اللاجئون السوريون في تركيا.. مابين الترحيل و العودة الطوعية

غصون أبو الذهب_ Syria Press

تعرضت “منى”  للترحيل هي وأطفالها إلى الشمال السوري بعد 6 سنوات من اللجوء في تركيا، اعتقدت خلالها أنها وجدت الأمان والاستقرار كغيرها من ملايين اللاجئين السوريين الذين هُجروا قسرياً من مناطقهم أو هربوا من بطش النظام وآلته العسكرية، ووجدوا نفسهم بين خيار الترحيل أو العودة الطوعية جراء قرارات الحكومة التركية التقييدية والحملات العنصرية وخطاب الكراهية التي تستهدفهم.

 تقول منى في حديث خاص إلى “سيريا برس”: لقد فقدت زوجي في سوريا بعد مداهمة قوات النظام للحي الذي نقطن فيه في ريف دمشق، ولجأت إلى تركيا أنا وأطفالي وحصلنا على بطاقات “الحماية المؤقتة” ودخلوا المدارس التركية وأمورنا كانت جيدة إلى حد ما، وفي يوم اتصلت بي ابنتي واخبرتني برعب أن الشرطة تسأل عني، أسرعت إلى المنزل وذهبت معهم إلى قسم الشرطة ليتضح لاحقا أن ابني “8 سنوات” وجد موبايلاً في الشارع، وأصرت صاحبة الموبايل أن موبايلها مسروق، وحاولت جاهدة أن أشرح لهم الموضوع وأطلب منهم فتح الكاميرات ليتأكدوا من الحقيقة دون جدوى، وأجبروني على التوقيع على أوراق باللغة التركية اتضح فيما بعد أنها أوراق عودة طوعية، وخلال أيام قليلة ترحلنا إلى الشمال السوري، لقد مرت علينا أيام سوداء، تحملنا فيها الكثير من التشرد والجوع، حتى اهتمت منظمة بقضيتنا وسمحوا لنا بالعودة إلى تركيا، بعد فتح تحقيق موسع وتحويل القضية إلى المحكمة التي أصدرت حكماً بالبراءة”.

قصة منى ليست حالة فردية ، بل حال آلاف اللاجئين السوريين الذين يتم توقيفهم في الساحات والشوارع العامة لأسباب جُلها لا تستوجب الترحيل وفق قانون الحماية المؤقتة، وذلك بعدما تصاعدت الأصوات المنادية بضرورة إعادة السوريين إلى بلادهم، التي غذتها أحزاب المعارضة التركية، أعقبها إعلان حكومي عن التحضير لمشروع يتيح “العودة الطوعية” لمليون سوري إلى شمال سورية. المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي والمجموعات التي تضم السوريين على “الفيس بوك” يقرأ عشرات المناشدات من السيدات اللواتي تقطعت بهن السبل في معرفة مصير أحد أفراد العائلة الذين تم اقتيادهم إلى مراكز الترحيل دون سبب معروف أو مخالفة قانونية تستوجب ذلك، بينما نرى آخرين يشتكون من القوانين التقييدية أو عمليات إلغاء القيود لعدد من اللاجئين.

ترافقت حملات الترحيل مع تضييق على إصدار الإقامة السياحية و بطاقة الحماية المؤقتة للوافدين الجدد إلى تركيا، وهذا ما أكده إسماعيل تشاتكلي نائب وزير الداخلية التركي بقوله: “لن نمنح وضع الحماية المؤقتة بشكل مباشر للسوريين غير المسجلين من الوافدين حديثا، من الآن فصاعدا، وسنأخذهم إلى المخيمات ونحقق معهم في المخيمات” عن أسباب لجوئهم. وكانت وزارة الداخلية التركية أعلنت عن إلغائها قيود 122 ألف سوري مقيم على أراضيها، بحجة عدم تواجدهم في العناوين المثبتين فيها، والبحث عنهم “دون جدوى”. وألحقت الوزارة القرار بحزمة قوانين جديدة، تمنع اللاجئين السوريين المسجلين تحت بند الحماية المؤقتة من تقييد نفوسهم في 16 ولاية و800 حي في 52 ولاية تركية.

