تعيش المرأة السورية منذ زمن بعيد محرومة من الكثير حقوقها، وينظر لها المجتمع التقليدي على أنها مدجنة لتفريخ الأطفال، وتابعة للرجل التابع بدوره والمستبعد، ولم تنصفها التشريعات والنصوص والمذاهب والحركات الدينية، والعديد من الأحزاب السياسية، ويعتبرها المجتمع إنها ” ناقصة عقل ودين” و” الضلع الأعوج” و”فاتنة الرجال” و”المرأة حرث الرجل”و “الرجال قوامون على النساء”، وتتعرض النساء للظلم والتمييز والعنصرية الجنسوية، ويتم اعتبارها مجرد” عورة”، وفي أفضل الحالات”حرمة”. ولن تحقق أي البلد الحرية، وهي تستعبد نصف المجتمع. فمجتمعات شرق المتوسط متخلفة وظالمة لأنها ما زالت تظلم المرأة وتبخسها حقوقها الطبيعية. في هذه القراءة نسلط الضوء على صورة المرأة السورية في دراما رمضان للموسم الحالي 2022، من عدة جوانب.
صورة المرأة في دراما البيئة الشامية
لا تفارق دراما البيئة الشامية للعام الجاري النظرة الأكثر تخلفا للمرأة السورية من زاوية اعتبارها “حرمة”، في البنية العامة للنص الدرامي الشامي ونتيجة النقد الشديد لهذه النظرة، بدأت العديد من أعمال البيئة تقدم بعض من النماذج المخالفة لصورة “الحرمة”، ومن الأعمال التي قدمت صورة مختلفة العمل الدرامي “بروكار” في جزئيه الأول والثاني حيث ظهرت المرأة تعمل إلى جانب الرجل في العديد من أماكن العمل، فالدكتورة (أنطوانيت، نادين خوري) في المشفى المركزي إلى جانب عدد من الأطباء والممرضات، و”فريال، رنا أبيض” تقود مشغل الخياطة الذي تعمل به عدد من فتيات الحارة، ونول قماش البروكار رغم الحضور الذكوري في مهنة صناعة البروكار، و (أم نادر، غادة بشور) التي تعمل في مكتب بحارة الخوخة لتلبية طلبات الواسطة مقابل أجر مالي، و “كهرمان، سوسن ميخائيل، والراقصة “جي جي” زوجة “هنائي السنانيري، قاسم ملحو” في الملهى الليلي.
إلى جانب مجموعة من نساء الحارة اللواتي يقاومن الاحتلال الفرنسي مثل “فاديا خطاب، أم النور “التي تقتل الكابتن( فرانسوا، عدنان أبو الشامات)، و(بثينة، زينة بارافي)” التي تشارك في مقاومة المحتل، وتدرس كطالبة بكالوريا، ويميز حضور المرأة في بروكار التنوع وعدم حصرها في النمط التقليدي بالبيئة الشامية.
أما في العمل الدرامي الكندوش تظهر الممثلة “سلافة فواخرجي، أم رياض” صاحبة مشغل خياطة تعمل فيه العديد من البنات، وشخصية “أم مصطفى، سامية الجزائري”، التي تهيمن على أسرتها وحياة أفرادها على الرغم من عمل “نبيهة، شكران مرتجى” في كار الخياطة، وخصيصا كنتها “أمل، كندا حنا” فشخصية أم مصطفى أرعبت ابنتها “قمر، وشلت حضور أمل ومصطفى”، وكذلك الفتاة التي تحب وتتزوج (جواد، هافال حمدي) تذهب إلى مخفر الشرطة وتقدم شهادتها تجاه جواد أنه لم يقتل، وتقدم رسائل الحب التي بينهما، وتظهر صورة المرأة التقليدية في شخصية “نهلة، صباح الجزائري”، هذه محاولات للخروج عن الشكل التقليدي لدراما البيئة الشامية، وفي “باب الحارة 12″، هناك محاولات للخروج عن شكله التقليدي من خلال إدخال أستاذة تدرس بنات المدرسة، وطبيبة تعالج أهل الحارة في عيادتها.
صورة المرأة في دراما الأعمال الاجتماعية
تتنحى صورة” الحرمة” في الأعمال الدرامية الاجتماعية نحو صورة مقاربة للواقع الاجتماعي السوري في ما بعد 2011، للمرأة السورية، حيث تظهر في العديد من الأعمال كما هي عليه في الواقع السوري، فالعمل الدرامي الاجتماعي “على قيد الحب” من تأليف فادي قوشقجي، وإخراج باسم السلكا يقدم صورة المرأة التي تقبل الزواج من رجل متزوج “وليد، يزن خليل” يتزوجها على زوجته الأولى نتيجة الحب الذي تكنه (لينا، رنا كرم) منذ الصبا لوليد، رغم ما سببه هذا الزواج من استنكار كلا العائلتين.
