المساواة بين الجنسَين في مواجهة تحديات الاكتشافات العلمية الحديثة

المخطط التنفيذي للبحث

مشكلة البحث

أهمية البحث

فرضيات البحث

أهداف البحث

منهجية البحث

نتائج البحث

العبارات المفتاحية

موجز البحث

1- مقدمة البحث

2-المساواة على المستوى العالمي

3- الأساس الذي تقوم عليه فكرة المساواة

4-بين الاختلاف والتماثل.. لغط حديث في الغرب حول مساواة الجنسين

5- ما هي المفاعيل التي يمكن أن تترتب على الحقائق العلمية الجديدة؟

6- الخلاصة

مراجع البحث

المراجع الورقية

المراجع الإلكترونية

المخطط التنفيذي للبحث:

يتناول هذا البحث قضية المساواة بين الجنسين، في ضوء الاكتشافات العلمية الحديثة، التي أعادت فتح المناقشة في هذه القضية حتى في المجتمعات المتقدمة، وطرحت العديد من الأسئلة الجدية المهمة.

مشكلة البحث:

قدّمت الاكتشافات العلمية الحديثة في البيولوجيا العصبية وعلم النفس العصبي، في الدول المتقدمة المعاصرة، معطيات تفيد بوجود فروق مهمة بين عقلي كل من الرجل والمرأة، ما وضع مسألة المساواة بين الجنسين موضع المسائلة والشك في هذه البلدان من ناحية، وأعطى، من ناحية ثانية، الذريعة في بلداننا العربية لأصحاب الذهنية الذكورية التقليدية الزاعمين بتفوق الرجل على المرأة، لتأكيد مزاعمهم، ومن ثم لرفض فكرة المساواة بين الجنسيين بذريعة علمية.

أهمية البحث:

المساواة بين الجنسَين ورفع الظلم عن المرأة هما من الضرورات الكبرى التي يجب أن تتوفر في أي مجتمع إنساني عصري حديث، وهذا ما نسعى إليه اليوم في عالمنا العربي بشكل جوهري، ومن المهمّ جدًّا مواجهة المساعي الخطيرة التي تستغل العلم وتوظفه بشكل مغرض ضد قضية المساواة والعدل بين الجنسين.

ومما يزيد من أهمية هذا البحث أن هذا الموضوع لم يحظَ بالاهتمام والمعالجة المطلوبين من الباحثين العرب، على الرغم من كثرة الكلام حول الاكتشافات العلمية في مجال الفروق الدماغية والعقلية بين الجنسين، وانعكاسها على المسألة الجندرية.

فرضيات البحث:

يعتمد البحث بشكل رئيس على الفرضيات التالية:

1-الاكتشافات العلمية الحديثة تقول بعدم التماثل بين العقل الذكري والعقل الأنثوي.

2-الاكتشافات العلمية الحديثة لا تؤكد تفوّق جنس على آخر.

3-المساواة بين الجنسين لا تقوم على مبدأ التماثل بينهما.

4-الكرامة الإنسانية هي الأساس الذي تقوم عليه المساواة بين الجنسين.

أهداف البحث:

يهدف البحث إلى نفي علميّة التوجهات التي توظف تلك الاكتشافات العلمية الآنفة الذكر، ضدّ المساواة بين الجنسين في البلدان الغربية، ودحض المزاعم التي تزعم بأن العلم يثبت تفوق الرجل على المرأة في البلدان العربية، كما يهدف إلى إثبات أن العلم الحديث في فروعه المعنيّة يثبت وجود الاختلاف بين قدرات الجنسين، لا تفوّق أحدهما على الآخر، وهذا لا يؤثر بتاتًا في مفهوم المساواة الجنسية القائم على أسس فلسفية إنسانية.

 منهجية البحث:

يعتمد البحث على أسلوب منهجي تعددي يجمع بشكل رئيس بين المنهج الوصفي والمنهج التحليلي والمنهج الفلسفي، حيث يُعتمد المنهجان، الوصفي الكيفي والتحليلي، في عرض المعطيات العلمية الحديثة المعنية وتحليلها بشكل موضوعي واستخلاص النتائج منها، فيما يُعتمد المنهج الفلسفي، ولا سيّما في جانبه النقدي، في الدفاع عن فكرة المساواة بين الجنسين، وتفنيد الادعاءات والانتقادات الموجهة ضدها.

نتائج البحث:

بناء على معالجة المعطيات العلمية المعنية وتحليلها، يبيّن البحث أن الاكتشافات العلمية الحديثة تفيد بوجود اختلافات دماغية واختلافات عقلية مرتبطة بها بين الجنسين، ولكنها لا تقول قطعًا بتفوق عقل جنس على آخر، وذاك يعني أن العلاقة بين الاختلافات الجنوسية والتفوق الجنوسي هي في ضوء العلم الحديث علاقة صفرية معدومة الارتباط. ويبيّن البحث في ضوء المناقشة الفلسفية أن فكرة الربط بين قضية المساواة بين الجنسين وزعم التماثل في الإمكانات العقلية بينهما هي غير صحيحة، فالمساواة لا تعني ولا تقتضي التماثل العقلي بين الجنسين، ولكنها تقوم على تماثلهما الإنساني، بصرف النظر عن اختلاف الجنس واختلافات العقل المرتبطة به وبسواه.

موجز البحث:

نسعى اليوم في سورية وسواها من الدول العربية لبناء الدولة العصرية الحديثة، التي لا يمكن بناؤها إلا بشكل جدلي مع عصرنة وتحديث المجتمع، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بالعمل الجاد على حل المشكلات الاجتماعية الجوهرية التي تعانيها هذه المجتمعات، وتُعدّ مشكلة المرأة واحدة من كبرياتها، وتُعد المساواة بين الجنسين هي السبيل المطروح لحلها.

مسألة المساواة بين الجنسين هذه يعتبرها أصحاب الذهنيات الذكورية والمحافظة في مجتمعاتنا شيئًا غريبًا ودخيلًا ومستوردًا من الغرب، ولا يتناسب مع ثقافتنا وثوابتنا، بل يعدونها فكرة خاطئة بحد ذاتها من حيث المبدأ، لأن الرجل والمرأة -برأيهم- مختلفان بالطبيعة ومختلفان بالقدرات، وهذا ما يترتب عليه اختلاف بالوظائف، ومن ثم اختلاف في الواجبات والحقوق.

واليوم، ثمة في الغرب المعاصر اكتشافات علمية حديثة تؤكد وجود اختلافات مهمة في بنيتي الدماغين الذكري والأنثوي، وترتبط بها اختلافات سلوكية وعملية في المحصلة، وهذا ما يعدّه الذكوريون والمحافظون لدينا دليلًا حاسمًا على بطلان فكرة المساواة بين الجنسين، وتأكيدًا لقاعدة “تفوق الرجل”، ولا سيّما أن المساواة بين الجنسين في الغرب المعاصر نفسه باتت تتعرض لنقد وهجوم ملحوظين يستندان إلى هذه الاكتشافات أو يتعززان بها.

وهذا البحث يتضمن خلاصة ما وصلت إليه تلك الاكتشافات والجدل الدائر حولها، ويبين البطلان العلمي والفلسفي للمواقف أو المساعي الموجهة ضد المساواة، سواء كانت في الغرب أم في مجتمعاتنا العربية، وهو يركز على نقطتين جوهريتين هما:

الأولى أن الأبحاث العلمية أثبتت وجود فوارق بين الدماغين، ومن ثم العقلين، الذكري والأنثوي، ولكنها لم تثبت قطعًا تفوق أيٍّ منهما على الآخر، فهذه الاكتشافات، وهي عمومًا ذات طابع نسبي، تفيد بأفضلية العقل الذكري في بعض الميادين، وبالمقابل بأفضلية العقل الأنثوي في ميادين أخرى، كما أنها لم تربط قطعًا السلوك بالجنس حصرًا، ولم تنفِ الأهمية الكبرى لكل من العوامل البيئية والشخصية في التأثير في السلوك.

والثانية أن مفهوم المساواة المنطقي بين الجنسين نفسه لا يعني ولا يشترط انتفاء الاختلاف بينهما، بل هو مساواة بينهما بما هما جنسان مختلفان على أساس الإنسانية التي يتوحدان فيها، وهي مساواة في الكرامة والقيمة الإنسانية والحقوق الإنسانية التي يجب أن يُعامل بها كل جنس وتُقر وتُضمن له، وبالتالي لا تعني المساواة بين الجنسين نفي الاختلاف بينهما، بل هي قائمة ومنطلقة أساسًا من وجود الاختلاف وضرورة المساواة إنسانيًّا بينهما كجنسين مختلفين، وما أثبته وأكدته الاكتشافات العلمية الحديثة هو وجود الاختلاف بين دماغي وعقلي الجنسين، لكنها لم تنفِ المساواة بين الجنسين، ولا يمكنها أن تنفيها، فهذه المساواة هي قضية تقوم على أسس فلسفية وأخلاقية، لا على أسس علمية، ومع ذلك فليس في العلم ما يفيد بوجوب نفيها.

1- مقدّمة البحث:

تعتبر المساواة بين الجنسين قضية جوهرية في الفكر الإنساني الحديث، بجوانبه المتعددة، الفلسفية والاجتماعية والسياسية والحقوقية والأدبية وسواها، وهي مسألة قد حُسمت في العديد من المجتمعات المتقدمة، وأُقرت على المستوى النظري، وقطعت شوطًا كبير على مستوى التطبيق العملي فيها، وظهرت فيها العديد من الأخطاء والنواقص، سواء على صعيدها كمفهوم أو على صعيدها كممارسة؛ في حين أن الأمر لا يزال مختلفًا، بل جدّ مختلف، في كثير من المجتمعات الأخرى التي ما يزال التمييز الجندري فيها متفشيًا، وما يزال الرجل مهيمنًا، وإن كانت هذه المجتمعات نفسها تختلف بدورها في درجة شدة ذكوريتها وما يرتبط بها من تمييز جنوسي، وفي موقفها من هذا التمييز وسعيها نحو تحقيق المساواة.

