سيريا برس - سامر الطه
دخلت كلمات جديدة إلى معجم السوريين خلال السنوات العشر الماضية، حيث باتوا يستخدموها بشكل يومي وباتت جزء من حياتهم، لا وبل عند قسم كبير من اللاجئين السوريين أصبحت هذه الكلمات حياتهم الكاملة. التهجير، النزوح، واللجوء، مصطلحات كنا نستخدمها مع إخوتنا الفلسطينيين أما اليوم فبتنا نتقاسمها معهم على أمل العودة بعد أن عشنا التغريبة السورية بأسوأ معانيها.
ويعَّرف اللاجئ بحسب اتفاقية اللاجئين لعام 1951، أنه “كل شخص يوجد خارج دولة جنسيته، بسبب تخوف مبرر من التعرض للاضطهاد، لأسباب تعود إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو لآرائه السياسية، وبسبب ذلك التخوف أصبح يفتقر القدرة على الاستظلال بحماية دولته أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك”.
ونتج عن هذا الحال الذي وصل إليه الملايين من شعبنا، الكثير من الانعكاسات السلبية على حياته، بالاضافة إلى الآثار النفسية الكبيرة، نتيجة التعرض للقصف والحصار والفقدان والتشرد وخسارة الممتلكات، والبعد عن المجتمع الذي نشأ فيه وكوَّن ذاته بداخله، ليجد نفسه غريباً في مجتمعات أوروبية لا تمت له بأي صلة، أو ضمن مجتمعات عربية يتشارك معهم عوامل عديدة، لكن تبقى الحياة مختلفة بالعادات وأسلوب العيش وتفتقر للأقارب والمعارف وفرص العمل، ويكون مضطراً لبدء حياته من جديد وهذه المرة من تحت خط الصفر.
رحلة اللاجئين السوريين نحو أوروبا
وإذا ما اعتبرنا من هاجر إلى أوروبا يعيش بشكل أفضل، إلا أن وصوله لهناك كلفه الكثير من الأموال، وأغلبهم استدانوا هذه المبالغ التي تراوحت بين (2000 و 8000) ألاف دولار للشخص الواحد، وكانت هذه الهجرة كلفتها لا تقاس لمن فقد أحد أفراد أسرته غرقاً أو برصاص حرس الحدود، وهذا ما شهدت عليه الأمم المتحدة والدول المعنية بصمت ودون إجراءات عملية تذكر، وكأن طالب اللجوء بهدف الحياة الكريمة كان يهرب من الموت ليلتقي به في مكان آخر، ناهيك عن حالات الاعتقال والضرب وسلب الأموال، واستغلالهم والتلاعب بهم من قبل المهربين عبر الحدود، لتزيد هذه الحالات من الأعباء التي يحملها معه طالب اللجوء إلى مكان إقامته الجديد.
وهذه النتائج المريرة بقصصها وتجاربها، يتحمل مسؤوليتها أغلب تلك الدول التي فتحت أبوابها أمام من يستطيع الوصول إليها مقامراً على كل شيء، حتى على حياته، وأوصدت أبوابها بوجه كل من حاول الوصول إلى بلدانها عبر سفاراتهم الرسمية، وكأن صناعة الذل وزراعة العجز وانتهاك حقوق الإنسان ليست حكراً على النظم المستبدة فقط، بل تمارسها أغلب الدول التي تعتبر نفسها ديمقراطية، ولكن بوجه مختلف وناعم. ضد من يطلب اللجوء إليهم.
وبحسب تقرير “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” الصادر عام 2020، فإن عدد اللاجئين السوريين وصل إلى نحو 6.6 مليون لاجئ موزعين في 126 دولة حول العالم، حيث سجل في ألمانيا 572800 لاجئ، وفي السويد 113400 لاجئ. وفي النمسا 50 ألف لاجئ، بينما بلغ العدد في تركيا نحو 3 ملايين و600 ألف لاجئ مسجلين رسمياً ويحملون بطاقة الحماية المؤقتة.
اللاجئين السوريين في مخيمات دول الجوار
أما الذين لم تسنح لهم ظروفهم بالانتقال إلا للمخيمات فيكتب عنهم قصص وروايات من الألم، يطلق عليها القصص والروايات الواقعية، وضجت تلك المخيمات بحكايا عن “الاتجار بالبشر” الذي ينضوي تحته عناوين متعددة مثل (عمالة الأطفال – زواج القاصرات – التهريب – تجارة الأعضاء وغيرها من أمور)، وساهم في انتشار هذه الحالات عدة عوامل منها فقر الحالة المادية، ودرجة الثقافة المتدنية التي تصل عند البعض لحالة الجهل، بالاضافة لبعض الأسر التي فقدت معيلها وبقيت الزوجة وحيدة مع أطفالها مما عرضها أيضاً لاستغلال وجشع هؤلاء التجار، إضافة لعدد أفراد العائلة الكبير الذي قد يدفع ربها إلى تزويج القاصرات من بناته لتخفيف العبء المادي عليه، أو زج الأطفال القاصرين في سوق العمل والتخلي عن الدراسة سعياً لتحقيق دخل أفضل.
وتلك المخيمات التي أنشأت في دول الجوار كان يحكمها للأسف الموقف السياسي قبل الإنساني، وشهدت هذه الدول وخاصة لبنان عدد من المظاهرات والاحتجاجات على تواجد السوريين فوق أراضيهم، كما نظمت في تركيا العديد من الحملات على منصات التواصل الاجتماعي المطالبة بعودة السوريين إلى بلدهم، وانعكس أيضاً على المخيمات الحالة الاجتماعية في الدولة المضيفة ومدى ارتباطها مع السوريين أنفسهم، حيث تعرضت المخيمات للعديد من حالات الاعتداء تمثلت بالهجوم على الأهالي بالضرب ومحاولة إخراجهم منها، كما تم حرق المخيمات بشكل متعمد لعدة مرات وكان أخرها حريق مخيم المنية في لبنان.
ورغم هذه الظروف القاسية فقد أثبت الكثير من السوريين أنفسهم في مجالات متعددة، وتفوقوا على نظرائهم من مواطني دول اللجوء، إن كان على مستوى الدراسة أو الصناعة والتجارة وغيرها من المجالات، ومنح البعض تكريماً خاصاً إما من قبل رؤساء الحكومات أو الرؤساء أو الملوك في الدول التي انتقلوا إليها، ما دفع “فيليبو غراندي” المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للقول: ”أكاد أعجز عن وصف شجاعة وعزيمة السوريين. فقد واجهوا لأيام وأيام المعاناة والحرمان“
وتعتبر عودة السوريين إلى ديارهم مرتبطة بشكل أساسي بإنهاء حالة الاستبداد والقبضة الأمنية التي تعيق أي تقدم مرجو للبلاد، وتقف بوجه تطبيق القانون والدستور الذي ينظم حركات المجتمع المدني، وتدعم عمليات التطور والانفتاح التي عايشها الكثير من السوريين في دول اللجوء التي انتقلوا إليها قسراً.
سامر الطه - سيريا برس