الترحيل وفق قانون الحماية المؤقتة

يقول المحامي “غزوان قرنفل” في حديث خاص إلى “سيريا برس”: مشروع العودة الطوعية الذي أعلنت عنه الحكومة التركية والذي يهدف لإعادة مليون لاجىء سوري إلى مناطق في شمال سوريا لم يعلن بعد عن بدء تطبيقه بشكل رسمي ومن غير المعلوم من هي الفئات التي سيستهدفها .. ولا المعايير التي ستأخذ بها الحكومة لتدرج تلك الفئات ضمن البرنامج .

وأضاف بطبيعة الحال لايمكن الزعم أن مليونا من اللاجئين سيعودون طوعيا لمناطق شمال سوريا ولا اعتقد أصلا انه سيقتصر على هذا المليون الذي تسعى الحكومة لجعلهم يغادرون تركيا قبل الانتخابات القادمة .. لكن أنا ممن يعتقدون أن البرنامج سيستمر حتى بعد الانتخابات ليشمل على الأقل ثلاثة ملايين سوري وربما أكثر .. ولتحقيق ذلك جميعنا يلمس القرارات والتعليمات والإجراءات التضييقية على اللاجئين من إيقاف عشرات الآلاف لقيود الكيمليك ومن الترحيل القسري بسبب مخالفات لاتستوجب الترحيل أصلا بموجب قانون الحماية المؤقتة ..

ويشدد “قرنفل” السلطات التركية التي تعاملت بلامبالاة تجاه خطاب الكراهية والتجييش العنصري ضد اللاجئين ابتداءً، سرعان ماتفاجأت بأثر هذا الموضوع على المستوى المجتمعي واستثماره من قبل بعض الأحزاب السياسية المعارضة أرادت أن تسبق المعارضة في ذلك لكي لاتخسر الانتخابات القادمة  ولهذا أطلقت برنامج ( العودة الطوعية ) وتشددت كثيرا في اجراءاتها تجاه المخالفين وباصات الترحيل لاتكل ولا تمل ويمكن القول أنه يتم شهريا ترحيل مايقارب 5000 شخص وسطيا على أقل تقدير.

وبالنسبة إلى الحالات التي نص عليها قانون الحماية المؤقتة التي يجوز فيها الترحيل يوضح “قرنفل”: مديرو أو أعضاء أو أنصار منظمة إرهابية أو منظمة إجرامية هادفة للربح. ومن يستخدم معلومات كاذبة ووثائق مزوّرة في إجراءات الدخول إلى تركيا والتأشيرات وتصاريح الإقامة. إضافة إلى الأفراد الذين يكسبون رزقهم من وسائل غير مشروعة في أثناء إقامتهم في تركيا. والذين يشكّلون تهديدًا للنظام العام أو السلامة العامة أو الصحة العامة. ومن تجاوزوا مدة التأشيرة أو الإعفاء من التأشيرة لأكثر من عشرة أيام أو الذين أُلغيت تأشيرتهم دون مبرر مقبول بعد انتهاء صلاحيتها. وكذلك الأفراد الذين أُلغيت تصاريح إقامتهم، ورُفضت طلبات تمديد إقامتهم ولم يغادروا تركيا في غضون عشرة أيام. والأفراد الذين تبيّن أنهم يعملون من دون تصريح عمل. ومن يخالف أحكام الدخول والخروج القانوني من تركيا. وأخيرا الأفراد الذين تبيّن أنهم قدموا إلى تركيا على الرغم من الحظر المفروض على دخولهم إليها.

الأستاذ المحامي غزوان قرنقل

العودة الطوعية ليست كريمة ولا آمنة

من خلال حلقة نقاش أجريت مع مجموعة نساء في تجمع سنا لدعم المرأة، تقول الأستاذة “شيماء البوطي” مديرة التجمع طرحت تفاصيل عديدة حول أسباب البعض في القدوم إلى تركيا وهل جاؤوا مهاجرين ام مهجرين وما دوافعهم للبقاء فيها رغم إنها لا تطبق قوانين لجوء وتكتفي بما يسمى الحماية المؤقتة التي لا تحمل نصوصاً قانونية ثابتة للتعامل مع اللاجئ.

