أهذا كلُّ ما كنت أريده أن يتحقَّق في حياتي؟ هل وصلت إلى غايتي التي كنت أطمح إليها، وإلى ما خطَّطت له؟ لماذا لا أشعر بالسعادة والرضا عن منجزاتي؟ ولماذا أنا غير مطمئنة وقلقة حيال المستقبل دائماً؟ تطلق هذا التساؤلات العديد من النساء اللواتي سئمن من نمط حياتهنَّ، واللواتي اقتصر عملهنَّ على غسل ملابس أطفالهنَّ، وتحضير طعام أزواجهنَّ، واختيار ستائر غرفهنَّ، وحضور مسلسل في آخر النهار ليناقشنه في أول جلسة نسائية منظَّمة أو طارئة، كما تطلقها النساء اللواتي أنهين دراستهنَّ، وحصلن على وظيفة مناسبة، وبدأن يتقاضين رواتبهنَّ، ومن ثمَّ اقتنعن باستقلالهنَّ المادي والمعنوي.
يبدو أنَّ هذه الأسئلة مشروعة في الحالتين، إذ كيف يمكن أن تصل إحداهنَّ للقناعة التامة بالوصول إلى النموذج المثالي الأعلى الذي وضعته هدفاً في حياتها من دون أن تشعر بأنَّ نقصاً ما يعتري هذا النموذج أو هذا الوصول، وكذلك كيف يمكن لها أن تعرف ما هو النموذجي أو المناسب لها، أين تكمن المشكلة؟ هل هي في عدم معرفة المرأة ما الذي تريده حقاً، أم في صعوبة الوصول إلى ما هو مثالي مطلق، أم في طريقة الوصول بحدِّ ذاتها؟!
وتعيش كثيرات ضمن علاقة تبدأ على نحو مختلف عمَّا تنتهي عليه، فالبدايات السعيدة لا تنتهي دائماً بنهايات سعيدة، إذ تبدأ أرضية العلاقة بإرسال ذبذبات تنبِّئ بحلول كارثة وشيكة، فتبحث النساء عن سبب ضعف العلاقة وتوترها بعد أن كانت تسير على خير ما يرام، فلا يجدن ما يبرِّر ذلك الغياب المفاجئ للتناغم والألفة، ويشير علم النفس في بعض تفسيراته إلى أنَّ العلاقات بين أيِّ اثنين، ومنها العلاقة بين الرجل والمرأة، تخضع لقانون النسبة، أو التجانس النسبي، أي تلك الحالة من التطابق غير التام، والتوافق على النقاط الأساسية مع الاحتفاظ بالهوية الشخصية الخاصة، وتختلف هذه النسبة من تجربة إلى أخرى، كما أنَّها قابلة للنفاد، بمعنى أن انتهاء العلاقة ووصولها إلى طريق مسدودة هي نتيجة انتهاء النسبة بين هذين الشخصين أو ضعفها الشديد.
ويشير ابن حزم الأندلسي صاحب الكتاب الأشهر “طوق الحمامة في الألفة والألَّاف” والذي يعدُّ وثيقة فلسفية تحدث عن العلاقة بين الرجل والمرأة، إلى فكرة مختلفة توصِّف تلك العلاقة القائمة على سبب أو علَّة، حيث يذهب إلى أنَّ كلَّ علاقة تقوم على سبب محدَّد تزول بزوال ذلك السبب، وتستمر ببقائها، كأن تُبنى العلاقة على مبدأ الشكل الخارجي أو المنصب الاجتماعي أو الجانب المادي، وبزوال تلك الصفات تزول العلاقة؛ لأنَّها قائمة في أساسها على علة، ولا بدَّ أن نشير إلى أنَّ هذه العلاقة لم تكن فقط في ذلك الزمن، إنَّما هي موجودة دائماً ولا يحكمها ظرف محدَّد.
وبناء على ذلك يمكننا أن نتحدث عن العلاقات المحكومة بظروف محدَّدة وخاصة، كتجربة النساء السوريات اللواتي لجأن بسبب الحرب إلى الدول الأوربية المختلفة في ثقافتها عمَّا قد تمكَّن من ذهنيتهنَّ الاجتماعية والثقافية، فأوروبا فتحت لهنَّ أفقاً جديداً من الحرية التي ما اعتدْنها من قبل، الآن هنَّ يتمتعن بالمساواة مع الرجل، وبحقوق كاملة، والأنظمة في تلك الدول تقف إلى جانب المرأة في قوانينها بشكل عام، لذلك فإنَّ هناك حالات كثيرة من الانفصال بين الأزواج سببها هذا المناخ الذي مكَّن المرأة من معرفة حقوقها ورفض ما يقع عليها من حيف وظلم، والاتجاه إلى خيار الانفصال من دون أن يكون لديهنَّ حرج من المجتمع، وهذا ما لم يتقبَّله الرجل الذي اعتاد أن تكون المرأة خاضعة لقوانين تفضِّل الرجل وتؤهله لممارسة سلطته الذكورية على المرأة، وعلى الرغم من الهجوم الحاد الذي واجهته المرأة نتيجة اختياراتها الجديدة التي لم يستسغها المجتمع سابقاً، وعلى الرغم من أنَّها لم تسلم من الانتقاد من المجتمع الذي لا يزال يتمسَّك بذلك النمط التقليدي للمرأة فإنها تعيش منعطفاً جديداً يشهد تقدُّماً في طريق حريتها.
إنَّ معرفة المرأة لطموحاتها ولإمكاناتها الحقيقية، وقدرتها على تكوين فكرة واضحة عن نفسها، بكلِّ ما تتصف به من إيجابيات وسلبيات، وبعيداً عن أيٍّ شخص آخر قد يشوِّش وجودُه هذه الحقيقة يُساعدُ على حلِّ مشكلاتها أو تفادي تلك المشكلات، ويساعدُها أيضاً على رؤية ما هو متاح لها من خيارات في هذه الحياة التي ينبغي أن تشعرها بالرضا والسعادة عمَّا أنجزته، وسيكون لجميع التساؤلات المقلقة إجابات واضحة تعينها على تجاوز الإشكالات التي يمكن أن تعيقها في مسيرتها الحياتية.
فاطمة عبود _ تلفزيون سوريا