بالإضافة إلى العلاقات المتعددة التي تعيشها (كندا، ترف التقي) في حياتها، فمن حبها لـ (نمر، هافال حمدي) إلى علاقتها بالليث المفتي (المدير في الشركة التي تعمل بها)، وعلاقتها غير المكتملة مع (رائد، علاء قاسم)، ومحاولتها مع الكاتب الدرامي (نذير، محمد قنوع)، والإغراء الذي تشكله لمدير الشركة (عزام، سلوم حداد). وسمر سامي التي تمتلك مقهى في الشام القديمة، وتعمل بإدارته.
إن الصورة الواقعية لحالة المرأة السورية تظهر في الأكثر خروجا على المألوف كما في(كندة، ولينا)، لأسباب عديدة منها “الحب”، والمعرفة، والحصول على فرص أفضل في الاختيار والحياة المريحة، في زمن ما بعد الحرب حيث الحصول على عمل في سوريا أصبح من أعقد المسائل التي يواجهها الإنسان السوري سواء كان ذكر أو أنثى، وتظهر صورة المرأة الخانعة في كما شخصية “رجاء، عبير شمس الدين”، زوجة عزام.
أما في العمل الدرامي “مع وقف التنفيذ” للكاتبين “علي وجيه، ويامن الحجلي” وإخراج سيف سبيعي، فتبدو صورة المرأة السورية عبر نماذج نسائية متعددة منها التقليدية “سكر، شكران مرتجى، روضة، مريم علي”، بينما لدينا ثلاث نماذج نسائية خارجة، النموذج الأول “عتاب الباري، صفاء سلطان” التي تختار حياة مطربات الملاهي الليلية التي يعزز وجودها بحضور زوجها في أغلب مسار حياتها.
أما النموذج الثاني “جنان العالم، سلاف فواخرجي” التي عاشت في بيئة متدنية، لتمارس الخروج عن المألوف في حياتها العملية، وتتلقى الضرب المبرح من زوجها (أديب، فايز قزق)، كلما شعر أنها تتخطى حدودها في الطريق الذي رسمه لها.
والنموذج الثالث هو “رولا، سارة بركة” الذي يغرد خارج سرب النساء في العمل من خلال الحرية التي تعيشها عائلة “حليم، غسان مسعود”، حتى أنه عند فحص البكارة الذي أجري لها، لم تكن رولا بكرا، إذ أنه منذ علاقتها الأولى أزيلت البكارة.
وبنتي (فوزان، عباس النوري)، (أوصاف، حلا رجب، وبسمة، ريام كفارنة)، اللتان تخرقان الحضور التقليدي ببعض الجوانب، فبسمة تقيم علاقة جنسية مع (عزام، يامن الحجلي)، وهي متزوجة، أما أوصاف تطبق الضابط (صهيب، محمد قنوع) لتحقيق مصالح خاصة بها، بأن تكون ابنتها معها وليس عند أبيها. هذا التنوع النسائي يوضح غنى عمل “مع وقف التنفيذ”.
بينما العمل الدرامي” كسر عضم” من تأليف علي معين الصالح، وإخراج رشا شربتجي، يظهر أكثر من خرق للأطر التقليدية حيث نجد بيت دعارة تقوده شخصية “أم وردة، رنا جمول”، بوجود الشخصية الأقوى من حيث الشكل”نهى، نانسي خوري”، خريجة الأدب الإنكليزي، وتقدم ذاتها كإحدى المومسات في المجتمع السوري ما بعد الحرب، والضغط الذي تتعرض له “يارا، ولاء عزام” بهجوم نساء الحارة وطردها منها بعد قتل أمها التي كانت على علاقة مع (بسام،غزوان الصفدي) وعدم تدخل والدها لحمايتها بل يطردها من الحارة، وكذلك تعرض أخت (شمس، نادين تحسين بيك) إلى تحرش جنسي في الحارة، ما يستدعى ذهابها إلى قسم الشرطة، وتحميل شمس ذلك للزي الضيق الذي ترتديه الأخت.
ويضاف إلى ذلك صراع “الحكم، فايز قزق” مع زوجته”أم ريان، نادين خوري”، وطليقته”عبلة إسماعيل، كاريس بشار”، والموقف الحازم من عبلة وأم ريان التي ترفض عودتها إلى المنزل، لذلك يخبرها أن ورقة الطلاق ستصلها، لكن الشخصية الأغرب في العمل”ردينا، إليانا سعد” التي على علاقة مع شخص يصورها أثناء الجماع، ويعرضها على( فيسبوك، وتويتر)، ولا توافق على ذلك وتقتله في بيته، وفي السجن تطلب من السجانة إنهاء حياتها بالانتحار.