واليوم، قضية المساواة بين الرجل والمرأة تواجه تحديًا غير مسبوق في المجتمعات الأكثر تقدمًا، فهو هذه المرّة لا يأتي من أوساط مفكرين محافظين أو سياسيين يمينيين أو رجال دين تقليديين، كما كانت الحال في أيام خلت، إنما يأتي من أوساط العلماء، وبالأخص العاملين في قطاعي البيولوجيا العصبية وعلم النفس العصبي، حيث تقول الاكتشافات العلمية الحديثة إن هناك فوارق فعلية بين دماغي الرجل والمرأة، يترتب عليها اختلافات بين عقلي كل منهما، وتؤدي من ثم إلى اختلافات فكرية ونفسية وسلوكية مرتبطة بهذه الاختلافات، التي ترتبط بحد ذاتها بالجنس من حيث الذكورة والأنوثة.

تبدو هذه الاكتشافات العلمية وكأنها ضربة قاضية لفكرة التماثل بين الجنسين، التي كان يركز عليها أنصار المساواة بين الجنسين، ويولونها أهمية جد كبيرة حتى صارت تبدو فيها وكأنها الأساس الذي تقوم عليه قضية المساواة بين الجنسين، ما جعل الاكتشافات العلمية الحديثة تبدو كأنها تدحض فكرة هذه المساواة نفسها، ولذا علت أصوات عديدة تنتقد هذه المساواة، بل تهاجمها بشدة أحيانًا أيضًا!

وهذا الذي يحدث في الغرب المتقدم وجد فيه رافضو فكرة المساواة من ذوي الذهنية الذكورية التقليدية في مجتمعاتنا العربية، ومجتمعنا السوري من بينها، وسواها من المجتمعات المشابهة، ضالتهم المنشودة وحجتهم الدامغة لهذا الرفض والتشبث بفكرة تفوّق الرجل، مع أن الاكتشافات العلمية أثبتت وجود فوارق يمكن أن تفيد بأفضليات للرجال أحيانًا، وبأفضليات للنساء في أحيان أخرى، والأمر بشكل عام نسبي. وهذا البحث يبحث في هذه المسألة، ويتطرق إلى ما يدور في الغرب المعاصر بشأن هذه الاكتشافات، ويبيّن أن هذه المكتشفات بحد ذاتها ليست في صف أي جنس ضد الآخر، من ناحية، وهي لا تؤثر في مبدأ المساواة نفسه، الذي لا يقوم منطقيًّا وأخلاقيًّا على أساس فكرة التماثل بين الجنسين، من ناحية أخرى.

2-المساواة على المستوى العالمي:

أصبحت مسألة المساواة بين المرأة والرجل في المجتمعات المتقدمة المعاصرة من المسلّمات، على المستويين الثقافي والحقوقي، وهي عمومًا لم تعد موضع اختلاف أو جدل، فعلى المستوى الدولي، تحتل المساواة الإنسانية بمعناها الكلي المتضمن المساواة بين الجنسين موقعًا قاعديًا في منظومة حقوق الإنسان، وفي ذلك يقول أستاذ القانون الدولي محمد يوسف علوان: “يُعدّ الحق في المساواة وعدم التمييز من أهم حقوق الإنسان، إن لم يكن أهمّها على الإطلاق، وهو يعدّ مبدأ أساسيًّا في كل الدول والنظم الديمقراطية في العالم أجمع وحجر الزاوية فيها. وتتأتى أهمية هذا الحق من كونه أساس تمتع الفرد بجميع الحقوق والحريات الأخرى على قدم المساواة مع غيره من الأفراد، فالتمتع بحقوق الإنسان مشروط ابتداءً بالمساواة وعدم التمييز. ويمكن القول إن الحق في المساواة وعدم التمييز هو حق عام، تتفرع عنه حقوق الإنسان الأخرى أو هو نقطة الانطلاق لكافة الحقوق والحريات الأخرى” ([1]).

وفي “إعلان ومنهاج عمل بيجين” الصادر عن المؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة المنعقد في بيجين (بكّين) خلال 4-15 أيلول/ سبتمبر 1995، أكدت الدول المشتركة في المؤتمر التزامها بـ “تساوي النساء والرجال في الحقوق والكرامة الإنسانية المتأصلة، وسائر المقاصد والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغير ذلك من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، ولا سيّما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، فضلًا عن إعلان القضاء على العنف ضد المرأة، وإعلان الحق في التنمية” ([2]).

أما “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، فتشير إلى أن “التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكًا لمبدئي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويُعدّ عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية” ([3]).

وقد أصبحت المساواة بين المرأة والرجل أمرًا تنص عليه وتضمنه الدساتير في العديد من الدول بشكل محدد وواضح، فعلى سبيل المثال، تقول المادة 1 من الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 ([4]): “تعزز التشريعات المساواة بين النساء والرجال في تقلّد المناصب والوظائف الانتخابية وكذلك المناصب ذات المسؤوليات”، وتقول ديباجة هذا الدستور: “يعلن الشعب الفرنسي رسميًّا تمسكه بحقوق الإنسان ومبادئ السيادة الوطنية مثلما حددها إعلان 1789 وكما أكدت عليها وأكملتها ديباجة دستور 1946”. أما ديباجة دستور 1946 فيرد فيها: “يكفل القانون للمرأة في جميع المجالات المساواة في الحقوق مع الرجل” ([5])؛ كما يرد في الفقرتين 2 و3 من المادة 3 من الدستور الألماني الصادر عام 1949: “الرجال والنساء متساوون في الحقوق. وتدعم الدولة التنفيذ الفعلي للمساواة بين الرجال والنساء، وتتخذ الخطوات اللازمة للقضاء على العوامل السلبية السائدة حاليًّا. لا يجوز تفضيل أو استهجان أي شخص على أساس الجنس، أو النسب، أو العرق، أو اللغة، أو الموطن، أو الأصل، أو المعتقد، أو الدين أو الأفكار الدينية أو السياسية” ([6])؛ ويرد في الفقرة 2 من المادة 19 من الدستور الروسي الصادر عام 1993 ([7]):“تكفل الدولة المساواة في الحريات والحقوق الإنسانية والمدنية، بغض النظر عن الجنس، أو العرق، أو الجنسية، أو اللغة، أو الأصل، أو الصفة الرسمية أو المادية أو مكان الإقامة…”؛ فيما تنص المادة 3 من الدستور الإيطالي الصادر عام 1949 ([8]) على أنه “لكل المواطنين نفس القدر من الكرامة الاجتماعية، وهم سواء أمام القانون دون تمييز في الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين أو الآراء السياسية أو الأوضاع الشخصية والاجتماعية”؛ كما ينص الدستور الياباني المقر في عام 1946 في الفقرة 14، على أن “جميع الناس سواسية تحت القانون، ولا يكون هناك تمييز في العلاقات السياسية، أو الاقتصادية أو الاجتماعية بسبب العرق، أو المعتقد، أو الجنس، أو الوضع الاجتماعي، أو أصل العائلة” ([9])؛ وينصّ الدستور الكوري الجنوبي الصادر عام 1948 في ديباجته على “إتاحة الفرص لكل شخص، وإتاحة تطوير الإمكانيات الفردية تطويرًا كاملًا في كل المجالات، بما فيها الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية…”، ويضيف في الفقرة 1 من مادته 11 أن “جميع الناس سواسية أمام القانون، ولا يجوز التفرقة في الحياة السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، بسبب الجنس أو الدين أو الوضع الاجتماعي” ([10])؛ أما دستور 1936 للاتحاد السوفييتي فقد نصت المادة 122 منه على أن “النساء في الاتحاد السوفيتي يُعتبرن متساويات في الحقوق مع الرجال في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية” ([11]).

وفي هذه المجتمعات المتقدمة ترافقت وترابطت هذه المساواة في الحقوق مع اعتماد مبدأ المماثلة والتبادلية” الذي يعتبر فيه كل من الرجل والمرأة متماثلان من حيث المبدأ في الإمكانيات ويمكن لكل منهما أن يحل محل الآخر ويقوم بدوره.

أما في المجتمعات النامية، فما تزال المساواة بين الجنسين مطلبًا ينادي به المفكرون والمثقفون الإنسانيون، لما له من أهمية إنسانية وضرورة اجتماعية كبيرة، ولكنه ما يزال يصطدم بقوة بالظروف الاجتماعية المتردية القائمة التي تعرقل تطبيق هذه المساواة، ولا سيّما بالذهنية الذكورية السائدة، والمتضافرة عادة مع النموذج الديني السائد، وكلاهما يرفض بشدة مثل هذه المساواة.

3- الأساس الذي تقوم عليه فكرة المساواة:

كما نرى مما تقدم أعلاه في المواثيق الدولية والدساتير الوطنية لبعض الدول المتقدمة، لا تنفصل فكرة المساواة بين الجنسين عن فكرة المساواة العامة بين جميع الناس، وعلاقة المساواة الجنسية بالمساواة الإنسانية هي كعلاقة الجزء بالكل، والعلاقة بين الخاص والعام، والاختلاف الجنسي يعتبر أحد أشكال الاختلاف الإنساني، ويوضع جنبًا إلى جنب مع الاختلافات الأخرى كالعرق واللغة والدين والرأي السياسي وسواها، وهذه كلها اختلافات في الشكل الإنساني لا تلغي الجوهر الإنساني الواحد لجميع البشر المختلفين، ولا تنتقص من تساويهم في هذا الجوهر.

