syria press_ أنباء سوريا
عقود مرت على بدء القضية الفلسطينية، أوراق سياسية وبحثية بالأطنان، قرارات دولية بعضها يزيد عمرها عن عمر كاتبة هذه السطور، لم ينفذ منها شيء ولم يستفد منها مدني فلسطيني واحد باستعادة حقوقه بل على العكس حُيدت جميع الحلول المنطقية والممكنة لصالح التشدد وتم حشر قضية إنسانية عظيمة بحجم فلسطين في قمقم بحجم تطرف حركة حماس وفساد حركة فتح.
أهم قضية حملها اليسار العالمي لعقود تقلصت رايتها لشعارات جهاد ديني وتم اقصاء كل من لا ينتمي لهذا الجهاد عنها ومنها، أرض بتنوع فلسطين اختصرت بلون واحد واختفت ألوان التطريز من ثوبها لصالح عمامات اتسعت لتبتلع جُلّ القضية، ولصالح تحول قضية عدالة وحقوق لعنوان وشعارات استخدمت لقمع وترهيب شعوب المنطقة من نُظم لا تختلف عن حكومة الاحتلال الا بكون قمعها يُطبق على شعوبها ذاتها.
لكن المقال ليس موجهاً لنقاش القضية الفلسطينية بل لنقاش محاباة الإرهاب، بكون الحدث المحرك لموجة جديدة من هذه المواقف هو أحداث حي الجراح في القدس وإطلاق حركة حماس لصواريخ تلاها رد إسرائيلي بصواريخ أدت لموت مئات الضحايا وترهيب المدنيين، في استمرارية لخبر ربما تكرر على مسامعكم آلاف المرات بل وسيتكرر آلافاً أُخرى ان لم تستطع النخب الثقافية السياسية والمدنية وشعوب المنطقة ادانة الطرفين على درجة سواء، فالعاجزين عن ادانة أوجه التشدد والتطرف بكافة أشكالها وألوانها عاجزين أيضاً عن أن يحملوا قضايا الحق وقضايا العدالة، فمثل هؤلاء من أضاعوا حق الشعب السوري في ثورة مُحقة ومطالب مشروعة، ليحرفوها نحو جهاد ديني هي الأُخرى ونحو فصائل تحت رايات سوداء غريبة عن ثقافاتنا، هؤلاء يحملون وزر دماء الضحايا السوريين والفلسطينيين تماماً كما يحملها من استخدم ضدهم القنابل والصواريخ على حد سواء دون تفاضلية تُذكر..
لكن خطورة هذه المُحاباة لا تقتصر على حمل وزر دماء الأبرياء بل تمتد لتشمل تهجير أبناء هذه البلاد تحت ذريعة صراعات لن تنتهي يوماً، التهجير الذي تشتكي منه بدورها دول الشتات ودول اللجوء وتعجز عن ادارته بما يحفظ كرامة المُهجّرين منذ عقود، وتمتد خطورة هذه المحاباة أيضاً لتشمل النتاج الكارثي على الصعيد الإنساني فحرف الاصطفاف من محور دعم حق انساني عادل نحو محور اصطفاف لدعم جهة مسلحة تستخدم الترهيب والأساليب الملتوية والنفاق السياسي والتسخير الديني والباطنية والفساد والشبكات المافيوية والاقصاء، هو انحراف من المسار السوي الصاعد الى متاهات السقوط على كافة الصعد.
في الواقع لن تجد إسرائيل أفضل من حماس لتبرير قصف المدنيين كما لن يجد الأسد أفضل من داعش والنصرة وسواهما لتبرير وأد حراك مدني للشعب السوري، وكما لم يجد اليمين المتشدد في العالم أجمع أفضل من هذه الوجوه والسمات والأفكار والظلامية لوسم المطالب المحقة للشعوب بالتطرف. هذه الشبكات التي تشجع وتبرر العنف وضمر السوء وتدفع نحو الكراهية والترويج لسمات ان تمكنت لن تقتصر على الفعل السياسي بل تصبح سمات عامة سيئة مُسيئة، لعل أبرز مثال يمر معنا يومياً هو ما يظهر من عدوانية كارهة للآخر ونابذة لكافة الصفات الحميدة، وما نراه من فئة لا يُستهان بها من أتباع هذه التيارات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من ردود أفعال متدنية بالخطاب والمضمون لا تعكس الا التردي الإنساني لأصحابها.
في ظل سيل الادانات لقصف إسرائيل على غزة، بيانين يتيمين سوريين فقط هما من أدانا طرفا القمع والتشدد معاً اسرائل وحماس، وطالبا بحماية المدنيين، لم يسلم أصحاب هذه الأصوات من اتهامات التخوين واتهامات العمالة وسواها وغيرها من لائحة كُرست طويلاً لإسكات كل صوت يكشف هذا التواطؤ القائم لوأد مصالح الشعوب في المنطقة.
لنواجه اذا الواقع اليوم فقضيتنا غير قضيتكم.
نحن، على نقيضكم، مع تحرر شعوب المنطقة كاملة من قيد التجهيل والعنصرية والتردي الإنساني لتكون بعدها الحرية السياسية تحصيل حاصل. نحن، على نقيضكم، لأننا مع نهضة بلادنا الى مصاف الإنسانية كما تستحق شعوبها وكما تستحق أجيالها القادمة. نحن، على نقيضكم، لا قيود تفصلنا عن رحابة العالم والتنوع الإنساني بكافة وجوهه القائمة والقادمة. نحن على نقيضكم، لا تغرنا قوة استهلاك السلاح وتضليل العقول ونؤمن أن قوة بناء وعي الانسان هي الأبقى.
قد نخسر جولة أمام التحريض فبصائر الناس تائهة مشتتة، لكنه مسار ثابت تحييه جذور عميقة ويحييه تحدي اندثار الهوية وتحييه أرض تستحق الحياة ونور الشمس لتبقى اشجارها كما الأزل باسقة ومثمرة لا أن تُدفن تحت حطام المدن. ولنا في التنامي الواضح لوعي جمعي مرتكز صلب لمستقبل أفضل يحمل من الأديان قيمها وليس صراعات يغذيها رجال دين مُتنازعون على السلطة، وتحمله عقول شابة حرة تستحق الاعتزاز والفخر بثقافتها وهويتها ولا تستحق التواري والخجل أمام سمات السوء الدخيلة عليها فعلاً وقولاً.
د.سميرة مبيض_ نواة سوريا