إن هذا التنوع في الحضور والخروقات للصورة التقليدية التي تعيشها المرأة السورية يعزز من حضور المرأة الواقعي الحياتي السوري المتغير والمتجدد في إطار غير تقليدي، رغم استمرار الحضور التقليدي في الأعمال الدرامية.
بينما العمل الدرامي”ماما عناية” من تأليف وإخراج أحمد حامد يعيد رسم الصورة التقليدية للمرأة في مجتمع سوري متغير حيث نجد “عناية، فاديا خطاب” الشخصية المتحكمة في الأسرة بعد خروجها من منزلها ولجوئها لمكان جديد نتيجة الوضع الاقتصادي.
حضور المرأة في الأعمال الدرامية الكوميدية
لا تخرج الأعمال الدرامية عن حضور المرأة التقليدية غير أن العمل الدرامي الفرسان الثلاث من تأليف محمود الجعفوري وإخراج علي المؤذن نجد أن شخصية “أم عزيز، غادة بشور” ذات حضور قوي في السيطرة على شخصية (أبو عزيز، جرجس جبارة).
أما في العمل الدرامي “حوازيق” من تأليف زياد ساري وإخراج رشا كوكش تؤدي فيه (أم مطيع، سلمى المصري) دور أساسي تخرق الصورة التقليدية في إدارة البيت العربي وتؤجر غرفة واحدة فيه، تكون (الشغالة، اللفاية) من خلال أداء “عبير شمس الدين” في أحد الحلقات وهذا نموذج نادرا ما تقدمه الدراما السورية.
وكذلك في لوحات”بقعة ضوء” قدمت لوحة “ثقة عمياء” شكران مرتجى بأسلوب جديد حيث لا تغار على زوجها، وإنما تحرضه على المصاحبة، حتى تجد بعض الفتيات في غرفة نومها، وعلى سريرها دون أي انفعال أو غضب من (الزوج سامر) من هذا السلوك اليومي، وكأن الزوج عنين غير قادر على الفعل الجنسي، لذلك تتصرف بكل هذه الثقة العمياء.
حضور المرأة في العمل الاستعراضي جوقة عزيزة
يمتاز العمل الدرامي الاستعراضي”جوقة عزيزة” بحضور نسائي كمي رغم أن الجوقة هي باسم “المغنية عزيزة، نسرين طافش”، دورها وحضورها يفارق جميع الأعمال الدرامية الأخرى، إذ أن آلية العمل على الجوقة وتدريباتها والدور المركزي فيها لعزيزة غنائيا ورقصا، وتُبنى الاستعراضات الغنائية على إيقاعها الراقص.
وعزيزة تعشق الضابط “طارق، خالد القيش” ولا تتزوجه نتيجة خضوعه لرؤية والدته، لكنها تتصدى لمحاولات أهالي شارع المراقص إغلاق المسرح.
والجوقة محط صراع شبه دائم من العازفين والرقصات والراقصين فيها حيث يلعب “حميدي حميها، سلوم حداد” قائد الفرقة الدور الكبير في اختيار العازفين والراقصين والراقصات وبرنامج الاستعراض، ويتعزز الاستعراض على مسارح شارع المراقص بحضور المطربة “نورا رحال”.
إن صورة المرأة في دراما 2022، بقيت في إطار النظرة التقليدية للمرأة السورية، ويظهر ذلك جليا في دراما البيئة الشامية، بينما في دراما البيئة الاجتماعية هناك تنوعا غنيا لحضور المرأة يقارب وجودها في الواقع الحياتي السوري ما بعد الحرب السورية منذ العام2011، فالبناء النصي الكلاسيكي لنصوص الدراما حمل بعض التطويرات لزاوية حضور المرأة من خلال استعراض عملها خارج الجانب التقليدي نحو الانتكاس إلى بيع الجسد الذي يعد من أقدم المهن في التاريخ، بالإضافة فإلى إظهار الكبت الذكوري في المجتمع السوري من خلال مشهد التحرش الجماعي في العمل الدرامي “كسر “واستمرار العنف (الضرب المباشر) تجاه المرأة في العديد من الأعمال منها “كسر عضم، مع وقف التنفيذ”، وفي دراما البيئة الشامية في أكثر من عمل منها “الكندوش، بروكار”، بينما العنف اللفظي المتحرش مستمر في أغلب الأعمال، وكأنه جزء من حياة المرأة السورية، أما صورتها في الدراما الكوميدية تختلف عنها دراما البيئة الاجتماعية، لكنها تلعب دورا رئيسيا من خطوط العمل الدرامي.
أخيرا هل تستطيع دراما 2022، أن تكون مفتاح بناء درامي متعدد ومتنوع يصور المرأة السورية في وضعية أفضل في السنوات القادمة من زاوية الحضور النوعي والكمي.
بسام سفر – الحل نت