إذًا فالمساواة بين الناس تقوم على حقيقيتين: الأولى هي أن كل الناس في حقيقتهم وجوهرهم التكويني هم ناس متماثلون في هذه الحقيقة وهذا الجوهر؛ والثانية هي أن الاختلاف بدوره هو حقيقة وواقع جلي، فهناك دومًا أناس يختلفون في الجنس والعرق ولون البشرة والقومية والدين والرأي السياسي والعمر وسوى ذلك.

والمبدأ الأساسي الذي تعتمد عليه فكرة المساواة هو “التساوي في الإنسانية”، فكل إنسان هو إنسان، وهذه الكينونة الإنسانية هي التي تجعله يتساوى فيها مع أي إنسان آخر، ما يعني باختصار أن كل إنسان مساو لكل إنسان آخر لأن كلًا منهما هو إنسان وحسب، وهي تنطبق على كل الناس سواء اشتركوا في هوية جامعة ما مثل الدين أو القومية أو الجنس أو سواه، أم كانوا ينتمون إلى هويات مختلفة.

وإذا ما تأملنا في المساواة على مستواها المبدئي الذي يساوي بين الناس على أساس “وحدة المبدأ الإنساني فيهم” أو “وحدة الجوهر الإنساني فيهم”، وعلى هذا المستوى تكون كل الاختلافات بينهم مستثناة ومتجاوَزة، فالأمر مختلف تمامًا على المستوى التطبيقي أو العملي، حيث تتحول المساواة فعليًّا إلى عملية تساوي بين أناس مختلفين، وهم يختلفون إما على المستوى الشخصي الفردي أو على المستوى الهويوي الجمعي أو عليهما معًا، وبذلك نجد أن هناك علاقة جدلية تربط بين المساواة والاختلاف، إذ لا تكون المساواة غاية إلا حيث يكون الاختلاف موجودًا، وهي هنا تصبح مطلبًا ضروريًا يهدف إلى عدم تحول الاختلاف إلى تمييز بين المختلفين، فتكون المساواة بذلك عملية تهدف إلى تجاوز الاختلاف تجاوزًا إيجابيًا يعترف تمامًا بالاختلاف، فلا يتم فيه إلغاء الاختلاف ولا تجاهله، بل يُعترف به تمامًا وبحقه التام بالوجود، وتصبح المساواة كلها عملية نفي للتميز بين المختلفين، ما يعني أن المساواة هي واقعيًا مساواة بين المختلفين، وليس بين المتماثلين، لأن المساواة بين المتماثلين تكون محققة بشكل ذاتي، وعندها يصبح التمييز بينهم جورًا مصطنعًا، أما التمييز بين المختلفين فهو أمر مختلف، إذ يمكن للاختلاف نفسه أن يصبح ذريعة ومبررًا للتمييز الذي لا يساور من يطبقه هنا أيّ شك في أن أنه تمييز عادل، ولا يمكنه أن يكون عادلًا إلا إذا كان تمييزًا، وفي هذا الحال تتحول المساواة -وفقا للنظرة التمييزية- نفسها إلى جور، والمثال على ذلك هو حالة التمييز الديني في الأديان النسقية المغلقة، التي يتم فيها التمييز بين المؤمنين وغير المؤمنين، فيُعتبر المؤمنون خيـّرين وصالحين، وغير المؤمنين كفارًا أشرارًا فاسدين، وهنا لا تعود المساواة بين المؤمنين والكافرين عدلًا، بل تصبح بنظر المؤمنين ظلمًا وجورًا، أما في حال كان الجميع مؤمنين، فعدم المساواة بينهم هو الذي يصبح بنظر هؤلاء المؤمنين بغيًا وجورًا.

هذه المقاربة للعلاقة بين المساواة والاختلاف والتماثل ليست الوحيدة، إذ يمكننا طرح مقاربة أخرى تختلف معها في الشكل وتتفق في المضمون، ويمكن القول إن المساواة الإنسانية بين الناس هي تجاوز لما يختلفون فيه في الشكل أو الظاهر نحو ما يتماثلون فيه في الجوهر والمضمون، ولأنه لا قيمة ولا معنى للشكل والظاهر بدون الجوهر والمضمون، فالمساواة بين المختلفين في موقعها الجوهري، على مستوى الجوهر والمضمون، تصنع الضرورة اللازمة والموجبة لعدم تحوّل الاختلاف الشكلي الظاهري إلى تمييز وتفريق بين الناس المختلفين في الشكل الشخصي أو الهويوي.. والمتماثلين في المضمون الإنساني الجوهري، فالتمييز القائم على الشكل يتناقض مع التماثل القائم في الجوهر؛ وهكذا، وفقًا لهذه المقاربة، يبقى الاختلافُ في المساواة المنطلقة من الجوهر قائمًا ومعترفًا به في موقعه، بشكل يحقق طرفي مقابلة، فالاختلاف لا يـُلغى بذريعة تناقضه مع المساواة، ولكنه يُمنع من أن يتحول إلى عامل مسبب أو مبرر لعدم المساواة.

وبهذه المقاربة الثانية للمساواة يمكننا القول إن المساواة بين المسلم والمسيحي في المجتمع مثلًا، هي فعليًّا لا تتم بينهما على مستوى المجتمع كمسلم ومسيحي، ولكنها تتم بينهما كإنسانين، أي فعليًّا كإنسان مسلم وإنسان مسيحي، فالدين هنا هو الشكل، والإنسانية هي الجوهر، وبذلك تتم المساواة بينهما بشكل يتجاوز الشكل الديني إلى الجوهر الإنساني من دون إلغاء أو إسقاط الصفة أو الهوية الدنية الخاصة بكل منهما، والكلام نفسه يمكن قوله عن حالة الاختلاف في العرق والقوم والجنس.

وبناءً على كلتا المقاربتين الآنفتين، يمكننا أن نقول إن فكرة المساواة تقوم على أساس أن كل الناس متماثلون على مستوى الجوهر الإنساني، وإن كانوا مختلفين على مستوى الشكل الإنساني، في الجنس أو العرق أو القومية أو الدين أو الرأي السياسي أو سوى ذلك، وبما أنهم متماثلون على مستوى هذا الجوهر، فالعدل يقتضي المساواة بينهم على مستوى هذا الجوهر، وسيكون من الجور والظلم أن يُميّز بينهم على مستوى الشكل، وبسبب هذا الشكل، تمييزًا يتناقض مع تساويهم على مستوى الجوهر.

ولقد رأينا في الفصل السابق أن المساواة بين الناس، بما في ذلك المساواة بين الجنسين، تعني المساواة بينهم في الكرامة الإنسانية والحقوق الإنسانية، ما يعني تساوي جميع الناس بما هم ناس في القيمة الإنسانية والحق الإنساني، وهذا يمنع أي تمييز بينهم بسبب أية صفة شخصية أو هويوية، وبناء على ذلك يصبحون جميعًا متساوين في قيمتهم الإنسانية وحقوقهم الإنسانية.

طبعًا، هذه المساواة لا تقتضي أبدًا إلغاء الاختلافات بين الناس المختلفين، فالمساواة بين المسلم والمسيحي والشيوعي والليبرالي مثلًا، لا تعني قطعًا أن يتخلوا عن هوياتهم المعتقدية الخاصة، أو أن يلتزموا جميعًا بإحدى عقائدهم أو بعقيدة أخرى سواها، فالمساواة بينهم لا تقتضي بتاتًا إلغاء أشكالهم المعتقدية، بل على العكس من ذلك المساواة بينهم على مستوى كونهم جميعًا أناسًا هي التي تدفع إلى الاعتراف بما هم عليه على من اختلاف على مستوى الشكل المعتقدي، الذي يُعتبر امتلاكه حقًا من حقوق كل إنسان، ويتساوى في امتلاكه وعند امتلاكه كل الناس، ولأنه حق لكل إنسان ويتفرع عن حقه في التساوي، فهو يلزَم تمامًا كفرع ألا يكون له أي انعكاس سلبي على مستوى ما تفرّع عنه، أي المساواة على مستوى الأصل بين الناس.

فعليًّا، وبما أن المساواة وعدم التمييز بين الناس يعتبران في الفكر العقلاني حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وبما أن المساواة هي والاختلاف دومًا في علاقة ترابطية جدلية، فهذا يقتضي حكمًا وعلى أساس جدلي أيضًا أن يكون “الاختلاف” بدوره حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، فالمساواة بين الطبيب والمهندس لا تعني إعطاء الحق للطبيب بممارسة الهندسة أو للمهندس بمزاولة الطب، والخلط بين المهن أو محو الفروق بينها، فهنا ثمة اختلاف مهني تترتب عليه حقوق مهنية خاصة، ومن حق كل منهما أن تنحصر ممارسة مهنته فيه دون كل سواه، وهذا حق يتساوى فيه كل المختصين والمحترفين، إضافة إلى تساويهم في باقي الحقوق العامة، وبما أن المهنة هي شكل من أشكال الهوية، فمثالها ينطبق تمامًا على الحالة الجنسية، فكما تعني المساواة أن كل شخص يستطيع أن يحتفظ بخصوصيته أو هويته المهنية وما يترتب عليها من حقوق خاصة، ويبقى متساويًا مع سواه من المهنيين في الحقوق والقيم الإنسانية العامة، فهذا ينطبق على المساواة بين الجنسين، ما يعني أن المساواة لا تعني إلغاء الفوارق الجنوسية، بل تحافظ عليها وتنصفها بأن تعطيها حقوقًا فرعية خاصة بها، وبالوقت نفسه يبقى الجنسان متساويين في الحقوق الإنسانية العامة والقيمة الإنسانية تمامًا.

