤلاء السجانون على المعتقلين المساكين، حيث وفي إحدى المرات أخرجوا أحد المساجين إلى خارج الغرفة التي لا تتجاوز مساحتها 4 أمتار مربعة وقد وضعوا فيها ما يصل إلى 80 معتقلاً، وبعد إخراجه بحجة (الكلام) لم يعترف الأخير، فقاموا بوضع قطعة زجاج ذات رأس مدبب في المنطقة الممتدة بين حلقه وطوق رقبته، في شكل مشابه لأداة التعذيب عند القياصرة والأباطرة الرومان في العصور الوسطى والتي تدعى (الشوكة المزدوجة أو الثنائية)، حيث كان يعذب بها من يتكلم على الكنيسة (حتى التوبة)، أما هنا فيعذب بالزجاج الخانق كل من تكلم عن رب هؤلاء المتوحشين (بشار الأسد) ولا يوجد فرصة للتوبة حتى.
ويتابع عن أكثر وسائل التعذيب إيذاء لأجساد المعتقلين: “الزجاج لم يكن الوسيلة الوحيدة، كان هناك العديد من الطرق الوحشية كـ (تكسير العظام بالمطارق الحديدية، أو إحداث أضرار كبيرة بمفاصل الكتف أو الركبة بشكل خاص من أجل إحداث عاهة مستدامة تمنع المعتقل في حال خروجه من العودة إلى حياته بشكل طبيعي، وذلك عبر ضرب تلك الأماكن بوساطة عصا غليظة أو قضيب معدني- وأحيانا كان يتم قرض (شحمة الأذن أو الأنف) بوساطة البينسة (الكماشة المعدنية) ما يهدد بخلق تشوهات لا تمحى في الوجه!
الهدف هو الرأس
وبحسب ما ذكره (أبو مصطفى)، فإن محققي الأسد وجلاديه كانوا يتعمدون ضرب المعتلقين على رؤوسهم، وهو ما أفقد كثيرين منهم الذاكرة كلياً أو مؤقتاً، أو تسبب بارتجاج أو نزيف دماغي.. هذا في حال لم يؤخد بعين الاعتبار الأهوال والظروف المأساوية التي يمر بها المعتقلون، والتي تجعل الإنسان يفقد عقله من شدة وهول ما يراه ويشاهده ويتعرض له… من قبل وحوش لا يعترفون بآدميتك قبل أن يعترفوا بوطنيتك أو خيانتك.
وقال أبو مصطفى مستحضرا جزءا يسيرا مما تعرض له أثناء التحقيق: “في إحدى الجلسات تم اقتيادي معصوب العينين إلى التحقيق، هناك بدأت فصول رواية بسؤالين، ولم تنته بجلسة تعذيب من الطراز الرفيع فقدت الوعي على إثرها. حيث وبعد إنكاري التهمة الموجهة إلي (تأمين حاضنة شعبية) لـ (المسلحين)، في بلدتي (رتيان) شمال حلب رغم أنني أقطن في مناطق سيطرة أسد منذ العام 2014، إضافة لاتهامي في قتل عناصر الميليشيات المتسللين إلى رتيان عام 2015، انهال علي اثنان من السجانين بالضرب بالخراطيم والقضبان، ولكني عملت بنصيحة أحد السجناء لدينا (لا تدعهم يصيبون رأسك)، وبالفعل حاولت تفادي معظم الضربات التي كانت موجهة إلى رأسي بشكل مباشر، إلا أن أحدها أصابتني بشكل مباشر وهو ما أسقطني مغمياً علي، استفقت بعدها في المهجع أشكو أوجاعي”.
خراطيم روسية
وفقاً لـ (أبو مصطفى) فإن “القضبان التي يستخدمها عناصر الأسد هي نفسها المستخدمة في السجون الروسية (بحسب ما رآه على الإنترنت) بعد خروجه، مشيراً إلى أن (الخراطيم الخضراء)، هي أنابيب مرنة نوعاً ما، إلا أنها تحوي بداخلها نابضاً غليظاً، ما يكسبها ثقلاً حين تهوي على أجساد المعتقلين، وسهولة في التحكم عند الضرب بها في أيدي الجلادين، وعادة ما يستخدمها العناصر الذين يكونون في الممرات، أو المشرفين بشكل مباشر على الزنزانات”.
وعلى مدار السنوات السابقة، تحدث الكثير من المعتقلين كما تناولت مصادر الإعلام العربية والعالمية، تقارير مختلفة عن حجم الانتهاكات المرعبة في التعامل مع السجناء في أقبية نظام الأسد، فضلا عما كشفته تقارير أمريكية أيضاً عام 2017، عندما التقطت الأقمار الصناعية الأمريكية صوراً لمجسمات قرب فرعي (صيدنايا وفلسطين)، وقالت إنها تعود لـ “محارق بشرية” يتم زج المعتقلين داخلها بعد قتلهم دون أي رادع.
حسان كنجو_ أورينت نت