وأشارت “البوطي”  إلى أن الكراهية المتفشية ضد اللاجئين السوريين قد تصل لشكاوى قانونية يتم الترحيل عقبها والتهمة أساسًا غير عادلة وقد تكون محض افتراء من شخص عنصري. وهذه العنصرية تلاحق السوريين بداية من أسماء المحلات ومن تحدثنا بالعربية ومن سمرة أبناء شعبنا علما أن أوروبا التي تختلف شعوبها عنا حقيقة في الشكل والدين والعرق والفارق الحضاري لا يفعلون ذلك ويعتبرون مظاهر التنوع الثقافي في بلادهم دليلا على رقيهم واتساع أوجه حضارتهم. هذا غير معاناة حامل الكملك الأمرين لتثبيت أوراقه والحصول على الكملك وفي التنقل حتى لو كان بهدف زيارة أو سياحة ويتعرض لازدراء الموظفين دون أن يحاسبهم احد وكأن الإقامة الجبرية مقر بها دون إعلان.

 إن المخالفة في  بعض الأوراق القانونية للاجئين سببها غالبا أن القوانين تسد الأبواب في وجه تكيف اللاجئ مع ظروف عمله أو سكنه بالقرب أو مع أقربائه او أفراد أسرته أو علاجه أو دراسته، أي أن هذه المخالفات سببها جمود القوانين وليس هؤلاء الشباب الذين يعملون بأدنى الأجور ليعيشوا في الحدود الدنيا لمتطلبات العيش.

تجمع سنا

قصة الشاب “أحمد رزوق” 26 عاماً تتوافق مع قصص آلاف اللاجئين الذين تعرضوا للترحيل وتتوافق في حيثياتها مع ماذكرته “البوطي” حيث أن الكثير من المخالفات في الأوراق القانونية لاتستوجب قانونياً الترحيل ويروي أحمد حيثيات ترحيله إلى “سيريا برس” ويقول: أنا في تركيا منذ عام 2016 وأعمل في اسطنبول بمهنة الخياطة، وأحمل كملك صادراً من ولاية أفيون، أتت دورية شرطة للسكن الشبابي الذي أقيم به وطلبت الكمالك، واقتادونا إلى مركز شرطة بحجة التوقيع فقط على أوراق، وقاموا بترحيلنا إلى توزلا ومن ثم إلى كلس التي تعرضنا فيها إلى الإساءة والضرب لإجبارنا على التوقيع على ورقة العودة الطوعية، وأنا رفضت التوقيع وطلبت مترجماً لأعرف محتويات الورقة، فاقتادوني إلى غرفة لايوجد فيها كاميرات مراقبة وأجبروني على التوقيع ورحلوني إلى شمال سوريا.

بالشوارع والجوامع نام “احمد” لأسابيع لم يجد منظمة أو أي جهة رسمية تساعده في مدينة لايعرف فيها أحد، وانتقل مابين عفرين واعزاز محاولاً إيجاد عمل في مهنته ومأوى، ولكن بحسب قوله أن فرصة العمل في هذه المناطق للشباب شبه معدومة والرواتب تتراوح لمن في مهنته بين 30 _ 40 ليرة في اليوم وهي لاتكفي لطعامه لأن الغلاء فاحش، على حد تعبيره. وحاول جاهداً السؤال عن المساكن التي وعدت بها تركيا دون مجيب.