وبالنسبة لمساواة المرأة مع الرجل، يمكن القول إنها ترتبط منطقيًا وسببيًا بحقين مرتبطين في ما بينهما جدليًا، وهما حق التساوي على مستوى التماثل، وحق التساوي على مستوى الاختلاف، فكون المرأة إنسانًا، يقتضي مساواتها مع الرجل الذي تتماثل معه على المستوى الإنساني. وكونها أنثى، وهي بذلك تختلف عن الرجل الذكر على المستوى الجنسي، فهذا الاختلاف الجنسي لكي لا يتناقض مع التماثل الإنساني يقتضي عدم التمييز الجنوسي بين الجنسين، ذلك أن الجنوسة هي أيضًا شكل يتبع الجوهر الإنساني.

وبهذا الشكل نكون قد أسسنا منطقيًا وأخلاقيًا لفكرة المساواة بين الجنسين، ويضاف إلى ذلك عامل آخر هو أن المساواة بين الجنسين هي جزء كلي من المساواة بين الناس.

4-بين الاختلاف والتماثل.. لغط حديث في الغرب حول مساواة الجنسين:

فكرة التماثل، والمقصود بها التماثل في القدرات الإنسانية المرتبطة بخصوصية الإنسان الفريدة ككائن عاقل، كانت “تركز عليها النظرية النسوية في السبعينات، وهي كانت تؤكد على مبدأ المساواة منكرة الفروق بين الجنسين ومبرزة المساواة بين الطرفين في جميع الوجوه، وداعية إلى إنهاء عدم المساواة القائم على الاختلاف البيولوجي” ([12]).

وهذه الفكرة جاءت ردًا على من كانوا يرفضون المساواة بين الجنسين بذريعة أنهما مختلفان في طبيعتهما أو بيولوجيتهما، والمساواة بينهما مناقضة للطبيعة واعتداء عليها، ومثل تلك الذريعة كانت آنذاك تخدم بقاء الهيمنة الذكورية، والانتقاص من شأن المرأة على حالهما.

وفي تلك الآونة، لم تكن فكرة التماثل تلك لتتناقض مع العلم، فالاعتقاد الذي كان منتشرًا حتى في الأوساط العلمية هو أنه ليس هناك فروق جوهرية بين الدماغين لدى الرجل والمرأة، فالدماغ كان يُعتبر عضوًا محايدًا جنسيًا، وكما أنه ليس هناك قلب مذكر وقلب مؤنث، ولا رئة أو معدة مذكرة وأخرى مؤنثة، فليس هناك دماغ مذكر ودماغ مؤنث، وبما أن الأمر كذلك، فهذا يعني تماثل الأدمغة وبالتالي تماثل العقول، ومن ثم تماثل الأداء، أي قابلية كل من الرجل والمرأة لأن يقوم في المجتمع بكافة الأدوار والوظائف التي يقوم بها الآخر، وقد أصبح هذا المبدأ هو الأسلوب المعتمد في التعامل مع الجنسين في الميادين الاجتماعية والمهنية كافة، وهو يسمى بمبدأ “المماثلة والتبادلية”.

وقد كان للسياسة التي تقوم على هذا المبدأ دور كبير في فتح كل المجالات التي كانت محصورة من قبلُ في الرجال أمام النساء، وهذا ما يمكن اعتباره بالإنجاز التاريخي العظيم؛ لكن، وكأي إنجاز آخر تبين على مدى عمره التطبيقي وجود مثالب جدية فيها، حيث إن اعتماد مبدأ المماثلة أدى إلى معاملة المرأة في الميادين التي فتحت أمامها كما يُعامل الرجل تمامًا ولم تراع بما يكفي خصوصياتها واحتياجاتها الخاصة بها كامرأة، ولم تُولَ العناية كما ينبغي عند فتح أبواب العمل النهائي -على سبيل المثال- لدور المرأة في الإنجاب والتربية، ما يجعل المرأة العاملة مضطرة لتحمل أعباء العمل والحمل وتربية الطفل معًا في كثير من الأحيان، أو تكون مضطرة في أحيان أخرى للتضحية إما بالعمل أو بالأمومة، وهذا الأمر بالطبع يختلف إلى حد ما بين دولة وأخرى.

لكن المسألة لم تبق عند ذلك النمط من قلة المراعاة الذي يمكن اعتباره مسألة قانونية إجرائية قابلة للحل عبر تعديل قوانين وأنظمة العمل، وسن تشريعات مناسبة بالقدر الكافي لاحتياجات المرأة العاملة، على الرغم من أن هذا الأمر عسير، بسبب المصالح الاقتصادية لأرباب العمل في منظومة الاقتصاد الرأسمالية السائدة بشكل رئيس، فمبدأ التماثل نفسه وفكرة المساواة أيضًا أصبحا اليوم موضع هجوم شديد من قبل البعض معزز بالاكتشافات العلمية التي حدثت في العقود الثلاثة الأخيرة بشكل رئيس، وأثبتت -بما لا يدع مجالًا للشك- وجود فوارق جنوسية مهمة بين أدمغة النساء وأدمغة الرجال، إلى درجة يمكن فيها القول بوجود “دماغ مذكر ودماغ مؤنث”، و”عقل مذكر وعقل مؤنث”، وبناء على ذلك يكون هناك، “سلوك مذكر وسلوك مؤنث”.

ووفقًا للدكتور سيمون بارون كوهين، أستاذ علم النفس والأمراض النفسية بحامعة كمبريدج، الذي قام بأبحاث استمرت عشرين عامًا في مجال التمايز العقلي والنفسي بين الرجال والنساء، فإن “المخّ الأنثوي قد تم تشكيله وإعداده سلفًا ليقوم بالمشاركة والتعاطف، بينما تم تشكيل المخ الذكري ليقوم بالوظائف التحليلية والتنظيمية” ([13])؛ وفي السياق نفسه، يرد في كتاب “جنس الدماغ”، لمؤلفيه الدكتورة في علم الوراثة، آن موير، والكاتب والناشط في مجال مناهضة سوء العدالة، ديفيد جيسيل، أن “الجنسين مختلفان، لأنّ أدمغتهم تختلف عن بعضها؛ فالدماغ، وهو العضو الذي يضطلع بالمهام الإدارية والعاطفية في الحياة، قد تم تركيبه في الرجال بصورة مختلفة عنه في النساء، ولهذا فهو يقوم بمعالجة المعلومات بطريقة مختلفة عند كل منهما، وينتج عنه في النهاية اختلاف في المفاهيم والأولويات والسلوك” ([14])؛ أما الدكتور عمرو شريف، أستاذ الجراحة العامة في جامعة عين شمس، فيُجمل سمات كل من العقلين الأنثوي والذكري بأن “المخ/ العقل الأنثوي التعاطفي” يهتم بالأشخاص والتواصل والحميمية، ويتمتع بالأفضلية في تفهم مشاعر الآخرين والحرص عليها، فهو أقدر على قراءة الأفكار والمشاعر، ولذا لا يستخدم العنف والتنافس من أجل السيادة والقيادة، وهو ذو تفكير تكتيكي يهتم بالتفاصل، ويتمتع بقدرات لغوية عالية وأسلوب ساخن في التعبير، ولديه ردات أفعال قوية، وهو لا يطيق القواعد والقوانين الجامدة ويتمرد عليها، ولكنه أقل ميلًا للنشاط العقلي التحليلي والتصنيفي والإنشائي، وهذا يضعف قدراته الإستراتيجية. أما “المخ/ العقل الذكوري التنظيمي”، فهو ذو تفكير إستراتيجي، ويركّز على الهدف الأساسي والتفاصيل المهمة، ويتميز في قدراته التحليلية والتصنيفية والإنشائية، وهذا يمكّنه من إصدار الأحكام واتخاذ القرارات، من دون أن يتأثر كثيرًا بالعوامل النفسية والشعورية، كما أنه أيضًا يتميز في القدرات البصرية الفراغية”.

لكن ذلك لا يعني أن التحليل والتنظيم معدومان عند المرأة، وأن التعاطف والتشارك لا وجود لهما عند الرجل، فالحديث أعلاه هو عن السمات السائدة لدى كل منهما، وبالتالي فمن الممكن وصف طريقة عمل كل من العقلين بأن العقل التعاطفي يقوم بمهمات التحليل والتنظيم، تحت تأثير المشاعر التعاطفية وفي خدمتها، في حين يقوم العقل التنظيمي بالتعاطف تحت سيطرة التحليل والتنظيم وفي خدمتهما ([15]).

 هذه الاكتشافات كان لها في المحصلة تداعياتها المعلنة على مسألة المساواة، التي أعيد فيها السؤال عن مفهوم المساواة، والعلاقة بين دور الوارثة ودور التنشئة في تكوين شخصية الفرد، وأدت في بعض الأحيان إلى هجوم عنيف على مبدأ التماثل بين الجنسين، وهذا ما فعله مثلًا د. سيمون كوهين الذي يقول: الكثير من الحقائق التي تم التوصل إليها في مجال الفوارق الجنوسية بين الرجال والنساء قد تم إخفاؤها لما لها من انعكاسات اجتماعية وسياسية. وبدلًا من الإقرار بالحقيقة والتصرف في ضوئها وقف رد فعل الكثيرين على مجرد الاندهاش والقول بأن ذلك ما كان ينبغي أن يكون كذلك. لقد آن الأوان لنسف الفكرة القائلة بأن الجنسين مثماثلان، وأن كلًا منهما يمكن أن يقوم بدور الآخر” ([16])؛ وبدوره يقول كتاب “جنس الدماغ”: “لقد حان الوقت كي نتوقف عن التنازع العقيم حول مقولة إنّ الرجال والنساء خلقوا متساوين، فهم لم يخلقوا كذلك ولن يستطيع أي مقدار من المثاليّة أو من الخيال الطوبائي تغيير هذه الحقيقة، ولكنها بالتأكيد ستؤدّي إلى توتر العلاقة بين الجنسين” ([17])، وهو أيضًا يعزو إلى “مبدأ التماثل” التسبب بالفشل للكثير من النساء بسبب سعيهن للتمثـّل بالرجال، ومحاولة النجاح بأساليب تماثلهم، فيقول: “وعلى الرغم من القدر الكبير من الحرية التي حصلت عليها المرأة في التعليم والفرص في الحياة وفي عدم خضوعها لقيود المجتمع، فإنّ النساء لم يحققن تقدمًا مهمًا بالمقارنة مع ما كان عليه وضعهن قبل ثلاثين سنة. والسيدة تاتشر ما زالت الاستثناء الذي يثبت القاعدة. وكانت هناك نساء في الوزارة البريطانية في سنوات الثلاثينيات من هذا القرن أكثر مما هن عليه في الوقت الحاضر. ولم تحصل زيادة تُذكر في عضوات البرلمان البريطاني خلال الثلاثين سنة الماضية، وبعض النساء، من منطلق إحساسهن بالقصور في الوصول والاقتسام المزعوم للسلطة والقوة، يشعرن بأنهنّ قد فشلن، ولكن الحقيقة هي أنهنّ فشلن فقط في أن يصبحن مثل الرجال” ([18]).

