أم عبدالله امرأة سورية تعيل أربعة أبناء بعد وفاة زوجها، إحدى بناتها في المرحلة الجامعية والباقي في صفوف مختلفة من مراحل الدراسة اصغرهم في التعليم الأساسي، تقف أم عبدالله على طابور الخبز لمدة تتراوح بين ثلاث إلى أربع ساعات يومياً ثم تنتظر دورها عند إحدى جمعيات رعاية الأيتام لتقديم اليسير مما يعينها على مواجهة الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية.
هذه المرأة تعد مثالا لملايين النساء السوريات لأرامل اللواتي اضطرتهن سنوات الحرب وموت أو اعتقال او الاختفاء القسري لأزواجهن أن يكن المعيلات الوحيدات لعائلاتهن. اضطررن للخروج من بيوتهن ليمارسن أدواراً لم يكن مطالبات بممارستها حيث كن يعملن في بيوتهن فقط ويقمن بواجباتهن الزوجية والمنزلية وربما كن عاملات يخرجن لأعمالهن بكل أنفة وكرامة وأعمالهن تدر عليهن مدخولات توفر لهن ولعائلاتهن حياة كريمة حيث كان نسيج الأسرة السورية مترابطا متيناً لا تظهر فيه مشاكل التمزق والتفكك الناتج عن فقدان رب البيت وانشغال الأم بما يسد رمق أطفالها، أما الآن وفي ظل هذه الازمة الخانقة تعاني هؤلاء النساء الكثير في توفير ما يقوت اولادهن معرضات كرامتهن للامتهان، بينما يتعرض الأطفال لفقدان الاستقرار النفسي إضافة إلى مشاكل سوء التغذية والإصابة بالأمراض وخصوصاً في ظل انتشار مفزع لفيروس كوفيد 19 والذي يتم التعتيم على الأعداد الحقيقية للإصابات والتهرب من المسؤوليات المنوطة بالدولة لحماية المواطنين. معاناة تضاف إلى كل الهموم المحيطة بالوضع المعيشي الكارثي حيث تحتل سورية المركز الأول عالمياً كأسوأ مكان للعيش.
تعد المرأة السورية منذ الأزل مثالاً للحكمة والتضحية والكرامة وأثبتت عبر العصور والمحن التي تعرضت لها أنها على قدر المسؤولية والأمانة التي أنيطت بها.
فقد كانت الفلاحة التي تبعث من الأرض سر الحياة والعاملة التي تؤسس لمجتمع متوازن متقدم والأم التي تفيض بحنانها على العالم كله فتحتضنه بأهدابها وبدفء قلبها.
لكن ماذا فعلت الحرب بالمرأة السورية؟
الحرب حولتها إلى ثكلى وفاقدة وضحية؛ حولتها إلى مشردة ولاجئة ونازحة ومهجرة في كل مكان من سورية، أما في مناطق سيطرة النظام فقد تحولت إلى آلة تشبه دولاب العمل تدور في محنتها دون أن تتمكن من تحقيق أدنى مقومات العيش الكريم في ظل انهيار اقتصادي أتى على ما تبقى من صبرها وجلدها وكرامتها، فالنظام لا يعنيه من أمر الناس شيئ فكيف بهؤلاء النساء الأرامل اللواتي يقمن بإعالة عائلات فقدت الرجال فيها موتاً أو اعتقالاً أو تغييباً أو تجنيداً إجبارياً.. فلم يقدم لهن أي امتياز أو حتى ما يقيهن الوقوع في براثن الجوع أو العوز والفاقة ومايدفعهن أحيانا لسلوك مسالك وعرة لم يكن ليسلكنها لولا الحاجة وتقطع سبل العيش الكريم.
وعلى الرغم مما تقوم به بعض المؤسسات الأهلية والجمعيات الخيرية من التخفيف قليلاً من معاناة بعض العائلات لكنها كذلك الأمر تقع تحت سلطة المحسوبيات والوساطات ما يؤدي إلى سوء توزيع كبير بالمواد الضرورية والتي تكون من الأساس قليلة ولا تسد حاجة المحتاجين.
يضاف إلى كل ذلك تعمد النظام دفع النساء إلى سوق العمل لسهولة السيطرة عليهن وهضمهن حقوقهن والتحكم بالأجور الممنوحة لهن نظراً لاضطرارهن للعمل تحت أي ظرف كان.
النساء في سورية أكثر الخاسرين في الحرب وأكثر الخاسرين في الأزمة الاقتصادية وأكثر الخاسرين في استمرار هذا النزيف المضني سياسياً وعسكرياً واجتماعياً..
لقد آن لهن أن يصرخن: لقد جاعت الحرة فكيف يمكن ألا تأكل بثدييها.
لقد فاق الجوع كل الاحتمال.
هالة الأبيض _ نينار برس