“تسكرت الأبواب بوجهي” يضيف ” أحمد ” قررت العودة إلى تركيا ودفعت إلى مهرب 3000 دولار واضعًا روحي على كفي، وقبضت علي الشرطة العسكرية في منطقة “راجو” بتهمة عبور الحدود بطرق غير قانونية، و”وضعوني في السجن مع عدد كبير من الشباب حالهم كحالي بعضهم كان له أكثر من 7 شهور، وأحدهم فاقد لعقله لأنه لم يستطع الوصول لأهله لإخراجه من السجن، بعد 4 أيام  اطلقوا سراحي بعد دفع مخالفة 300 دولار”. ويؤكد ” أحمد” ان الوضع الأمني مزري في الشمال السوري فالفصائل تحكم المناطق دون حسيب أو رقيب وبحسب قوله “تتحكم بالعباد بقوة السلاح” ويقتتلون فيما بينهم من أجل مصالحهم الشخصية.

 الأوضاع الأمنية والاقتصادية وعدم قدرته للعوده إلى منزله في مدنية حلب، جعلت “احمد” يغامر مرة ثانية بالوصول إلى تركيا ونجح بالوصول إلى مدينة انطاليا. ويشير إلى أنه تواصل مع “منظمة “آسام” والأمم المتحدة ومنظمة تعنى بحقوق اللاجئين وباللجنة التركية السورية المشتركة” وجميعهم اعتذروا عن مساعدته.  ويؤكد أنه بصدد تقديم استرحام للجهات المختصة لتنظر بأمر ترحيله غير القانوني واستخراج كملك جديد، وبحال الفشل “لم يبق لي حل سوى بالهجرة إلى أوربا مثل باقي هالناس” وفق قوله.

الشاب أحمد رزوق

 يوضح المختص بعلم النفسي الديناميكي الأستاذ “فراس الجندي” يعاني اللاجئون السوريون في تركيا الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية، بعد انتشار أخبار تتعلق بالعودة الطوعية أو الترحيل إلى المناطق التي تسمى آمنة. حيث شكلت هذه الأخبار صدمة نفسية جديدة وقلقاً نفسياً جديداً، يُضاف إلى جملة المشكلات والصعوبات التي يتعرض لها المهاجر، علماً أن اللاجئين السوريين قد هاجروا ضمن ظروف قسرية لأحداث صادمة وحرباً دموية شكلت جراحاً عميقة في حياتهم بعد أن غادروا وطنهم ووصلوا إلى تركيا. ونحن نعرف أن الصدمة النفسية حسب تعريف اتحاد الطب النفسي الأمريكي في دليل الاضطرابات العقلية بأنها ردة فعل تأتي نتيجة حدث غير عادي سواء حدث مع الشخص نفسه أو شاهده، حيث يكون رد الفعل شديداً يُعبر عنه بالخوف والعجز والشعور بالرعب، وتترك هذه الأحداث جرحاً نفسياً لدى الأفراد الذين يتعرضون لها.

قلق وعدم استقرار

 تعاني  “سناء” وأفراد عائلتها من قلق دائم وتشعر بعدم الاستقرار مؤخراً،  بعد تعرض أحد أولادها للقبض عليه في احد حملات الترحيل اليومية التي تطال السوريين وخاصة في مكان تجمعهم بمناطق الفاتح واسنيورت في اسطنبول، وأوضحت سناء أن أوراق أبنها قانونية بالكامل وهو يدرس الطب في جامعة تركية، ويتقن اللغة التركية وتم توقيفه مع مجموعة من الشباب في أحد مراكز الاحتجاز دون إبداء الأسباب، وتم الإفراج عنه بعد توكيل محام بيومين، وتضيف: ” تضيق الحياة بنا في تركيا، أين نذهب وأين هي الإنسانية في ترحيل اللاجئين دون أسباب مقنعة، كان الله في عون من لاأهل له، شرطي عنصري وبدون قانون واضح وبتصرف مزاجي يستطيع رمي الشباب في الشمال السوري، أين هي العودة الطوعية وهم يجبرون الناس على التوقيع على أوراق لايعرفون مافيها لتبرير العمليات غير قانونية للترحيل، للأسف تهجرنا من بلدنا قسرياً واليوم نعود مجبرين مكرهين”.