ويرى الكتاب أن التشبث بفكرة المساواة يعود إلى تعصّب الآراء السياسية المطالبة بها، وكأنها قد تحولت إلى أيديولوجيا عمياء، إذ يقول: “العلم، بناء على ذلك، يستطيع أن يقدم لنا تفسيرًا للطريقة التي أصبح فيها الرجال والنساء مختلفين عن بعضهم، ولكن بعض السياسيين المنادين بمساواة المرأة بالرجل سوف ينكرون صدق العلم. وفي الحقيقة، فإن قلة من العلماء يجادلون بأنّ الآراء السياسية المطالبة بالمساواة قادرة على أن تبطل سلامة العلم نفسه” ([19]).

للوهلة الأولى تبدو هذه الآراء التي يطرحها كل من سيمون كوهين وآن موير وديفيد جيسيل في منتهى الخطورة، فطالما أن الهجوم هنا موجه ضد فكرة المساواة ومبدأ التماثل، فهو يمكن أن يفهم كدعوة للنكوص عنهما، والرجعة إلى التمييز الجندري السابق، الذي كان فيه الرجل في مجتمعه الذكوري يتحكم بالمرأة، وينتقص من قدرها، ويقصيها اجتماعيًا ويقزمها إنسانيًا، ومجتمع كهذا لو وجدت فيه آن موير نفسها لما كانت لتكون فيه أكثر من ربة منزل تقليدية لا تتميز بأي شيء مميز، ولما كان لأحد خارج محيطها الضيق أن يعرفها، وأي طرح يتباكى على مثل هذا الماضي الجائر لا يوصف اليوم إلا بأنه رجعية صارخة تتناقض مع العقل والضمير الإنسانيين، ولا مكان لهما في الفكر العصري والعلم الحديث.

وبالطبع لا يمكن لشخصيات علمية واجتماعية عصرية متميزة مثل كوهين وموير وجيسيل أن تقع في مثل التناقض المرضي، وتتبنى مثل تلك الرجعية السافرة.

أما الهجوم الموجه ضد مفهومي “المساواة” و”التماثل” فهو رد فعل على سوء الفهم الذي سبق أن وقع فيه أنصارهما، فجعلوا من مفهوم المساواة يتطابق مع مفهوم التماثل الذي لا يعترف بوجود الفوارق، وهذا اليوم ما ينقضه العلم، ويبين الواقع العملي وجود عيوب لا يستهان بها في تطبيقه، ولكن ردة الفعل هذه هي نفسها تأتي محافظة على المفهوم التطابقي نفسه للمساواة والتماثل الذي تتوجه ضده، وهذا يضع سؤالًا حرجًا في مواجه هذا الهجوم والرفض لفكرتي المساواة والتماثل عن الغاية من هذين الرفض والهجوم، وعن البديل المطروح لفكرتي المساواة والتماثل، والمفاعيل العملية التي يجب أن تترتب على ذلك، فإن كان “الاختلاف” يمكنه أن يكون بديلًا مقبولًا “للتماثل”، فماذا سيكون بديل المساواة؟ وبما أنه في هذه الحالة هناك خياران فقط إما “المساواة” أو”اللامساواة”، فمن يرفض “المساواة”، فرفضه يعني أنه مع “اللامساواة” أي مع “التمييز”، الذي يعتبره العقل والضمير العصريان انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.

سيكون من بالغ السذاجة أن نتوهم أن في تلك الطروحات دعوة لعودة “التمييز الجندري” أو إحياء أزعومة “تفوق الرجل”، وما يريده أصحابها هو قطعًا ليس النكوص إلى التخلف والجور، بل التقدم إلى مزيد من العدل والتكافؤ في العلاقة بين الجنسين ودورهما في المجتمع، وفي فهم وتفهم كلٍّ منهما لخصوصياته الخاصة ولخصوصيات الآخر، ما يعني أن تلك الأصوات الناقدة لشكل المساواة الراهن الفارض لمفهوم التماثل الشمولي هي فعليًّا تريد تصحيح المساواة والاعتراف بحقيقة الاختلاف، وإعطاء الاختلاف حقه ودوره.

ولو عدنا إلى ما سبق الحديث عنه في مسألة مفهوم المساواة والعلاقة بينها وبين الاختلاف والتماثل، فسنجد أن المساواة -كما تم البيان آنفًا- لا تعني ولا تشترط قطعًا التماثل المطلق وإلغاء الفروق، بل على العكس من ذلك، ثمة علاقة جدلية تكاملية بينها وبين الاختلاف، وهي في مفهومها الدقيق تركز على التساوي التام في الكرامة والحقوق الإنسانية بين كل الناس المختلفين، فهل يرفض كوهين أو موير أو جيسيل أو أي عالم حديث أو ناقد عقلاني معاصر آخر مثل هذه المساواة؟!

 لكن بما أن قدرًا من الانحراف قد وقع في مفهومي المساواة والتماثل بين الجنسين عند أنصارهما من قبل، كما بينّا أعلاه، فقد استجر هذا ردة فعل قوية تجهاههما عند بعض الناقدين الحديثين الذين ما يزالون يحافظون على التصور عن المفهومين نفسه، وقد وجد هؤلاء في المعطيات العلمية الأحدث ومعطيات الواقع المعيشي الراهن ما يستندون إليه في نقدهم الشديد الذي وجّهوه إليهما، إلا أن تصحيحًا للمفاهيم، وهو جد ضروري، يمكنه أن يحل المشكلة، فعند تصحيح الخلل الذي حدث في مفهومي المساواة والتماثل ستُحلّ المشكلة كلها تلقائيًا.

إن المساواة بين الجنسين كما بينا آنفًا لا تلغي الفروق الجنسية بينهما، تمامًا كما لا تلغي المساواة بين مواطنـَين أحدهما مسلم في الدين والآخر مسيحي الاختلافاتِ الدينية بينهما، بل على العكس تعترف بها وتضمنها لكليهما، وهذه المساواة لا تساوي بين الرجل والمرأة لأنه لا يوجد -بنظرها- فوارق واختلافات بينهما، أي لأنها تزعم تماثلهما التام، فهذه المساواة تساوي بين الرجل والمرأة، وبين الرجل والرجل، وبين المرأة والمرأة، وهي أيضًا لا تلغي الفوارق الشخصية بين المرأة والمرأة ولا بين الرجل والرجل ولا تفترض تماثل كل الرجال في ما بينهم وكل النساء في ما بينهن، ولكنها تنطلق من حقيقة تماثل الجميع رجالًا ونساء في كلا الجنسين، وفي ما بين الجنسين على مستوى الجوهر الإنساني، الذي يترتب عليه حكمًا التساوي على مستوى الشكل الإنساني بكل ما فيه من اختلافات في الشخص أو في الجنس أو في الفكر أو في الانتماء وسوى ذلك.

