سيريا برس - أنباء سوريا
في أحد النقاشات ضمن مجموعة أصدقاء كان الحديث يدور حول السلطة الذكورية وضرورة تحرر النساء ومساهمتهن في الحياة وإمكانية تحقيق المساواة، حينها طرحت افتراضاً بديهياً تهكمياً، لكنه قوبل بالرفض الشديد وتم اعتباره لوي عنق الحقيقة، كان يقول الآتي:
“إن صفعت صديقي براحة يدي، ثم صفعني براحة يده، فإن المفهوم المتداول عن هذا السلوك (رغم ما يحمله من عنف) هي أن النظرة تجاهه تحمل طابعاً للصراع الندّي، بمعنى التعامل بالمثل، أي أنها تقوم على أساس المساواة، وينتهي الأمر عند ذلك الحد، وكفى الله المؤمنين شر القتال. هذه النديّة تعطي صورة للمساواة وإن كانت عنفيّة.
الآن إن عكسنا الصورة، وصفعتُ امرأة براحة يدي، ستعتبر هي والمجتمع بأسره أن الفعل المُمارس هو نظرة دونيّة تجاه المرأة وتفوق ذكوري، بالرغم أنه يحمل الصورة النديّة أيضاً، بإمكانها أن تصفعني وكفى الله المؤمنين شر القتال أيضاً.
في الصورة الأولى يتم اعتبار السلوك مساواة نديّة، وفي الثانية يتم اعتباره جندرة ودونيّة، بالرغم أنه لا يختلف من حيث المضمون في صورته الجوهرية أنه يقوم على فعل ممارس لآلية الندّ؛ بمعنى عدم صفعي للمرأة هو نظرتي تجاهها واعتباري لها أنها كائن أقل من أن تكون نداً لي، وليس احتراماً لكينونتها بأنها مساوية لي. المساواة في جوهرها، ما أقبله على نفسي، هو ما أمارسه على الآخرين وما يمارسونه عليّ دون تمييز”.
طبعاً كان الطرح قاسياً وصادماً للجميع، رغم أنه بديهي وواضح ومنطقي جداً. لكن لا أحد يريد أن ينظر للأمر من هذه الزاوية.
إن المرأة في آلية تفكيرها تجاه كيانها (النسوي على نحو خاص)، تريد أن تتعامل بطريقة المساواة المزاجية، إنها تريد أن تكون القطة اللطيفة التي يجب التمسيد عليها في لحظات معينة ولا تتصادم مع القوى الخارجية التي تحتاج صداماً مع القوة التي تستغل الجميع، ذكوراً وإناثاً، إنها تترك ذلك للذكر من حيث الصورة التاريخية أنه القادر على المنافسة، وبذات الوقت تفرض تلك القوى مفاهيمها السلبية على المجتمعات ككل، وبالمقابل تريد المرأة أن تحقق شرط المساواة في أنماط محددة عندما لا تكون صدامية مع تلك القوى.
المشكلة في هذا الطرح هو أن فكرة المرأة للمساواة قائمة على السلوك وليس على المفهوم، بمعنى الطرح الذي تم قوله في الأعلى، سبّب صدمة للآخرين لأنه يناقش بشكل غير مباشر فكرة تغيير المفهوم وليس التركيز على السلوك؛ فالفكرة هي إنهاء العنف كصورة جمعيّة على الجميع وليس إيقاف فكرة العنف ضد المرأة.
المشكلة في جميع الطروحات النسوية تنطلق أصلاً من هذه المعضلة المزاجية في فهم السلوكيات، إنها تتعامل كقضايا تنبع من كينونتها كامرأة وليس من النضال ضد المفهوم السلبي للسلوكيات الحياتية ككائن بشري مستقل، ولذا تجد أن المرأة في صورة الند تريد أن تكون نداً ضمن نمط محدد وليس كلي.
هذا الأمر يضع جميع الحركات النسوية الشرقية بوجه خاص في تماس مع معضلة الفهم أن السلوكيات السلبية في المجتمعات ليست نتاج ذكوري، إنما نتاج سلطوي تاريخي، وعدم فهم المرأة أو مشاركتها للقضاء على هذه السلطوية الاقتصادية والسياسية والدينية التاريخية لجانب الذكر، يؤدي بها إلى الاضمحلال لأنها أصلاً لا تعي أن مشكلتها هي مشكلة أكبر من الذكر.
المثال السابق هو مثال فردي، لكن يمكن قياسه على أي طرح نسوي آخر إزاء مفاهيم المساواة.
قد يبدو الطرح راديكالي من حيث المطالبة بما هو أكثر من الخيارات الفيزيولوجية التي خلقتها الطبيعة في الكيانين، لكن النديّة والمساواة هي صورة تحتاج نضالاً مشتركاً، وفهم أعمق من الصورة الجاهزة للتفكير النسوي أن المرأة كيان مدلل لكنه يجب أن يكون مساهماً في مسائل انتقائية ضمن المجتمع.
المساواة والعدالة والنديّة لا يجب أن لا تكون انتقائية أبداً، ومن لا يريد أن يفهم هذه الإشكالية فبإمكانه قراءة ما جاء في المادة بطريقة خاصة ويمكن له اعتبارها مادة جندرية بامتياز، لكن بعد فهمه الجندري ذاك، فليس من حقه أبداً أن يطالب البشر بالنظرة اتجاهه على أنه يمتلك قراءة نقدية واضحة ودقيقة.
وكل عام والمرأة التي تستطيع فهم المشكلة بعمق، بخير.
علي الأعرج - الأيام السورية - سيريا برس