ساهمت انتشار الأخبار التي تتعلق بعودة اللاجئين الطوعية أو ترحيلهم إلى مناطق آمنة في سورية، وفق الأستاذ “فراس الجندي” بعودة أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة، وأعراض القلق والاكتئاب واضطرابات الجسدنة الهستيرية عند الكثير من اللاجئين، ونحن نعرف أن القلق هو رد فعل قوي من جانب الجهاز العصبي الذي لا يمكن للفرد السيطرة عليه بإرادته، لأنه رد فعل طبيعي للبقاء عندما يشعر المرء بالخوف،حيث يرتبط القلق بمجموعة من الأمراض الجسدية مثل ارتفاع ضغط الدم والاضطرابات الهضمية والأمراض القلبية، وتتأثر النساء بالنصيب الأكبر بسبب خوفهم من التشرد، والخوف على أطفالهم، وفقدانهم المصادر المادية التي يمكن أن تدفعهم إلى حافة الهاوية واستغلال عوزهم والتجارة بهم، والذي يمكن أن يدفعهم إلى الانتحار. ولا يمكن أن ننسى أن اضطرابات المصاحبة  للقلق عند الأطفال لها تأثير مأسوي يهدد مستقبلهم ويجعلهم فريسة سهلة للأمراض العقلية أو الوقوع في مستنقع الانحراف.

العودة الطوعية شكلاً القسرية مضموناً

في حديث خاص إلى “سيريا برس” يقول الأستاذ “علاء الدين زيات“منسق مجموعة المساحة المدنية في غرفة دعم المجتمع المدني: يتصدر النقاش الدائم حول درجة أمان الوضع السوري مقولات ثابتة لا تستند إلى أي معايير قياس موضوعية، سواء تلك التي تتحدث أن الوضع غدا آمناً في بعض المناطق (الدنمارك نموذجا) أو أن الأوضاع بخير والوفود تتوافد الى سوريا (الإعلام الرسمي) أو أننا نصنع مناطق أمان مناسبة للعيش (تركيا) أو بالمقابل أن كل شيء ما زال تحت الخطر الكبير ولا عودة ولا نقاش حتى في مستلزمات عودة آمنة وهذا يشمل جميع الذين يدخلون في طور الاندماج مع المجتمعات الجديدة التي هاجروا إليها، وما تزال دوافع الهجرة الأمنية والاقتصادية ومخاطر الصراعات ماثلة ولم تتغير بالنسبة لهم.

المسافة ما بين الرغبات والواقع هي دائما مسافات حرجة، خاضعة لواقع موضوعي وذاتي، إلا أن ما يتقدم على كل ما سبق أن حق التنقل ضمن القانون هو حق مكفول في جميع الشرائع الدولية ويجب انطلاق النقاش من هذا الموقع أولا، وتفكيك البنى التي تحيله الى رغبة صعبة التحقق. وتبيان تلك البنى التي تجعله مجالا للاستثمار السياسي سواء بالتهجير أو طلب العودة المشروطة أو بالعودة الطوعية شكلا القسرية مضمونا.

وسواء الدول كانت موقعة على اتفاقيات حماية اللاجئين أو لم توقع فثمة دائما مجال للتلاعب أمام معايير مزدوجة واختلال ميزان القوى بين قوة دولة وضعف مهاجر،  نعم ثمة مناطق في سوريا تحوز أمنا نسبيا من حيث مخاطر الموت اليومي الذي كان سمة سنوات سابقة، ولكنها لا تحوز أمنا إنسانيا كافيا من حيث الخدمات، ولا تحوز أمنا اقتصاديا كي تكون البنية العامة للاقتصاد ضامنة لحياة العائدين، وكلما تقاطعت القضايا الإنسانية مع المصالح السياسية- وهي دوما ما تتقاطع- كلما شهدنا أنواعا من الانتهاكات القسرية التي تضيف لمحنة اللجوء مزيدا من القلق والترقب والفوضى، وحين نتحدث عن جيران سوريا، وتركيا بشكل خاص كونها الراعي الأكبر لأكثر من ثلاثة ملايين سوري فلا يمكن تخيل حلول سياسية ناجعة لا تضع القيم الإنسانية مرجعية لها.