إضافة إلى ذلك، من المهمّ الإشارة إلى أن مواقف كلٍّ من سيمون كوهين وآن موير وديفيد جيسيل هي عيّنة من المواقف التي تركز على دور الفروق البيولوجية في إضفاء الطابع الجنسي على السلوك الشخصي لممثلي الجنسين، وعلى الرغم من أن الاعتراف بوجود الفوارق الجنسية هو الراجح في الأوساط العلمية، فإن الأمر ليس كذلك في ما يتعلق بالدور المعزوّ لهذه الفوارق في المفاعيل السلوكية لدى الجنسين، ففي الوقت الذي يركز فيه البعض على دور جوهري لهذه الفوارق، كما رأينا، نجد آخرين لا يقبلون بفصل العوامل البيولوجية عن العوامل الاجتماعية، كالباحث في ميدان الفروق الجنسية جريج جوهانسون الذي يقول: “إن السؤال عن أيّهما أهمّ في تشكل سلوك الإنسان، العوامل البيولوجية الطبيعية أم العوامل التربوية المكتسبة، هو تمامًا كالسؤال عن أيّهما أكثر تأثيرًا في تحديد حجم جسم ما، طول الجسم أم عرضه، فكلاهما مكون أساسي له تأثيره المباشر على المحصلة النهائية” ([20]). أما عالم الأحياء والباحث في العقل البشري الألماني، جيرالد هوتر، الذي لا ينكر بدوره وجود فوارق دماغية وآثار سلوكية مرتبطة بها لدى الجنسين، فيقول ناقدًا ربط الاختلافات السلوكية بالعوامل البيولوجية أو الجينات: “إن التفسير الأكثر انتشارًا حول الاختلاف بين الرجال والنساء لا يزال يقدمه حتى الآن علم الحياء التطوري. وإنّ الرجال لا يسألون عن الطريق ولا يتحدثون عن المشاعر، وهم أكثر قدرة على ركن السيارة من الخلف ويستطيعون التفكير بطريقة منطقية، وهم أكثر شراسة وأقل قدرة على إقامة العلاقات وأكثر تحمسًا للرياضة، ويُفسَّر ذلك بميراثهم الجيني منذ العصر الحجري؛ فهم يمتلكون عقلًا مختلفًا، وتمت برمجتهم بأسلوب مختلف. وهذا تكرار وحشو مبالغ فيه بقدر كبير، ولا يفسّر شيئًا” ([21])، ثم يضيف موضحًا أهمية دور العامل الاجتماعي في العملية: “إن مخـّنا يقوم بتكوين شبكات داخله، ويفكر ويعمل بالطريقة التي نستخدمه بها، وتتكون الشبكات بسرعة خاصة، وتتصل ببعضها بشدة عندما يكون الشيء الذي يشغلنا يحظى باهتمامنا كثيرًا، وعندما يؤثر فينا تأثيرًا عميقًا أو يثير حماسنا أو انفعالنا، أو بأي طريقة أخرى يفعّل مراكز الشعور في الأجزاء الأكثر عمقًا من الدماغ” ([22])؛ أما الباحثة وأستاذة التصوير العصبي المعرفي في جامعة أستون البريطانية، جينا ريبون، فتمضي أبعد من ذلك لتقول، بناء على تحليل بياني أجرته حول الفروق بين مخي الجنسين، إنها لم تجد فروقًا ملحوظة بين مخ المرأة ومخ الرجل، وترى أن الاختلاف الذي يفرّق بين سلوكيات الإناث والذكور مردّه إلى “عالمنا الجنساني”، فالعالم الجنساني هو ما يضع القواعد للسياسات التعليمية والهرم الاجتماعي والعلاقات العاطفية حتى الهوية ([23]).

5- ما هي المفاعيل التي يمكن أن تترتب على الحقائق العلمية الجديدة؟

إن الاعتراف بالاختلاف وتساوي المختلفين هو الركيزة التي تقوم عليها الديمقراطية، وما لا شك فيه أن هناك أخطاء صغيرة أو كبيرة تحدث في أداء الأنظمة الديمقراطية، التي تتعلم من أخطائها، والأصوات التي تدعو اليوم لتصحيح الأخطاء في قضية المساواة تندرج بجزئها الأكبر في إطار التعلم الديمقراطي من التجربة.

ومع ذلك، فعند إعلاء الصوت أو طرح الرأي، فمن الممكن أن يحدث تطرّفٌ ما، في هذا الاتجاه أو ذاك، بدرجة أو بأخرى في حين أو في آخر، وكما وقع من قبلُ تطرّف في مسألة “التماثل بين الجنسين”، فتطرف مماثل يقع اليوم في مسألة الاختلاف، ويمكن القول إن آراء سيمون كوهين وآن موير وديفيد جيسيل تندرج إلى حدّ ما في إطار هذا التطرف، فإن كان سيمون كوهين يرى أن “الأوان لنسف الفكرة القائلة بأن الجنسين متماثلان قد آن، وأنّ كلًا منهما يمكن أن يقوم بدور الآخر”، وهذا ما يشاركه فيه كل من آن موير وديفيد جيسيل اللذان يقولان: “لقد حان الوقت لنسف الأسطورة التي تقول بقابلية تبادل الأدوار بين الرجال والنساء، إذا ما أُعطوا فرصًا متساوية لإثبات ذلك، ولكن الأمر ليس كذلك، لأن كل شيء فيهما أبعد ما يكون عن التساوي” ([24])، ويضيفان لاحقًا: “الواجب على النساء في هذه المرحلة أن يساهمن بمواهبهن الأنثوية الخاصة، بدلًا من تبديد طاقتهن في البحث عن بديل ذكوري لأنفسهن” ([25])، وهما أي -موير وجيسيل- يعزوان إلى “فكرة التماثل” فشل كثير من النساء اللاتي حاولن أن يقلّدن نجاح الرجال؛ فهذا يستوجب السؤال عن بديل مبدأ “المماثلة والتبادلية”، وهل سيكون ذلك في وضع سياسةِ جندرةٍ للوظائف والأعمال والنشاطات، فيُمنع فيها ممثلو هذا الجنس أو ذاك من مزوالة أعمال معينة أو ممارسة نشاطات محددة، بذريعة أنها لا تناسب جنسهم؟ أما ما يقال عن تسبب هذا المفهوم في فشل قسم من النساء اللاتي توهّمن تماثلهن مع الرجال، فحاولن تقلديهم وفشلن؛ فهو كلام شديد العمومية والضبابية والفضفضة؛ إذ لا يمكن تحديد الميادين التي تقع فيها مثل هذه الأمور.

 وإلى أي مدى تعاني النساء فعليًّا اليوم النقصَ في المجالات العملية والنشاطية التي تناسب أنوثتهن؟ وما هي البدائل المطروحة التي عليهن بالضبط أن يتجهن إليها لأنها أنسب جنوسيًا لهن.. وعلى المجتمع أن يوفرها لهن ويمكنهن من العمل والنشاط فيها؟ وهل يتساوى الرجال أنفسهم في النجاح في المجالات التي يقال إنها أنسب للرجال كالهندسة والجراحة والملاحة وهلمّ جرًّا؟ وماذا عن النساء اللاتي ينجحن ويتميزن في مجالات محسوبة على الرجال، أو لسن ذوات (دماغ أو عقل أنثوي تعاطفي) كباقي بنات جنسهن؟ وكلام مشابه يقال أيضًا عن الرجال الذين يتميزون في مجالات موصوفة عمومًا للنساء!

إن عدم تحقيق النساء لنجاح مثل الرجال -والمعيار هنا كمي وليس نوعيًا، لأنه إذا أهملنا النسب والأرقام، فلن يبقى بعدها أي مجال لم تنجح فيه النساء- يمكن عزوه بشكل رئيس ليس إلى محاولة النساء التمثل بالرجال وتقليدهن توهمًا أو اضطرارًا، بل يمكن القول إنه يأتي في سياقه التاريخي الطبيعي حتى الآن، فآلاف السنين من إقصاء وتهميش المرأة، والتمييز الجائر ضدها، لا يمكن إلغاء مفاعيلها المتعددة المتجذرة في المجتمعات خلال عقود من اعتماد سياسة المساواة، والمجتمعات الغربية هي حديثة العهد في هذا الميدان، أما مبدأ “المماثلة والتبادلية”، فهو إنجاز تاريخي عظيم، وقد أثبت نجاحه الحقيقي، بالرغم من أن الاكتشافات البيولوجية الحديثة أثبتت خطأ فكرة التماثل التام بين الدماغين الذكري والأنثوي، فمع ذلك ما يزال هذا الدماغان متمثلين على المستوى الجوهري في أنهما “دماغان عاقلان”، على الرغم من وجود اختلافات نسبية في شكل عقلانية كل منهما، لكن هذه الاختلافات العقلية المرتبطة بالجنس ليست أكثر تأثيرًا من الاختلافات العقلية المرتبطة بالشخص وبالعوامل الشخصية، أي بالأشخاص المختلفين كأفراد مختلفين، وبالتالي فالتخلي عن مبدأ “المماثلة والتبادلية” بذريعة عدم ثبوته علميًّا، هو نفسه إجراء متدني العلمية، ويعني فعليًّا العودة إلى التمييز العنصري الجنوسي، وستكون المرأة هي الخاسرة الأكبر في ذلك وبامتياز، فالمبدأ على أرض الواقع صحيح تمامًا، فقد أثبتت النساء من حيث المبدأ أنهن يستطعن النجاح والتميز في كل ميدان ينجح فيه الرجال ويتميزون، وهذا يعني أن الناجحات والمتميزات هن في هذه الميادين مماثلات للرجال ويستطعن أن يكن بدائل لهم، وهذا الكلام قد يُعترض عليه بأن ثمة تباينات كبيرة في النسب، ومع أن هذه النسب قابلة دومًا للتغير، وأن حصرية ارتباطها بالجنوسة البيولوجية هي حتى اليوم فرضية، فحتى عند تعاملنا مع النسب على وضعها الراهن، فبأي حق أو منطق نستخدم هذه النسب التي تدل على إمكانية أن تنجح بعض النساء وأن يتميزن في ميادين معينة لنجعلها سدًّا بوجه كل النساء إلى هذه الميادين؟ هنا يمكن القول إن هذه النسب هي دليل على أن مبدأ “المماثلة والتبادلية” يعمل بشكل صحيح، وأن العملية في هذه الميادين تحل نفسها بنفسها بشكل عفوي، وتصنع نسبها بما يتناسب مع الإمكانات المتاحة في لحظتها الراهنة، والتي يمكن أن تتغير إذا ما تغيرت الظروف، أما مبدأ “المماثلة والتبادلية”، وهو الذي يقول بقدرة كل من الرجال والنساء على أداء أدوار بعضهم البعض، فهو لا يعني حكمًا أن كل امرأة قابلة لأن تقوم بدور أي رجل أو العكس، فهذا الأمر ليس محققًا بتاتًا حتى على مستوى الجنس الواحد، فلو طبقنا هذا المبدأ في وسط الرجال على حدة، أو وسط النساء على حدة، فلن يعترض عليه أحد كمبدأ، مع أن كمًا هائلًا من الفروقات الشخصية سنجده في الواقع داخل كل من الوسطين، وسيكون هناك أعداد غفيرة من الرجال الذين لا يمكنهم أن يستبدلوا عمليًا بعضهم بعضًا، ومثله سيكون الحال بين النساء.

وفحوى الكلام في هذه القضية يمكن إيجازه بأن الفوارق التكوينية بين الجنسين هي حقيقة معروفة منذ القدم، وقد أغناها العلم الحديث اليوم بمعارف قيمة، لم يكن من الممكن الوصول إليها من قبلُ، وبما أن هذه الفوارق موجودة، فمن المنطقي أن يكون لها دور مؤثر، ونفي ذلك يتعارض مع مبدأ السببية المنطقي والعلمي، لكن المبالغة في تقدير دورها هي مثل تجاهل أو تهميش هذا الدور. ومن المهم جدًا، بدرجة تعادل أهمية الاعتراف بوجود ودور هذه الفوارق، فهم أن هذه الفوارق لا تعمل بمفردها، فهي دومًا تتفاعل وتتداخل مع البيئة المحيطة، وتنتج معها محصلة تكوينية إنشائية مشتركة تصنع بواسطتها الشخصية الفردية، وفي هذا التفاعل والتداخل يصبح حال هذه الفروق مثل الهيدروجين عندما يتفاعل مع الأوكسجين، فينتج الماء الذي يختلف فيزيائيًا وكيميائيًا عن كل من الهيدروجين والأوكسجين، ولكن ذلك الهيدروجين عندما يتفاعل مع الكبريت لا يُنتج الماء قطعًا، بل ينتج كبرتيد أو سلفيد الهيدروجين المختلف جذريًا عن الماء وعن الهيدروجين والكبريت نفسيهما، وإضافة إلى ذلك، هناك مسألة أخرى في منتهى الأهمية ترتبط بالعلاقة بين الوراثة والتنشئة، فالوسط المحيط الذي ينشأ فيه الشخص البشري لا يبرمج دماغه كما كان معتقدًا فحسب، وقد ثبت اليوم أن دوره لا يقتصر على برمجة الدماغ، إنما أيضًا على المشاركة في طريقة نموه وهندسته وبنائه، وهذه العملية مرتبطة بـ “لدونة الدماغ”، التي تعني أن الدماغ ينمو بما يتناسب مع الطريقة التي يتم استخدامه بها، والتي يحددها عادة الوسط المحيط، ما يعني أن الأدمغة المتشابهة ستنمو و”تتهندس” بأشكال مختلفة، عندما تنشأ في بيئات اجتماعية مختلفة ([26]).

وهكذا يمكن القول إن المفاعيل الرئيسة لاكتشاف وإثبات الفوراق الدماغية بين الجنسين يمكن أن تؤدي إلى ما يلي:

  1. صياغة تشريعات جديدة تضمن مراعاة أكبر لخصوصيات واحتياجات المرأة العاملة تراعي طبيعتها كأنثى، ودورها كأم سواء في مرحلة الحمل أو الإرضاع أو تربية الطفل.
  2. العقلية المختلفة للجنسين.
  3. فهم وتفهم وتفاهم أكبر في العلاقة بين الجنسين، سواء على صعيد التواصل الجنسي أو الشراكة الأسرية أو الزمالة المهنية أو أي نشاط مشترك آخر.
  4. مساعدة ممثلي الجنسين في فهم طبيعتهم الشخصية والجنسية أكثر، والبحث بمعرفة أكبر عن مجالات العمل والنشاط الأنسب لهذه الطبيعة.
  5. تعزيز ثقافة احترام الاختلاف والتكامل بين الجنسين، كونها تثبت أنهما يكملان بعضهما البعض ولا يكرران بعضهما البعض بما لديهما من تميزات مختلفة.

أما اتخاذ إجراءات تمييز جندري أو تراجع عن إجراءات المساواة بين الجنسين التي تمت أو تحديد وتأطير دور ومشاركة المرأة في المجتمعات المتقدمة، فهذا لن يحدث شيء منه كما يتوهم ويتمنى الذكوريون في مجتمعاتنا، وأسباب ذلك هي:

  1. ما بينته الاكتشافات العلمية في ميدان الفوارق الجنوسية حتى الآن يفيد بتوزع التميزات بين الجنسين وتكاملهما فيها، ويسقط إمكانية القول بتفوق جنس على جنس.
  2. الدراسات العلمية ما تزال مستمرة في هذا الميدان وتتطور كمًّا وكيفًا، وتتوصل إلى معارف جديدة تطور أو تعدل أو تغير خلاصات المتوفر منها حتى الآن، ما يعني أن فهمًا أكبر وأعمق ما يزال يحدث وسيحدث على مستوى كشف الفوارق وبيان تأثيراتها.
  3. فكرة المساواة بحد ذاتها تقوم على فكرة التماثل في الجوهر بين كل الناس المختلفين، حتى الاختلاف في الجنس، وهي لم تقم على افتراض التماثل في “صفات المختلفين”، ولم تشترط انتفاء الاختلافات بينهم، ما يعني عدم وجود ربط بينها وبين الفوارق المكتشفة.
  4. المساواة نفسها لا تنفصل عن مسألة الاعتراف بالاختلاف واحترامه وضمان حقوقه، وهي لا تفرض على المختلفين أن يتماثلوا في ما هم مختلفون فيه، وهي بذلك لا تمس الاختلافات بين الجنسين، ولا تفرض على أي منهما أن يكون “غير ما هو عليه”، أو تدفعه إلى القيام بما لا يناسبه، أي إنها لا تفرض على النساء أن يقلدن الرجال ولا العكس، وإن كان خطأ ما قد وقع بدرجة ما في فهم أو تطبيق المساواة، فالحل الصحيح والوحيد إنما هو تصحيح الخطأ، وعندما يكون ثمة عائق آخر يعوق تطبيق المساواة، فلا بد من تحديده والكشف عنه والعمل على إزالته بحد ذاته، وليس مهاجمة فكرة المساواة بحد ذاتها والسعي لإلغائها.
  5. 5- الواقع يثبت أن “فكرة المساواة”، فضلًا عن نبلها الأخلاقي، هي فكرة صائبة تمامًا عمليًا، فقد تمكنت النساء من النجاح والتميز في كل الميادين التي ينجح ويتميز فيها الرجل، أما تفاوت النسب، وهو أمر واقع اليوم، ولا بد من البحث الدقيق والمتروي عن أسبابه الحقيقية وعدم تفسيره بشكل متسرع أو اعتباطي، فهو أمر لا يتنافى مع المساواة بما هي من حيث المبدأ مساواة في “إتاحة الفرص”، وليس “تحديدًا فرضيًا لكميات أو حصص”، فهي مثلًا لم تفرض على أي كلية هندسية أن تجعل نصف طلابها من الإناث، بل أعطت الفرصة لمن لديها الرغبة والكفاءة لدراسة الهندسة من الفتيات في أن تتمكن من ذلك.

6- الخلاصة:

المساواة في المجتمعات العصرية كواقع، وللمجتمعات النامية كهدف، هي ليست أيديولوجيا سياسية، أيًا كان دور السياسيين فيها، وهي في أساسها مبدأ إنساني وغاية وضرورة إنسانيتان، والهجوم عليها -بذريعة العلم- يعني أن من يفعل ذلك لديه مشكلة، إما في مفهومه للمساواة وإما في موقفه الإنساني، وإما في فهمه للعلم. والمساواة بين الجنسين هي جزء أساسي من المساواة العامة، ولا يُقبل الانفصال عنها، وليس لمفكر أو مثقف عقلاني أن يرفض أيًا من هاتين المساواتين، إلا إذا وقع في خطأ في مفهوم هذه أو تلك، وهذا ما قدّمنا عيّنة عنه، عند عرض مناقشة بعضٍ من أفكار سيمون كوهين وآن موير وديفيد جيسيل، الموجهة ضد هذه المساواة في المجتمعات الغربية المتقدمة. لكن الأمر مختلف في مجتمعاتنا، فشتان بين من ينتقد تجربة قائمة بغية إصلاحها وتطويرها، كما هو الحال في الغرب، وبين من يرفضها مسبقًا لتكريس حالة غير سوية، كما هو الحال لدينا.

في الغرب، تُنتقَد فكرة المساواة بين الجنسين، وفق مفهوم محدد للمساواة تتماهى فيه مع “التماثل الشمولي”، الذي يتسبب -كأي شمولية أخرى- في كثير من النتائج السلبية، ولكن علينا أن نكون واقعيين في طروحاتنا، فمثل “هذه الشمولية” ليست سائدة عمليًا في الواقع الغربي، وهناك كمّ جد كبير من المجالات العملية والنشاطية تستطيع فيها المرأة ببساطة أن تنجح فيها مثل الرجل تمامًا، من دون أن تواجه عائقًا مرتبطًا بأنوثتها أو تناقضًا معها، أما الباقي من المجالات التي ما يزال لا يحدث فيها هذا، فهي تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحليل المتروي الدقيق.

مع ذلك، يتوهّم مَن يتوقع أن تلك الأصوات الناقدة للتساوي بين الجنسين في الغرب تتشابه مع تلك الرافضة له في مجتمعنا، فتلك الأصوات الناقدة تنطلق من معطيات علمية موضوعية وتبني عليها، وعندما تخطئ في شيء ما، فخطؤها لا يتعدى حدود “الخطأ المعرفي”، أما لدينا فالأصوات الرافضة تنطلق من “إيمانوية مسبقة”، ثم تتذرع لاحقًا بالعلم لتبرير وتعزيز موقفها، ونحن هنا أمام “مشكلة تعصّب”؛ إذ لدينا متطرفون، ما تزال المرأة في نظرهم عورة ناقصة في عقلها ودينها، فهل تؤيدهم الاكتشافات العلمية الجديدة في مجال الفوارق الجنوسية في شيء من هذا؟ ولدينا من لا يزال يصرّ بقوة على وصاية الرجل على المرأة، وعلى عدم مساواتها معه في كثير من الأمور، كشؤون الزواج والطلاق والميراث والدِّية! وكذلك قانون توريث الجنسية، فعمومًا ما تزال المرأة لدينا لا تستطيع أن تورث جنسيتها أو مواطنيتها لأبنائها، كما يستطيع الرجل! حتى في اللباس، هناك تمييز! فإن ارتدت المرأة ثيابًا عصرية، كما يفعل الرجل، فهي تُدان في أخلاقها، وفي شرفها أيضًا، من قبل المتشددين. وما تزال الذهنية الذكورية الرافضة لأن تكون المرأة حاكمًا مهيمنة. وهذه عينات من أشكال التمييز الجنسي في مجتعاتنا، ولا تشمل كل تلك الأشكال.