الأستاذ علاء الدين زيات

خطة العودة الطوعية

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا، عن خطة حكومية لإنشاء منطقة آمنة لإعادة بشكل طوعي نحو مليون سوري إلى شمال سوريا، من خلال إنشاء تجمعات سكنية، وتجهيز المرافق الاجتماعية والبنية التحتية، والمناطق التجارية والصناعية، في المناطق التي تمتد من بين مدن اعزاز وجرابلس والباب، وصولا إلى مناطق تل أبيض وعين عيسى، من خلال بناء نحو 250 ألف وحدة سكنية، في 13 منطقة في الشمال السوري. وكشفت صحيفة “Sabah” أن  خطة “العودة الطوعية” تتكون من ثماني مراحل، حيث ستبدأ الخطوة الأولى بالعودة الطوعية من المدن الكبرى المكتظة بالسوريين، مثل إسطنبول وأضنة وغازي عنتاب، إلى المناطق التي تضمن الاستقرار العسكري والسياسي والأمني، وتقديم دورات وقروض صغيرة  لتمكين السوريين من العمل. إضافة إلى التركيز على الأنشطة التعليمية، وإعادة التأهيل، والدعم النفسي. وطلب الدعم من الصناديق الوطنية والدولية، بما في ذلك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

الوحدات السكنية في شمال سوريا_ الأناضول

يضع كثير من اللاجئين السوريين علامات استفهام أمام شرط الطواعية، خاصة بعد حملات الترحيل والتضييق وإيقاف قيود الآلاف من حاملي بطاقات الحماية المؤقتة. وكان عرض موقع Middle East Eye، تقريراً رصد فيه زيادة ميل السوريين إلى مغادرة تركيا واختيار العديد منهم الذهاب إلى أوروبا بدلاً من العودة إلى وطنهم، والأسباب التي تدفعهم إلى المغادرة،  وأكد أن تزايد عدد السوريين المغادرين سببه “الأزمة الاقتصادية المتزايدة وتصاعد خطاب الكراهية ضد الأجانب” بشكل سريع، ما يدفع السوريين الذين لا يستطيعون العثور على وظيفة والمعرضين للعداء، إلى مغادرة البلاد.

في حين قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو في 24 فبراير/شباط الماضي، إن دراسة استقصائية أجريت على المهاجرين السوريين أظهرت أن 3.1 % منهم لا يخططون للعودة إلى بلادهم، بينما قال 13.7 % إنهم سيعودون إذا انتهت الحرب وبغض النظر عن النظام الذي يحكم البلاد. و أضاف 28.2 % إنهم سيفعلون ذلك فقط (العودة) إذا انتهت الحرب، وكان النظام الذي سيدعمونه في السلطة، فيما أشار 4.1 % إلى أنهم سيعودون إلى سوريا حتى لو استمرت الحرب.

وأعلن ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في تركيا، فيليب لوكلير، عن أن نحو 800 لاجئ سوري يعودون من تركيا إلى بلادهم بشكل أسبوعي. فيما توقع مدير عام الاندماج في رئاسة إدارة الهجرة التركية، نائب المدير العام غوكشة أوك، أن يكون عدد المستهدفين من العودة الطوعية “مليونا أو أكثر، وأشار إلى أن العودة الطوعية بدأت وستستمر، مؤكداً أن  قرابة 500 ألف لاجىء سوري عادوا طوعياً إلى بلادهم.  

تشير الإحصائيات السابقة  إلى أن الكثير من اللاجئين السوريين، يشعرون بالقلق من العودة إلى بلادهم، في ظل بقاء نظام الأسد في سدة الحكم، وبعد أن أسسوا حياة مستقرة في تركيا. ويجدون في القرارات التقييدية وحملات الترحيل مايخالف قانون حقوق الإنسان، واتفاقية جنيف (الخاصة بوضع اللاجئين)  التي وقعت عليها تركيا عام 1951، ولايجدون لهم سبيلاً إلا بركوب المخاطر للوصول إلى أوروبا لعل وعسى تكون لهم بر الأمان.

غصون أبو الذهب _ سيريا برس

 ‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR“صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version