فهل ثمة أي رابط بين كل هذه العينات من التمييز وما تقوله العلوم الحديثة عن الاختلافات الجنوسية؟ وهل سيقتنع الذكوريون المتشبثون بزعم “تفوّق الرجل”، والذين يقولون: “لو لم يكن الرجل هو المتفوق لما أمكنه أن يسيطر على المرأة على مدى آلاف السنين وفي معظم المجتمعات”، إذا قدّمنا لهم مثلًا تفسير آن موير وديفيد جيسيل لهيمنتهم، إذ يقولان عنها: “الاختلاف السلوكي الأكبر بين الرجال والنساء هو في عدوانية (aggression) الرجال الطبيعية والمتأصلة فيهم، وهي التي تفسر إلى حدّ بعيد هيمنتهم التاريخية على بقية الأجناس الأخرى، والرجال لم يتعلّموا هذه العدوانية من أجل استخدامها في الحرب الدائرة بين الجنسين، ونحن بدورنا لا نعلّم أطفالنا كي يصبحوا عدوانيين، مع أننا في الواقع نحاول عبثًا أن ننزع منهم عدوانيتهم، حتى أكثر الباحثين معارضة للاعتراف بالفوارق بين الجنسين يقرّون بأن العدوانية هي ميزة ذكورية، ولا يمكن تفسير وجودها من خلال عملية التكيف الاجتماعي” ([27])؟!

وماذا سيكون موقفهم من هذا الرأي الذي يقدّمه لنا جيرالد هوتر، ويقول فيه للرجال: أسرّ لكم بكلمة في ما بيننا: لا يبدو الأمر جيدًا.. لقد انقلبت علينا الرياح، كما أن الأرض التي ظل آباؤنا وأجدادنا قادرين على الوقوف عليها، أصبحت الآن زلقة بدرجة أسرع مما يمكن أن تتخيلوها. إن رفيقنا في ذات الجنس (ر.ف. باومايسترز)، وهو واحد من أشهر رجال علم النفس الاجتماعي، كتب في ألبوم (الضيافة) الخاص به، والذي منحه عنوان: “هل هناك أي شيء جيد بشأن الرجال؟”، يقول: “إن النفع الذي يسديه الرجال لحضارة ما هو الاستغناء عنهم”… “إن النساء رائعات، أما الرجال فهم، حسنًا.. لم يتمكنوا من مواكبتهن” ([28])؟!

بإمكان ذكوريينا الآن أن يهاجموا (العالِمين) هوتر وباوماسترز، ومعهما الدكتورة موير والإعلامي جيسيل أيضًا، إن شاؤوا. أما نحن، فسنختم مقالنا بالقول إن الغاية من هذه الدراسة ليست الاصطفاف الجندري إلى جانب النساء في مواجهة الرجال، فمثل هذه المواجهة يجب ألا يكون لها وجود في مجتمع إنساني متقدم، والغاية هنا تتلخص في ما يلي:

  1. تسليط مزيد من الضوء على ما يجري في الغرب اليوم، بخصوص موضوعة المساواة ونقد الأفكار التي تنتقد أو تهاجم “فكرة المساواة” هناك، وذلك بهدف معرفة وفهم تجربة الغرب المتقدم في هذا المجال والاستفادة العملية منها في مجتمعاتنا العربية.
  2. الرد على الذكوريين في مجتمعاتنا، الذين اتخذوا من المكتشفات العلمية الجديدة ومن الآراء المبينة عليها ذرائع لتبرير وتعزيز التمييز الجنوسي والهيمنة الذكورية السائدين لدينا.

فضلًا عن عدم قابلية الاكتشافات العلمية الحديثة، في ميدان الفوارق الدماغية والعقلية بين الجنسين، للتوظيف في دعم فكرة تفوق جنس على الآخر، كما بيّنا، فالفهم الصحيح لفكرة المساواة أيضًا يُسقط أي اعتقاد بوجود تناقض بينها وبين أحدث المكتشفات الفوارقية بين الجنسين، وهذا ما يمكن أن يقال للناقدين الغربيين، أما ذكوريّونا، ذوو الآراء المتطرفة المنغلقة المسيئة للنساء، فموقفهم المغرض في تسخير هذه الاكتشافات ينطبق عليه المثل الشامي القائل: “العرس في دوما والطبل في حرستا”.

رسلان عامر _ مركز حرمون للدراسات

مراجع البحث:

المراجع الورقية:

1- بعلي، حفناوي. بانوراما النقد النسوي في خطابات الناقدات المصريات. عمان: دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2019.

2- شريف، عمرو. ثم صار العقل مخًّا. ط 1. القاهرة: مكتبة الشروق، 2012.

3- شريف، عمرو. كامل، نبيل. المخ ذكر أم أنثى. ط 2. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2011.

4- هوتـر، جيرالد. “الرجل والمرأة.. أيهما الجنس الأضعف”. ترجمة علا عادل. ط1 القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، 2011.

المراجع الإلكترونية:

1-محمد يوسف علوان، مبدأ المساواة وعدم التمييز: دراسة في القانونين الدولي والأردني، بوابة ميزان للقانون، https://cutt.us/yTyN2

2- إعلان ومنهاج عمل بيجين، مكتبة حقوق الإنسان، جامعة مينيسوتا، https://cutt.us/GvKLe

3- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، https://rb.gy/uni5md

4- الدستور الفرنسي، مشروع الدساتير المقارنة، https://rb.gy/rjtj33

5- الدستور الألماني، مشروع الدساتير المقارنة، https://rb.gy/raniku

6- الدستور الروسي، المؤسسة مشروع الدساتير المقارنة، https://rb.gy/jh7sjo

7- الدستور الإيطالي، مشروع الدساتير المقارنة، https://rb.gy/uhuiux

8- الدستور الياباني، مشروع الدساتير المقارنة، https://rb.gy/vno7zr

9- الدستور الكوري الجنوبي، مشروع الدساتير المقارنة، https://rb.gy/ptpi0i

10- Marxists Internet Archive, Constitution (Fundamental law) of the Union of Soviet Socialist Republics, https://rb.gy/tcgwoe


[1] – محمد يوسف علوان، مبدأ المساواة وعدم التمييز: دراسة في القانونين الدولي والأردني، بوابة ميزان للقانون، https://cutt.us/yTyN2

[2] – إعلان ومنهاج عمل بيجين، مكتبة حقوق الإنسان، جامعة مينيسوتا، https://rb.gy/07sli3

[3] – اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق

الإنسان، https://rb.gy/uni5md

[4] –الدستور الفرنسي، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات & مشروع الدساتير المقارنة، https://rb.gy/rjtj33

[5] – Place des femmes en politique en France, Wikipédia, https://rb.gy/cqc5g0

[6] – الدستور الألماني، مشروع الدساتير المقارنة، https://rb.gy/raniku

[7] – الدستور الروسي، مشروع الدساتير المقارنة، https://rb.gy/jh7sjo

[8] – الدستور الإيطالي، مشروع الدساتير المقارنة، https://rb.gy/uhuiux

[9] – الدستور الياباني، مشروع الدساتير المقارنة، https://rb.gy/vno7zr

[10] – الدستور الكوري الجنوبي، مشروع الدساتير المقارنة، https://rb.gy/ptpi0i

[11] – Marxists Internet Archive, Constitution (Fundamental law) of the Union of Soviet Socialist Republics, https://rb.gy/tcgwoe

[12] – حفناوي بعلي، بانوراما النقد النسوي في خطابات الناقدات المصريات، (عمان: دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع) 2019، كتب غوغل، ص 52، https://rb.gy/rilnty

[13] – عمرو شريف، ثم صار العقل مخًّا، ط 1، (القاهرة: مكتبة الشروق، 2012) ص 75.

[14]– آن موير وديفيد جيسيل، جنس الدماغ، نقلا عن مقالة “التنوع الاجتماعي وجنس الدماغ”، أحلام الجندي، صحيفة دنيا الوطن، ‏23‏/10‏/2010، https://rb.gy/yn05dv

[15] – شريف، ثم صار العقل مخا، ص 76- 77.

[16] – موير وجيسيل، جنس الدماغ.

[17] – المرجع نفسه.

[18]– المرجع نفسه.

[19]– المرجع نفسه.

[20] – عمرو شريف ونبيل كامل، المخ ذكر أم أنثى، ط2، (القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، 2011) ص 103.

[21] – جيرالد هوتـر، الرجل والمرأة.. أيهما الجنس الأضعف، ترجمة د. علا عادل، ط1 (القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، 2011)، ص 68.

[22] – المرجع نفسه، ص 70.

[23] – بماذا يختلف مخ الأنثى عن مخ الذكر؟ قناة الحرة، 26 شباط/ فبراير 2019، https://rb.gy/m0kctz  

[24] – موير وجيسيل، جنس الدماغ.

[25] – المرجع نفسه.

[26] – هوتر، ص 70.

[27] – موير وجيسيل، جنس الدماغ..

[28] – هوتر، ص 14.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version